Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

العقار... مظهر الوجاهة في مصر ملاذا لصون "تحويشة العمر"

آلاف من عمليات البيع والشراء تجرى كل يوم تحت وطأة التضخم والرغبة في التحوط من تآكل الجنيه

متخصصون يرون الحل في التمويل العقاري المُيسر ويحذرون من قنبلة "الأوف بلان" (أ ف ب)

ملخص

مشروعات الدولة وجهة الطبقة المتوسطة... و"الكمبوندات" تفتش عن ذوي القدرات الشرائية الأكبر

المصريون محبون للعقارات بطبعهم، اعتقاد أرسته التجربة وجعلته مظهراً للوجاهة وتعبيراً عن الانتماء للنخبة الأرستقراطية، ووثقته الأعمال الدرامية والسينمائية عبر عديد من الأعمال، فالأثرياء على الشاشة كما في المخيلة المصرية والواقع أيضاً، "أصحاب أملاك" كما يحلو للعامة تسميتهم.

محمود عبد التواب، الموظف المصري ذو الأصول الصعيدية أحد أصحاب هذه القناعات، فلم يمنع أعمامه تقسيم إحدى قطع الأراضي الزراعية الواقعة في محافظة الفيوم (جنوب مصر) إلا لوفاة الجد المالك الأصلي، فالأرض هناك تعبير عن الأصالة، ومقياس لنفوذ العائلات، كما يقول.

كان نصيب الشاب الثلاثيني من عملية التقسيم، كما يروي لـ"اندبندنت عربية" مبلغاً من المال وجد ضالته في شراء عقار بمحافظة دمياط (شمال مصر) حيث يسكن ويعمل، ولغرض التحوط ضد التضخم المرتفع وصون "تحويشة العمر" من التآكل، كما يقول.

بالنسبة لعبد التواب كان الأمر شبه محسوم، فما يمتلكه بعد تقسيم الأرض على الورثة يتجاوز بكثير حدود شراء بضع غرامات من الذهب، وسيلة العامة من أصحاب الدخول المنخفضة لتأمين المدخرات، وفي الوقت ذاته أخفقت شهادات الادخار ذات العائد المرتفع في إغرائه، فوقع اختياره على العقار لا لأنه الأنسب لما يملكه فحسب، إنما لأن العقار مثل الأرض "عزوة" وتعبير عن الأصالة.

طلب المضطر

في فضاء افتراضي وعبر مجموعات للتواصل الاجتماعي تحمل أسامي متشابهة، تُجرى في مصر كل يوم آلاف من عمليات البيع والشراء والمقايضة في السوق العقارية، تحمل في طيات أغلبها مساعي عدة مغايرة للغرض الأصلي المتعارف عليه من اقتناء العقار.

من بين هؤلاء من يدفع بوحدته العقارية للبيع سعياً للتوسع عبر شراء وحدة أكبر، ومنهم من تدفعه الحاجة في ظل معدلات تضخم غير مسبوقة في البلد إلى تسييل أصول عقارية مملوكة لديه، وهناك من يرغب في اقتناء عقار كنوع من أنواع التحوط ضد تقلبات سعر الصرف، بحسب ما تبين من رصد أجرته "اندبندنت عربية" عبر الوقوف على العروض المقدمة بالبيع والشراء في عينة من هذه المجموعات الافتراضية، إلى جانب توثيق آراء خبراء ومطورين عقاريين ونواب.

حفظ قيمة الجنيه

يفسر رئيس غرفة التطوير العقاري ووكيل لجنة الإسكان في مجلس النواب المصري، المهندس طارق شكري، ارتفاع مبيعات السوق بوجود محورين، أولهما المشتري بغرض السكن، والثاني الراغبون في الاستثمار والحفاظ على قيمة الجنيه وقوته الشرائية، وهذه الفئة الأخيرة في تنام مستمر.

يؤمن طارق شكري، أن العقار من "أنجح الأوعية التي تحافظ على القيمة الشرائية للعملة المحلية في ظل تغيرات سعر العملة ومعدلات التضخم"، ويقول لـ"اندبندنت عربية" إن الطلب أكثر من العرض في بلاده، لكن في المقابل، هناك القدرة الشرائية التي تراجعت بسبب انخفاض الفوائض المالية لدى كثير من الأسر نتيجة لغلاء المعيشة وارتفاع تكاليف البناء.

وتراجع الجنيه المصري أمام الدولار الأميركي بنسبة 97.7 في المئة، عبر 3 عمليات من تحرير سعر الصرف منذ مارس (آذار) 2022، حيث تعرضت العملة المصرية إلى ضغوط أعقبت دورة التشديد النقدي من جانب البنوك المركزية وفي مقدمتها "الاحتياطي الفيدرالي" الأميركي نهاية عام 2021، وزادت حدتها في أعقاب الحرب الروسية - الأوكرانية، ما أدى إلى خروج 20 مليار دولار من الأموال الساخنة، وانكشاف سوق أدوات الدين السيادية المصرية بعمليات تخارج واسعة للمستثمرين الأجانب.

فلسفة التمويل العقاري

ويلفت رئيس غرفة التطوير العقاري، إلى أن حل هذه المعضلة يكمن في التمويل العقاري "سهل الإجراءات معتدل الفائدة" مع تغيير فلسفته الأساسية، إذ إن الفلسفة الحالية تقوم على مدى جدارة العميل الائتمانية، في حين من الضروري أن يكون الإقراض بضمان العقار لأنه ضمان كاف لرد الـ70 أو الـ80 في المئة التي يتم إقراضها للعميل من قيمة العقار، بخاصة أن قيمة الأقساط الدورية متناقصة في حين قيمة الوحدة السكنية في تزايد، ومن دون الدخول في التفاصيل الصعبة والمعقدة الخاصة بضرورة إثبات الدخل، لأن المصريين في أغلبهم، ليست لديهم القدرة على إثبات مصادر الدخل.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويقدر وكيل لجنة الإسكان في مجلس النواب المصري، مستوى الارتفاع في أسعار العقارات بـ125 في المئة، في الفترة منذ مارس 2022 في أعقاب الحرب الروسية - الأوكرانية وحتى الوقت الحالي، ويقول إن الوحدة التي كان سعرها قبل عام مليون جنيه (32.363 ألف دولار) أصبحت حالياً بـ2.25 مليون جنيه (81 ألف دولار)، وهذا الرقم قابل للتغيير سريعاً لوجود ضبابية لدى المقاولين في التسعير القائم على سعر الصرف وأسعار الخامات.

نسبة الشراء بغرض الاستثمار والتحوط، قدرها عضو مجلس إدارة غرفة صناعة التطوير العقاري باتحاد الصناعات المصرية، الدكتور محمد راشد بما يتراوح بين 25 إلى 40 في المئة، معتبراً أن النسبة منطقية ومرشحة للزيادة في ظل تراجع سعر الصرف والرغبة في التحوط.

صفقات هائلة

وتحظى السوق العقارية بإقبال متنامٍ، إذ بلغت المبيعات التعاقدية لأكبر 20 مطوراً في السوق المصرية نحو 317 مليار جنيه بنهاية عام 2022 بمعدل نمو 55 في المئة مقارنة بعام 2021، تبعاً لما كشف عنه تقرير صادر عن شركة "ذا بورد كونسالتنج" للاستشارات.

أضاف محمد راشد في حديثه لـ"اندبندنت عربية" أن المبيعات في سوق العقارات المصرية لم تختلف عما كانت عليه في السنوات الماضية، لولا أن نسبة الشراء لغير أغراض السكن ارتفعت للأسباب المذكورة، علاوةً على أن مصر التي تشهد كل عام 950 ألف زيجة في المتوسط وينتج قطاعها العقاري حوالى 400 ألف وحدة سكنية لديها عجز يقدر بـ500 ألف وحدة في المعروض، ويكفل وجود طلب على الشراء طوال الوقت، وهو ما يميز السوق العقارية.

بتفصيل أوسع، يفصل المتخصص العقاري إنتاج السوق المصرية بـ400 ألف وحدة سكنية، فيقول إن هذا الرقم مقسم إلى إسكان اجتماعي ومتوسط تحت مظلة الدولة، وآخر فاخر "كمبوندات" يتبع في أغلبه القطاع الخاص، وأن الأخير يشهد إقبالاً على الشراء لأغراض الاستثمار على نحو ملحوظ، خصوصاً بعد استحقاق الشهادات الادخارية التي أصدرتها بنوك الدولة قبل عام، بإجمالي حصيلة 750 مليار جنيه، خرجت في أغلبها إلى قطاعي العقارات والذهب.

سلاح ذو حدين

ويرى عضو مجلس إدارة غرفة صناعة التطوير العقاري باتحاد الصناعات المصرية، أن أسعار العقارات في مصر شهدت زيادة في الفترة من مارس 2022 إلى مارس الماضي، نتيجة لارتفاع معدلات التضخم وتدني قيمة الجنيه، وهو ما شكل حافزاً للشراء بغرض الاستثمار لأصحاب السيولة، وإن تسبب في المقابل ببعض التراجع في القدرة الشرائية للفئات الأقل دخلاً.

وتتوقع غرفة التطوير العقاري باتحاد الصناعات المصرية، ارتفاع أسعار العقارات في مصر خلال 2023 بما يصل إلى 35 في المئة لأسباب تتعلق بتراجع قيمة الجنيه المصري وارتفاع أسعار مواد البناء وزيادة الطلب على الوحدات السكنية كوعاء وأصل ادخاري.

طبقة الأثرياء

وتقدر شركات التطوير العقاري في مصر نسبة الأثرياء بتسعة في المئة من إجمالي عدد السكان تقريباً، وهي الطبقة التي تظل محل استهداف هذه الشركات لدفع مبيعاتها.

ويتحدث عضو مجلس إدارة شعبة الاستثمار العقاري بالاتحاد العام للغرف التجارية، علاء فكري، عن تغيرات المشهد العقاري في البلاد، معتبراً أن هذه الطبقة لجأت منذ فترة لتأمين مدخراتها عبر التحوط ضد تقلبات سعر الصرف وتراجع قيمة الجنيه المصري أمام الدولار الأميركي.

"هؤلاء لديهم فوائض كبيرة ومستويات عالية من القدرة على الشراء وما يكفي من السيولة لتنفيذ عمليات شراء لأصول عقارية ضمن محفظتهم الاستثمارية بما يتراوح بين ثمانية ملايين (258 ألف دولار) إلى 20 مليون جنيه (647 ألف دولار)" بحسب ما يقول علاء فكري، متحدثاً عن تنويع هذه الطبقة لمحافظهم الاستثمارية بين أسهم البورصة وشهادات البنوك ذات العائد المرتفع.

ويشير تقرير شركة "ذا بورد كونسالتنج" للاستشارات إلى أن الطلب ارتفع بشكل ملحوظ في النصف الثاني من العام الماضي لتشكل الشهور الست الأخيرة 57 في المئة من إجمالي مبيعات العام.

التقسيط المربح

ويعزو علاء فكري، جانباً من الطلب الحالي على الوحدات العقارية مرتفعة القيمة، إلى هذه الطبقة التي تجنب مدخراتها تآكل العملة المحلية، عبر تنفيذ عمليات شراء بـ 10 في المئة فقط من قيمة الصفقة كمقدم للشراء، والاستفادة من التراجع المتواصل في سعر الجنيه المصري بتقسيط بقية المبلغ على سنوات.

يشير المطور العقاري، إلى انخفاض قيمة الجنيه المصري باعتباره السبب الرئيس وراء ارتفاع أسعار كثير من العقارات في مصر خلال الآونة الأخيرة، خصوصاً بالنظر إلى ارتفاع مدخلات الإنتاج ومواد البناء وعلى رأسها حديد التسليح "هناك فوضى في تسعير الحديد، السعر وصل إلى 42 ألف جنيه (1356.89 دولار) لدى التجار بينما السعر المعلن هو 30 ألفاً فقط (969.20 دولار)".

وألقى تراجع قيمة العملة المحلية، ونقص الدولار الأميركي بتبعات ارتدادية على معدلات التضخم التي صعدت لتستقر على مقربة من أعلى مستوياتها في أكثر من خمس سنوات، مسجلةً 32.7 في المئة على أساس سنوي لإجمالي الجمهورية، في مارس الماضي، وفق بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، ويرتفع الرقم إلى 39.5 في المئة بحسب بيانات البنك المركزي المصري، الذي يستثني بدوره أسعار السلع الأكثر تقلباً.

متوسطو الدخل

أما عن الطلب من جانب الطبقة متوسطة الدخل، فيعتقد المتخصص العقاري أن هذه الطبقة انكمشت بسبب ارتفاع مستويات التضخم في البلاد، وأن الطلب من جانبها يذهب في أغلبه إلى الوحدات العقارية التي تنفذها الدولة مثل مشروع الإسكان الاجتماعي.

يفرق علاء فكري بين نوعين من الوحدات العقارية المعروضة في السوق المصرية، فيشير إلى وجود "الوحدات الحقيقية" بمعنى الجاهزة وهي أقل وأغلى ثمناً عند المقارنة بالنوع الآخر من المعروض "أوف بلان"، أي وحدات على الورق وفي طور المستقبل، إذ تمثل الأخيرة "قنبلة موقوتة" نظراً لأنها بمثابة وعود سخية غير قابلة للتنفيذ من جانب بعض الشركات لتمليك العملاء وحدات بتسهيلات في السداد بعد فترات تصل إلى ثماني سنوات، وهو ما يراه مستحيلاً في ظل تقلبات أسعار الصرف والخامات في مصر.

ويوضح عضو مجلس إدارة شعبة الاستثمار العقاري بالاتحاد العام للغرف التجارية أن الطلب كان وسيظل موجوداً لأسباب تتعلق بطبيعة السوق الاستهلاكية الواسعة في مصر، إذ يتجاوز عدد سكان الداخل 100 مليون نسمة، لكن المعضلة في ضعف القدرة الشرائية، واختفاء العقارات الخاصة ذات شريحة الـ300 و400 ألف جنيه (9708.68 إلى 12944.90 دولار) في ظل ارتفاع أسعار التكلفة وتراجع قيمة الجنيه المصري.

لم يفت المتخصص العقاري الإشارة إلى جانب من الوحدات المعروضة للبيع ضمن مشروعات الإسكان المدعوم التي توفرها الدولة، فيرى أن هذه الممارسات على رغم مخالفتها للوائح التمليك التي تفرضها البلاد على المواطنين عند الشراء، إلا أن الظاهرة تعكس التسعير الخاطئ من جانب الدولة لوحداتها، مضيفاً "طالما أن المنتج مُسعر بأقل من قيمته الحقيقية، سيجد إقبالاً واسعاً من المواطنين لغير أغراض السكن، فسيخزنون هذه العقارات بغرض الاستثمار بها".

وأنفقت مصر طوال ثماني سنوات، ما يقارب 98 مليار جنيه (3.17 مليار دولار) على تنفيذ 612.5 ألف وحدة سكنية ضمن مشروعها القومي المدعوم "الإسكان الاجتماعي" إضافة إلى 63 مليار جنيه (2.04 مليار دولار) لتطوير 357 منطقة عشوائية في 25 محافظة، بحسب أحدث تقارير المركز الإعلامي لمجلس الوزراء المصري في يناير (كانون الثاني).

اقرأ المزيد