ملخص
دفتر أحوال السودانيين عبر الحدود مع إثيوبيا
تسببت حرب السودان بين قوات الدعم السريع والقوات المسلحة في ظروف معاناة دفعت كثراً من السودانيين والأجانب المقيمين في الخرطوم إلى الفرار لدول جوار، بينها إثيوبيا كخيار ثانٍ بعد مصر بحكم اشتراك الحدود بين البلدين وتصل إلى 1195 كيلومتراً.
يقول موسى حماد، سائق حافلة بين الخرطوم القضارف، "منذ اندلع القتال في الـ15 من أبريل (نيسان) الماضي بدأت تدفقات أجانب ومواطنين في أعداد كبيرة إلى الميناء البري بالخرطوم، بعضهم وجهته إلى مدينة مدني- الجزيرة، والأكثرية تسافر إلى القضارف ومنها إلى إثيوبيا".
ويضيف أنه "على رغم تضاعف سعر التذكرة الذي بلغ أربعة أضعاف، فإن إقبال الفارين لم ينقطع أو يقل. كثيرون منهم سودانيون وآخرون إثيوبيون إلى جانب أعداد كبيرة من الأجانب".
ويوضح حماد أنه "نسبة إلى الإقبال الشديد اضطررت أن أعمل أكثر من رحلة خلال الحرب على رغم الإرهاق وكنا نتابع رحلاتنا ليلاً وسط أصوات النيران في الخرطوم، ولم تعترضنا قوى عسكرية لأن الأيام الأولى كان تركيز القتال منصباً في وسط العاصمة ومناطق قيادات الدعم السريع والجيش ومناطق معينة في الخرطوم".
يقول دبلوماسي سوداني في أديس أبابا "تغير الوضع بعد ثلاثة أيام عقب نشر الجيش السوداني لقوات على طريق الخرطوم مدني القضارف (الطريق إلى الحدود السودانية- الإثيوبية)، أدى إلى طمأنة المواطنين بأمان الطريق، مما دفع تدفقات مضاعفة من القاصدين السفر إلى إثيوبيا".
ويتابع، "عبر متابعتنا شهد الأسبوع الثاني والثالث زيادات بلغت في جملتها ما يقدر بـ6500 لاجئ إلى القلابات وفق مدوناتنا"، وأشار إلى أن "عدداً كبيراً منهم أجانب ظلوا يعملون في السودان كرجال أعمال وموظفي شركات، إلى جانب الطلاب الوافدين الدارسين في الجامعات السودانية من جنسيات مختلفة والعمال الإثيوبيين الذين ظلوا مقيمين في السودان لفترات طويلة".
وأوضح أن "السلطات الإثيوبية في منطقة المتمة الحدودية المقابلة لمنطقة القلابات استقبلت كل النازحين كمسافرين وليس كلاجئين لأن معظم الأجانب، إضافة إلى عدد كبير من السودانيين كانت لديهم إقامات في دول أخرى، ولم يكن الهدف من مجيئهم إلى إثيوبيا هم وعوائلهم سوى العبور إلى أماكن إقامتهم سواء في الخليج أو دول أوروبية، ونتيجة لاشتعال الحرب وإغلاق مطار الخرطوم كان الخيار الأفضل لهم إثيوبيا".
ويكشف عن أن "معظم هؤلاء سافروا عبر إثيوبيا إلى بلدان إقامتهم ولم يمكثوا في البلاد. وإلى جانب هؤلاء كان هناك زائرون سودانيون اضطرتهم الظروف إلى السفر لأديس أبابا ومنحتهم السلطات الإثيوبية إقامات محددة عبر الرسوم المعمول بها".
ويشير الدبلوماسي، "في البداية كانت هناك صعوبات نتيجة التدفق الكبير للنازحين وضعف إمكانات الاستضافة من فنادق وخدمات، وقلة المواصلات الناقلة إلى داخل إثيوبيا، مما اضطر بعضهم إلى تأجير حافلات صغيرة تنقلهم إلى مدينة غوندر المدينة الحدودية الأولى بعد المتمة".
ويضيف "الأوضاع الآن استقرت إلى حد كبير فبينما كانت الأعداد بالمئات الأيام الأولى، الآن الأعداد لا تتجاوز الـ50 شخصاً في اليوم، وهي أعداد متناقصة لأن معظم السودانيين المتأثرين في الأوضاع بالخرطوم قصدوا قراهم داخل البلاد".
كواليس النزوح
وفي ما يتعلق بتفاصيل الطريق والمعاناة يصف الشاب السوداني محمد الحسن رحلته إلى إثيوبيا بقوله "واجهتنا قبل خروجنا من الخرطوم متاعب تمثلت في قلة المواصلات وسط آلاف النازحين، واستغل عدد من سائقي الحافلات الظرف في رفع أسعار التذاكر التي بلغت ما يعادل الـ75 دولاراً في بعض الأحيان".
ويضيف، "تحركنا اليوم الرابع من بداية القتال، كان ينتابنا خوف شديد أن تعترض طريقنا القوات المتمردة المنتشرة في الخرطوم، ولكن وبعد تجاوزنا العاصمة كانت هناك عناصر للجيش السوداني تحرس بعض النقاط، مما طمأننا حتى وصولنا إلى القضارف بعد ست ساعات ونصف الساعة".
يتابع، "توقفت الحافلة في عدد قليل من المحطات كالكاملين والحصحيصا قبل أن نتجه شرقاً إلى حنتوب ومنها إلى الفاو وأخيراً إلى مدينة القضارف التي وصلنا إليها حوالى الساعة الثانية ظهراً في رحلة شاقة، وهناك بدأنا إجراءاتنا في القنصلية الإثيوبية للحصول على تأشيرة الدخول وتطلب ذلك منا بعض الوقت وفق رسوم بلغت 80 دولاراً للشخص الواحد".
يسترسل "قطعت بنا الحافلة في اليوم الثاني من مغادرتنا الخرطوم المسافة ما بين القضارف إلى منطقة دوكة ثم أخيراً إلى القلابات بعد مشوار استمر لـسبع ساعات، لم يكن هناك في الطريق سوى قليل من المحطات توجد بها خدمات فقيرة من أطعمة وغيرها لنتزود بما نحتاج إليه تحت حرارة شمس الحارقة، إلى جانب طريق رديء مليء بالمطبات".
ويضيف الحسن، "بعد وصولنا إلى الحدود وجدنا معاناة أخرى نتيجة التأخير في عمل تأشيرات الخروج من القلابات السودانية الحدودية نسبة إلى التحريات التي تجريها الشرطة السودانية في ظروف الفوضى التي خرج على إثرها بعض المساجين من سجون سودانية. وهذا التحقق أخذ وقتاً لأن سلطات الحدود السودانية تطلب من كل سوداني ضامناً شخصياً له".
ويردف "في الجانب الإثيوبي من الحدود المقابل للقلابات السودانية المتمة حيث يفصل المنطقتين جسر متوسط الطول. وهناك إجراءات أخرى تتمثل في تدقيق الأوراق الثبوتية وتأشيرة الدخول إلى البلاد، وبالنسبة إلى أصحاب جوازات السفر الأجنبية أو حاملي الإقامات في الدول الأخرى يسهل مرورهم مقارنة بغيرهم ممن لا تتوافر لديهم هذه الميزة، وهناك إجراءت تتمثل في المرور بالوحدة الصحية والجمارك".
ويقول الحسن "بعد الانتهاء من الإجراءات الإثيوبية التي لم تأخذ وقتاً طويلاً تجددت الرحلة عبر الحافلات الإثيوبية لمدينة غوندر، وعانينا في الحصول على هذه المواصلات ومن استغلال بعض الإثيوبيين لظروفنا سواء في نقل أمتعتنا، أو غير ذلك"، مشيراً إلى أنه "بعد وصولهم إلى غوندر اختلف الوضع نحو الأفضل لخروجنا من الحدود وطرحنا متاعبنا وراء ظهورنا، فيما هم حلول السلام في الوطن لا يزال يؤرقنا".