Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

كيف تفوق تتويج تشارلز على أفلام "هوليوود"

تضمن الحفل جميع العناصر التي تجعل منه حكاية خيالية على "نتفليكس" لكنه كان أشد تأثيراً من أي فيلم ضخم تقريباً

ملخص

يشبه شون أوغرايدي حفل تتويج تشارلز بالحكاية الخيالية التي تليق بأن تكون مادة لأفلام "هوليوود" ويمدح الملك لكونه عصرياً مهتماً بالثقافة والمناخ والحياة والتعلم

من النادر أن ترى التاريخ يتجلى أمامك. بيد أن ملايين الأشخاص شاهدوا اليوم كنيسة وستمنستر آبي تمتلئ بالسيوف والقفازات والصولجانات والكرات الملكية [كرات مرصعة تعلوها صلبان] والفساتين ذات الأذيال الطويلة والألبسة المكسوة بالفرو مع القبعات المزينة بالريش ومظاهر الأبهة والعظمة والأمراء وحتى رؤساء الوزراء لا أهمية لهم (على ما يبدو) مثل ليز تراس.

كان من الصعب جداً استيعاب كل هذه الأشياء. أعلام الكومنولث التي تزين شارع ذا مول [شارع في وسط لندن]. رداءات مكسوة بالفرو وصولجانات مذهبة. البلوز والرويالز [سلاح الفرسان]. حراس برج لندن. القبعات ذات القرنين [التي يرتديها ضباط الأركان والجنرالات]. عربة ذهبية تزن أربعة أطنان بنيت لتتويج ويليام الرابع في عام 1831. الكرسي الخشبي الكبير المنحوت خصيصاً للملك إدوارد الأول في عام 1300. جواهر التاج التي أعيد صنعها لتشارلز الثاني في عام 1661، بعد أن نزع كرومويل [أوليفر كرومويل، قائد عسكري جمهوري ثار على الملكية في إنجلترا] معظم المجوهرات الأصلية وصهرها وباعها. ناهيك عن المعجبين المؤيدين للحكم الملكي القابعين في خيامهم من نوع "ميليت" (ماركة صنعت في بريطانيا)، والسترات التي تحمل أعلام بريطانيا والقبعات المستديرة السوداء [المعروفة بقبعات بولر].

وتخلل الحفل موسيقى هاندل وإلغار وفوغان ويليامز، وأيضاً، لويد ويبر، إضافةً إلى مشهد متجانس يجمع بين الذهب الفاخر وأقمشة البروكار الدمشقي واللونين اللازوردي والقرمزي، وهو مزيج ولد متعة سمعية بصرية. وقد شكل ذلك تأكيداً فعلياً على الفخر الوطني، لا بل على الثقة، وكأنه جمع بين الخدمة الكنسية ونهائي كأس الاتحاد الإنجليزي ومهرجان برومز للموسيقى الكلاسيكية. وبعد انتظار دام 75 عاماً، أصبح التتويج كأنه حدث جديد يحصل للمرة الأولى، ولا جدال في أنه كان غنياً ومبهراً. وفي الحقيقة، كان من المؤثر جداً رؤية الملك والملكة يخرجان من قصر باكنغهام.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ربما كان هذا الحدث يتضمن جميع العناصر التي تجعل منه حكاية خيالية على "نتفليكس"، بيد أنه كان أشد تأثيراً من أي فيلم ضخم أنتجته "هوليود" تقريباً، إذ تميز بمؤثرات خاصة، وإيقاعات موسيقية تخفت وتتباطأ ثم تصدح وتتسارع، وعودة الأمراء المنفيين، وظهور أميرات تزين رؤوسهن تيجان متلألئة، وارتداء نجم العرض أثواباً ذهبية وأحذية رسمية مزينة بعقدة على شكل فراشة تجعل حتى ولي عهد روريتانيا [روريتانيا هي مملكة خيالية مذكورة في كتب للروائي البريطاني أنتوني هوب] يشعر وكأنه شبه عارٍ.

ولكن في ذاك اليوم وضع المتهكمون تعليقاتهم الساخرة جانباً، فيما تهافت بقيتنا بسعادة إلى الحفل. وشاهدنا هناك رجلاً يبلغ من العمر 74 سنة يشارك في طقوس روحانية دينية قديمة، مسح خلالها رأسه بالزيت ثم توج لاحقاً، فتحول من مجرد شخص عادي إلى ملك، وهي لحظة تشعر الأمم الأخرى بالامتنان لمشاهدتها.

وبالاسترجاع، جلس ملوك عدة في المكان ذاته منذ عام 1066، وهو تقليد لم يتغير منذ حكم وليام الفاتح. كذلك، قرأنا روايات تاريخية عن آخرين مروا بهذه التجربة أيضاً، وأصبحوا حكاماً. والآن، يعتلي العرش ملك عصري للغاية، كان تتويجه مبهراً أكان من ناحية احترامه للأصالة والتقاليد أو من ناحية روح الإبداع والابتكار التي فيه، وشاركت فيه مجموعة رائعة ومذهلة من الناس من مختلف الأديان والألوان.

لقد كان بمثابة رمز للشمولية والترحيب الدافئ بالجميع. والجدير بالذكر أن لائحة المدعوين إلى الاحتفال قد قلصت "وشذبت"، فلم يحضره سوى نصف عدد الدوقات، وربما علت صيحات الاستياء والمعارضة نتيجة لذلك، ولكن قلما يهم اعتراضهم، فبريطانيا يجب أن تتطلع إلى الأمام. بالعادة، نتوقع عادةً أن نرى مشهد التاج وهو يلامس رأس رجل يبلغ من العمر 74 سنة في أحد العروض الرومانسية الكوميدية على القناة الرابعة، بيد أن هذا كان حقيقياً ومحسوساً. كانت هذه لحظة تاريخية في طور التكوين.

ولكن دعونا لا ننسى أنه في خضم كل هذه الدراما وكل هذا الهرج والمرج المتعلق بالميراث، هناك أيضاً مأساة عميقة، وبعض الحظ والقدر. لقد عاصرنا زواج تشارلز وديانا عام 1981، ولو نجا ذاك الزواج، وديانا نفسها، كما توقع الجميع في ذلك الوقت، لكان المشهد اليوم مختلفاً تماماً. فبعد وفاة ديانا في عام 1997، بدا وكأن المؤسسة في حد ذاتها قد لا تصمد، إذ أصبحت أقل شعبية بكثير آنذاك بالمقارنة مع الوضع اليوم الذي يشهد نوعاً من اللامبالاة والاستكانة لدى بعض الناس.

وفي تلك المرحلة، اشتهرت كاميلا بأنها "أكثر امرأة مكروهة في بريطانيا"، وكان من غير المتصور أنها ستتمكن من الخروج علانية إلى الأماكن العامة مجدداً، ناهيك عن الزواج من تشارلز. وما كان مستبعداً أكثر هو أن تستولي يوماً ما مكان "ملكة القلوب".

هي لم تعد تسمى "المرأة الأخرى"، بل حجزت الآن مكاناً لها بين مجموعة كبيرة من الملكات العظيمات السابقات اللواتي كن عقيلات الملوك، مثل الملكة الأم إليزابيث زوجة جورج السادس والملكة ماري زوجة جورج الخامس على التوالي. وتعد قصة كاميلا بالتأكيد واحدة من أعظم حكايات التوبة والتكفير في مجال الشأن العام، والتغيير في مواقف الناس في ما يتعلق بالأخلاق والقيم.

ومن المثير للاهتمام أن جدة كاميلا، السيدة أليس كيبل، كانت عشيقة جد تشارلز الأكبر إدوارد السابع. وفي تتويج إدوارد عام 1902، حرص الملك على منح السيدة كيبل مقعداً في كنيسة وستمنستر آبي لمشاهدة الإجراءات. أما اليوم، فالأمور مختلفة، إذ توج تشارلز وكاميلا جنباً إلى جنب. وعندما سمح في النهاية للملكة الحالية بالزواج من الأمير تشارلز في عام 2005، قال أحدهم إنها دخلت دائرة الفائزين. وقد تحقق ذلك بالفعل اليوم.

هذا أشبه بالجزء الرابع الذي لم ير النور من سلسلة أفلام "العراب" Godfather. وهو يتضمن بالتأكيد نفحة من مسلسل "الخلافة" Succession. معاذ الله أن تشارلز كان من المحتمل أن يكون في السيارة مع ديانا في باريس، أو أنهما ربما كانا ليفقدا ولديهما أيضاً. ولكن لو حصل ذلك، كان من الممكن أن تختلف الأمور تماماً، وكان من المحتمل أن نشاهد الملك أندرو [شقيق الملك تشارلز الثالث الذي فقد امتيازاته الملكية] والملكة سارة [زوجة أندرو السابقة] يعتليان العرش في كنيسة وستمنستر آبي.  

لكن على غرار معظم العروض والإنتاجات (فلتسجل هوليوود الملاحظات وتتعلم من ذلك!) كنا بحاجة إلى نهاية سعيدة. وقد حصلنا على واحدة: ما نراه اليوم هو ملك عصري له اهتمامات نهضوية في الثقافة والمناخ والحياة والتعلم، ملك يقتبس من الشاعرين كيبلينغ ولونغفيلو ويقدر لغة شكسبير ومبادئه. تشارلز هو الملك. يحيا الملك إلى الأبد.

© The Independent

المزيد من تقارير