ملخص
الدين القومي الأميركي هو المبلغ الإجمالي للقروض الذي أخذته الحكومة الفيدرالية ولم تقم بسداده
مع مخاوف الركود ومعدلات الفائدة المرتفعة يترقب المستثمرون والأسواق قضية رفع سقف الدين من قبل الكونغرس الأميركي في ما تبقى من هذا الشهر، وتحدثت وزيرة الخزانة الأميركية جانيت يلين، 10 مارس (آذار) 2023، أمام مجلس النواب في مناقشات الميزانية الفيدرالية للعام 2024 حيث حثت أعضاء الكونغرس على رفع سقف الدين من دون شروط وحذرت من مخاطر التخلف عن السداد. وقالت إن التخلف عن السداد سيؤدي إلى "انهيار اقتصادي ومالي" مشددة على ضرورة ألا ينتظر أعضاء الكونغرس اللحظة الأخيرة والموافقة على رفع سقف الدين، وأن أميركا مستمرة في دفع التزاماتها المستحقة منذ 1789. وتابعت أن وفاء أميركا بدفع التزاماتها هو الطريق الوحيد لتجنب الارتفاع الحاد في أسعار الفائدة، ثم عاودت يلين التحذير مجدداً، في أبريل (نيسان) 2023، بضرورة حسم موضوع سقف الدين حتى لا تتعرض أميركا لصدمة عدم الثقة في النظام المالي، وفي الأول من مايو (أيار) 2023، قامت يلين بإبلاغ الكونغرس بأن أميركا قد تتخلف عن سداد ديونها في وقت مبكر من يونيو (حزيران) 2023، وفي رسالة إلى قادة المجلسين (الشيوخ والنواب) حثتهم على التحرك بسرعة لحماية الوضع الائتماني للولايات المتحدة. وقالت "لقد علمتنا دروس التاريخ أن الانتظار حتى الثواني الأخيرة يحمل مخاطر كبيرة ويجب ألا نفعل ذلك"، وآخر تصريح لها كان في الثامن من مايو الحالي حيث قالت، إن عدم رفع سقف الدين سيتسبب في صدمة هائلة للاقتصاد الأميركي، وإن وزارة الخزانة بحلول الأول من يونيو قد لا تكون قادرة على دفع جميع فواتير الحكومة من دون هذا التشريع.
المعضلة
المعضلة التي تواجه هذه العملية هي الاختلاف السياسي إذ يرى الرئيس جو بايدن أن عملية رفع سقف الدين هي واجب دستوري وعلى الكونغرس الالتزام به من دون شروط، في المقابل، يرى الجمهوريون أن عملية رفع سقف الدين يجب أن تكون مصحوبة بتخفيضات في الإنفاق الحكومي، وتأخير رفع سقف الدين سيجبر وزارة الخزانة على ترتيب أولويات الإنفاق إذ تكون الأولوية لسداد خدمة الدين (الديون المستحقة إضافة للفوائد)، وهذا يعني تأخير الالتزام بسداد تعويضات العاملين (الرواتب) في القطاع العام ما يهدد عشرات الملايين من الموظفين في أميركا، وأيضاً قد يتسبب هذا الوضع في تعليق مدفوعات نظام الضمان الاجتماعي وقد تتأثر الرعاية الصحية.
سقف الدين
تم رفع هذا السقف قبل ساعات من تخلف أميركا عن السداد، وبعد ذلك بأيام، فقدت الولايات المتحدة تصنيفها الائتماني من قبل وكالة التصنيف الائتماني "ستاندرد أند بورز" التي قالت إن النظام السياسي الأميركي أصبح أقل استقراراً.
وتتوقع الأسواق أن يحسم الأمر في الساعة الـ25 كما يتردد، ولكن لعبة حافة الهاوية السياسة هذه المرة ربما تكون لها تأثيرات سلبية كبيرة على الأسواق المالية العالمية التي تعاني ولا تزال تبحث عن نفق يبعدها عن شبح الركود ومزيد من أزمات القطاع المصرفي، والسؤال الذي تبحث عنه الأسواق هو ما هي رد فعل الأسواق عندما تذهب أميركا لليوم "إكس" X-Date، وهو اليوم الذي تستنفد فيه وزارة الخزانة التدابير الاستثنائية جميع في الإنفاق، وهذا اليوم هو على بعد أقل من ثلاثة أسابيع من الآن، وكلما اقترب هذا اليوم من دون اتفاق بين الحزبين في شأن سقف الدين سيطل شبح التخلف عن السداد برأسه على الأسواق، ويتوقع أن يتسبب في موجة ذعر في الأسواق المالية والأسهم وهذا خطر عال قد يعجل بالركود الاقتصادي.
الدين القومي
الدين القومي الأميركي هو المبلغ الإجمالي للقروض الذي أخذته الحكومة الفيدرالية ولم تقم بسداده، في العادة تقوم الحكومة بسداد التزاماتها من الإيرادات الفيدرالية التي تتحصل عليها وعندما لا تكون هذه الإيرادات كافية تلجأ الحكومة لطرح سندات خزانة وعبرها تجمع الأموال وتغطي مصروفاتها، هذه السندات هي ديون مستحقة على الحكومة الفيدرالية، ومنذ عام 2001، لم تحقق الولايات المتحدة فائضاً في الميزانية وهي تقوم بالاقتراض سنوياً لتغطية هذا العجز، وهذا الاقتراض مضبوط بالقانون ويتطلب موافقة الكونغرس، وآخر تشريع لرفع سقف الدين كان في ديسمبر (كانون الأول) 2021 وتم رفع سقف الدين 2.5 تريليون دولار إلى 31.281 تريليون دولار.
الكونغرس وسقف الدين
تاريخياً كان مطلوباً من الكونغرس الأميركي أن يوافق على كل إصدار للدين في تشريع منفصل، وعام 1917، تم تشريع سقف شامل للاستدانة وتم تحديده حينها بـ11.5 مليار دولار بهدف منح وزارة الخزانة مزيداً من المرونة لمواجهة زيادة الإنفاق الحكومي أثناء الحرب العالمية الأولى في ذلك الوقت، وعام 1939، غطى سقف إجمالي الديون جميع الديون الحكومية وزادت مساحة المرونة لوزارة الخزانة وكان ذلك قبل الحرب العالمية الثانية مباشرة، وتم رفع هذا السقف بأكثر من 100 مرة خلال العقود الثمانية الماضية.
وخلال الفترة بين 1980 و1990، تم رفع سقف الدين من تريليون دولار إلى ثلاثة تريليونات دولار، ثم ارتفع السقف إلى ستة تريليونات دولار خلال الفترة بين 1990 و2000، وخلال آخر عقدين ارتفع هذا السقف إلى 31.281 تريليون دولار، والقلق هذه المرة يأتي من حالة الانقسام والخصام.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفي تصريح سابق من البيت الأبيض في شأن سقف الدين أتى على لسان السكرتيرة الصحافية كارين جان بيير قالت، إن البيت الأبيض لن يتفاوض بخصوص سقف الدين ويجب رفعه من دون شرط، وفي المقابل، يشترط الجمهوري كيفن مكارثي رئيس مجلس النواب أن يكون رفع سقف الدين مصحوباً بخطة لخفض الإنفاق، وتجدد هذا الجدل الآن مع مناقشة ميزانية العام 2024 للتدليل إلى حالة الانقسام أن مكارثي نفسه فاز برئاسة مجلس النواب في بداية يناير (كانون الثاني) 2023 بعد 15 جولة تصويت استمرت مدة أربعة أيام، وهذه الحالة من عدم اليقين السياسي ستجعل من رفع سقف الدين إحدى القضايا التي تتحسب لها الأسواق في الفترة المقبلة، ومع زيادة حالة عدم اليقين وسقوط بنك "إس في بي" في 10 مارس 2023 وتعثر بنك "سيغنتشر"، وأيضاً تعثر بنك "فيرست ريبابليك"، تأتي قضية رفع سقف الدين مع عدد من المخاطر التي تحيط بالقطاع المصرفي الأميركي أسعار الفائدة المرتفعة، ويصبح هذا التشريع من القضايا التي ستحوز على اهتمام الأسواق المالية خلال الأيام المقبلة.
الإيرادات والمصروفات
وارتفعت النفقات الفيدرالية للحكومة الأميركية لعام 2022 واحداً في المئة بـ17 مليار دولار لترتفع إلى 6.27 تريليون دولار بما يعادل 25 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي توزعت ما بين 19 في المئة نفقات الضمان الاجتماعي و15 في المئة الإنفاق على الصحة، وبلغ الإنفاق على الدفاع 12 في المئة، وبلغ الإنفاق على التعليم 11 في المئة، وتنقسم النفقات إلى نفقات إلزامية وهي تمثل ثلثي الإنفاق الفيدرالي الأميركي وهذه لا تتطلب موافقة الكونغرس عكس الإنفاق التقديري الذي يتطلب موافقة الكونغرس والرئيس، ويذهب نصف الإنفاق التقديري للدفاع الوطني وميزانيات الوكالات وبرامج أخرى.
وعلى صعيد الإيرادات بلغ إجمالي الإيرادات الفيدرالية، العام السابق، 4.9 تريليون دولار بما يعادل 20 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي تأتي 54 في المئة من ضريبة الدخل الشخصي و30 في المئة تأتي من اقتطاعات الضمان الاجتماعي والضريبة على الخدمات الصحية بينما تسهم ضرائب الشركات بنسبة تسعة في المئة من الإيرادات، وبلغ عجز الميزانية 1.38 تريليون دولار في 2022 مقارنة مع 2.77 تريليون دولار في 2021، ولتغطية هذا العجز تقوم وزارة الخزانة بإصدار سندات الخزانة والأوراق المالية، والدين العام هو تراكم هذا الاقتراض والفوائد المترتبة عليه، وتم تقييده بسقف أعلى يطلق عليه سقف الدين، ويتم رفع هذا السقف بموافقة الكونغرس لذا دائماً ما يكون مرتبطاً بحالة النظام السياسي الأميركي وتوازن القوى بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي، وهذه المرة يعارض الجمهوريون عملية رفع سقف الدين من دون إصلاحات في المالية العامة ويطالبون أن يتضمن اتفاق رفع سقف الدين تدابير خفض الإنفاق
عام 1990 حيث تم تمرير اتفاقية رفع سقف الدين مع إقرار زيادات ضريبية جديدة لأصحاب الدخل المرتفع وتم تقليص بعض التخفيضات الضريبية، وعام 2010 تمت الموافقة على رفع سقف الدين بعد إجراء عديد من الإصلاحات المالية إذ تم خفض الإنفاق ثلاثة دولارات مقابل كل دولار من الإيرادات الجديدة، وتم تقييد الإنفاق على الدفاع ورفع الضرائب على الأثرياء.
وبدأت، في 10 مايو، المحادثات في شأن رفع سقف الدين مع تمسك الجمهوريين بضرورة خفض الإنفاق ورؤية الجمهوريين تقترح رفع سقف الدين 1.5 تريليون دولار حتى 31 مارس 2024 مصحوبة بتدابير بخفض الإنفاق تبلغ 4.5 تريليون دولار، وستبدأ نقاشات مكثفة، في الأيام المقبلة، حول ضرائب الشركات والتخفيضات الضريبية وفجوة التحصيل الضريبي في أميركا، وكلها قضايا ستكون في صلب مناقشات سقف الدين.