Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

رسائل المصريين إلى الإمام الشافعي… مظالم وأمنيات

مثلت ظاهرة اجتماعية متفردة تعكس شكل العلاقة بين عموم الناس والأولياء الصالحين

يعتبر ضريح الإمام الشافعي أحد أهم مساجد الأولياء في مصر ويتميز بطراز معماري فريد (مواقع التواصل)

ملخص

على مدى سنوات طويلة انهمرت رسائل المصريين على ضريح الإمام الشافعي حاملة مظالم وشكاوى وأمنيات

يمثل ضريح الإمام الشافعي الواقع في الميدان المسمى باسمه في منطقة القاهرة القديمة واحداً من أهم أضرحة أولياء الله التي تزخر بها العاصمة المصرية، وتشكل جزءاً رئيساً من الثقافة الشعبية للمصريين على مر العصور، فالمصريون من جميع المستويات تربطهم علاقة روحانية فريدة بأضرحة الأولياء وآل بيت النبي التي تعد زيارتها طقساً يحرصون عليه في الأوقات العادية طلباً للبركة، وفي الشدائد للدعاء والتقرب إلى الله بالصلاة في مساجد عرف عن أصحابها الصلاح والتقوى أو الارتباط بشكل مباشر بنسل الرسول مثل مساجد ومقامات آل البيت في مصر.
ومن بين أشهر المقامات في مصر ضريح الإمام الشافعي، الذي تميزه عن جميع مقامات الأولياء ظاهرة فريدة لا مثيل لها، وهي قيام عموم الناس من البسطاء بإرسال رسائل للإمام تحمل شكاوى ومظالم وأزمات يرغبون في حلها. وكانت هذه الرسائل تكتب وتلقى مباشرة في الضريح أو ترسل بالبريد على عنوان المسجد الشهير بالقاهرة، وتصل إليه من جميع أنحاء البلاد أملاً في قضاء الحاجات أو فض النزاعات.
واستمرت الظاهرة السابقة على مدى عصور طويلة، وشكلت إحدى أغرب أشكال العلاقات بين المصريين والأولياء، فعلى رغم مرور مئات السنوات على وفاة الإمام الشافعي استمر الناس في إرسال الرسائل له.
الإمام الشافعي هو محمد بن إدريس الشافعي، ولد في عام 150 هجرية في غزة على أرجح الأقوال، وتوفي بمصر في عام 204 هجرية ودفن فيها في الضريح الشهير بالقاهرة. يمتد نسبه من جهة أبيه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وهو ثالث الأئمة الأربعة عند أهل السنة والجماعة وصاحب المذهب الشافعي في الفقه الإسلامي، ومؤسس علم أصول الفقه وأول من وضع فيه كتاباً تحت عنوان "الرسالة". وكان قاضياً عادلاً في حياته مما يفسر سبب الظاهرة التي جمعته بأهل مصر على مر السنوات.
 


​​​​​​​خصوصية علاقة المصريين بالأولياء

علاقة المصريين بمساجد الأولياء دائماً ما كانت ذات خصوصية سواء في الحرص على زيارتهم في الأفراح والأحزان أو الوفاء بالنذور وإطعام المحتاجين في رحاب الضريح، أو من حيث الاحتفاء بهم والاحتفال لمناسبات مولدهم في ما يطلق عليه المصريون "المولد"، وهو تظاهرة ضخمة تشهد توافد آلاف البشر من محبي صاحب الضريح من جميع أنحاء البلاد للاحتفال به في مشهد ديني شعبي اجتماعي بطابع محلي ونكهة مصرية لا توجد في أي مكان آخر.
وعن علاقة المصريين بالأولياء يقول الباحث في الأدب الشعبي صلاح سليمان لـ"اندبندنت عربية" إن "العلاقة بين المصريين وأضرحة الأولياء وآل البيت دائماً ما كانت فريدة من نوعها قائمة على المحبة والتقدير. وهناك حالة من الارتباط الكبير بخاصة بين أهالي المناطق الشعبية المصرية ومساجد الأولياء، فهم يرونها أعتاباً طاهرة تقام فيها الصلاة والاحتفالات الدينية وتمثل حالة روحانية فريدة حيث تنزل السكينة على زائريها المتوافدين عليها من كل مكان، ومن بينها مساجد تضم بعضاً من آل بيت النبي وتحظى بمكانة كبرى في قلوب المصريين مثل مسجد سيدنا الحسين أو مسجد السيدة نفيسة". ويضيف "هناك حالة من الراحة النفسية تكون بين الشخص ومسجد معين من مساجد الأولياء حتى لو كان في مكان بعيد عنه، فبعض سكان القاهرة يذهبون خصيصاً بانتظام لزيارة مساجد في محافظات أخرى مثل السيد البدوي في طنطا (شمال القاهرة) أو سيدي عبدالرحيم القنائي (جنوباً في الصعيد)، أو مسجد المرسي أبوالعباس (شمالاً في الإسكندرية)، وقد تأتي جموع من المصريين من أقصى الجنوب لزيارة مساجد الأولياء وآل البيت في القاهرة العامرة بهذا النوع من المساجد والأضرحة حباً وتبركاً".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


مظالم يرفعها المصريون للإمام

ظاهرة رسائل المصريين إلى ضريح الإمام الشافعي أثارت انتباه عالم الاجتماع الراحل سيد عويس، الذي أفرد لها دراسة معمقة نشرت في كتاب في سبعينيات القرن الماضي تحت عنوان "رسائل إلى الإمام الشافعي" تناولت نماذج من هذه الرسائل قادمة من 15 محافظة في جميع أنحاء البلاد وجرى تحليلها للتعرف إلى أبرز ما جاء فيها. ووجد عالم الاجتماع الراحل أن الرسائل جاءت بمعظمها في صيغة مظلمة يرفعها الناس إلى القاضي للحكم فيها في أمور حياتية مختلفة.
وتنوعت المظالم والشكاوى فبعضها جاء في خلافات مثل اعتداء على أموال أو نزاعات بين أشخاص على أراض وعقارات وبعضها الآخر جاء فيه مظالم من قبل عمال ضد أصحاب العمل، وضمت بعض الرسائل رغبات في الانتقام والأخذ بالثأر، وبعض الرسائل حملت مشكلات شخصية مثل رغبة فتاة في أن يتقدم شخص بعينه للزواج منها، وشكوى زوج من زوجته وأفعالها، ورغبة حماة في الخلاص من زوجة ابنها التي تكرهها. ولم يقتصر الأمر على المشكلات الاجتماعية وإنما حملت واحدة من الرسائل مضموناً سياسياً حيث كان يطلب فيها المرسل فناء إسرائيل وانتصار مصر في الحرب.
 


بدأت معظم الرسائل بصيغ مختلفة بها تفخيم للإمام مثل "حضرة المحترم صاحب الفضيلة الإمام الشافعي" أو "إلى صاحب الموكب العظيم الإمام الشافعي"، وكانت معظم الرسائل تبدأ بالصلاة على النبي والدعاء وبعضها كان يبدأ بآيات قرآنية أو أبيات من الشعر ثم يتوجه المرسل بالحديث إلى الإمام ورفع شكواه، وبعض الرسائل كان أصحابها ينذرون أشياء سيقومون بفعلها إذا استجاب الله لدعائهم وتحقق الرجاء مثل إطعام الفقراء أو دفع مبالغ مالية لعمل الخير.
وعن ظاهرة رسائل المصريين لضريح الإمام الشافعي يقول الباحث صلاح سليمان إن "الإمام الشافعي في حياته كان القاضي المنصف والعادل وأحبه أهل مصر كثيراً وقدروه حياً وميتاً، وكانت ثقتهم به كبيرة وظلوا يرونه في صورة القاضي العادل حتى بعد رحيله، فالمجتمع الشعبي، سواء الريفي أو الحضري، أهله طيبون بالفطرة ويتعاملون مع زيارة مساجد الأولياء وأضرحتهم باعتبارها وسيلة لقضاء الحاجات وليس باعتبار أن الشخص ذاته أو الولي وسيط بينهم وبين الله، فهم يقدرون الأولياء ويعتبرون زيارتهم محبة لله وللرسول، ويربطون ذلك بفعل الخير، فقد يأتي شخص من أقصى الصعيد ليطعم المحتاجين في رحاب أحد مساجد آل البيت، فهو يعتبره خيراً مضاعفاً". ويضيف أن "الإمام الشافعي باعتبار أنه كان قاضياً ومذهبه وسطياً قدره المصريون طوال فتره إقامته في مصر وكان بينهم وبينه جسور من الثقة امتدت حتى بعد وفاته، فاستمروا في اعتباره القاضي العادل الذي يلجأون إليه في حل النزاعات، وكتبوا له هذه الرسائل أو المظالم التي انهالت على قبره في ظاهرة فريدة ميزت ضريحه عن جميع الأضرحة المشابهة للأولياء الصالحين في جميع أرجاء البلاد وما أكثرها".
ويشير سليمان إلى "ظواهر مشابهة لرسائل المصريين للإمام الشافعي ولكن في سياقات أخرى، من بينها ما تشهده المنطقة المعروفة ببوابة المتولي بمنطقة الدرب الأحمر بالقاهرة، وما عرف عنها من توافد النساء الراغبات في الإنجاب أو من يرغب في الشفاء من مرض أو علة معينة فيلقي ورقة تحمل طلبه في مكان بجانب البوابة أملاً في تحقيق الرجاء. والمتولي الذي تحمل البوابة اسمه كان حاكماً عادلاً أحبه المصريون كثيراً، فالتراث الشعبي المصري غني وعامر بمثل هذه المفارقات التي تعكس العلاقة الوطيدة بين جموع الناس من البسطاء والأولياء وآل بيت النبي".

اقرأ المزيد

المزيد من تحقيقات ومطولات