ملخص
كبيرة المراسلين الدوليين في "اندبندنت" بيل ترو تتحدث إلى أهم اللاعبين فيما تستعد أوكرانيا للرد على الهجمات الروسية - وكسر الجمود القاتل للحرب
على وقع أصوات المدفعية المدمرة، يشق قائد الطائرات المسيرة طريقه عبر أنقاض القرية الواقعة على بعد مئات أمتار قليلة من المواقع الروسية.
اختفت مظاهر الحياة المدنية من حوله، وبقيت آثارها مجمدة في مشهد يروي قصص عمليات الإجلاء السريعة واليائسة.
نحن في منطقة زابوريجيا، وهو يصطحبنا للقاء وحدته المختبئة في مكان قريب من الخطوط الأمامية الجنوبية الشرقية في الحرب الأوكرانية. يجب أن تظل الوحدة متوارية عن الأنظار، بعيداً من المسيرات الروسية التي تحلق هي الأخرى في الأجواء.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويقول فال، 39 سنة، قائد فرقة الدرونز، أو مسيرات "فيهور"، وهو ينظر إلى السماء الزرقاء الصافية "لا يمكن لأحد أن يعيش هنا بعد اليوم بسبب القرب من الجبهة".
ويضيف "لا أحد هنا سوى الجيش الذي يؤدي مهامه"، ثم يتصل بوحدته عبر اللاسلكي فيخرج العناصر بهدوء من مخابئهم ويتجهون نحو حظيرة ماشية فارغة.
ويكمل "علينا تغيير مواقعنا كل يومين لأننا أهداف عالية الأهمية" كما يقول مشغل مسيرات عمره 31 سنة معروف باسمه الحركي، أوديسا، فيما يحضر أجهزته لجولة مراقبة جديدة.
ويوضح "لا يمكن للمدفعية [الأوكرانية] أن تطلق النار عشوائياً بل عليها أن ترى المكان الذي تستهدفه إن كان المجال متاحاً لإطلاق النار. ولذلك فنحن عيونها"، لافتاً "إذا قضوا علينا، يدمرون عيون الجيش".
تشكل منطقة زابوريجيا الركن الجنوبي الشرقي المهمل عادة في الجبهة الأوكرانية التي تبلغ الآن 900 ميل (1500 كيلومتر). ساعد الاستيلاء السريع على بعض أجزاء هذه المنطقة بعد أسبوع واحد فقط من انطلاق غزو الرئيس بوتين للبلاد في فبراير (شباط) العام الماضي، موسكو على مد جسر أرضي استراتيجي نحو منطقة القرم المحتلة، التي ضمتها روسيا بشكل غير قانوني في عام 2014.
كما سمح للكرملين بالسيطرة على أكبر محطة للطاقة النووية في أوروبا مما أثار حالة من الذعر حول العالم بشأن احتمال اندلاع كارثة نووية. تسببت الصواريخ بحالات خطيرة من انقطاع التيار الكهربائي، استوجب تشغيل المحطة على مولدات الكهرباء التي تعمل بالديزل والمخصصة لأوقات الطوارئ أكثر من مرة.
وسوف تزداد هذه المخاوف بسبب إشارة شركة "إنرغوأتوم" المملوكة للدولة الأوكرانية يوم الأربعاء إلى نية القوات الروسية إجلاء أكثر من 3 آلاف عامل من المدينة التي تؤمن تشغيل المحطة. أفادت التقارير الأسبوع الماضي بأن روسيا أجلت أكثر من 1500 شخص -من بينهم 600 طفل- من 18 بلدة ومستوطنة محيطة بمنشأة الطاقة النووية.
ومن جهته، صرح مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية رافائيل غروسي هذا الأسبوع بأن "عدم القدرة على التنبؤ بالوضع تزداد ويحتمل أن يكون خطيراً".
وبهذا، عادت زابوريجيا إلى واجهة الصراع، وازدادت أهميتها بين أهداف الهجوم الأوكراني الربيعي المضاد والمرتقب، الذي يرمي إلى استرجاع الأراضي الواقعة تحت السيطرة الروسية.
وتأمل أوكرانيا بأن يكسر هجومها المضاد- الذي سماه بعض المعلقين "اليوم الموعود" المحتمل- الجمود القاتل والمنهك مع القوات الروسية في عدة مناطق من الخطوط الأمامية، حيث ظلت قوات موسكو تفوق الجيش الأوكراني عدداً وعتاداً.
تحول الغزو الذي انطلق في 24 فبراير 2022 إلى حرب استنزاف مدفعي طاحنة، تخللتها بعض المكاسب المذهلة حققتها أوكرانيا قبل الشتاء. وتعهد الأوكرانيون بتكرار هذه الاختراقات، لعلمهم بأن الدعم العسكري والمالي غير المشروط الذي يتمتع به البلد من حلفائه في الغرب له أجل مسمى.
لكن حتى الآن، ظهر الغرب أنه على مستوى المسؤولية.
يوم الثلاثاء، صرحت الولايات المتحدة بنيتها منح أوكرانيا مساعدات عسكرية على المدى البعيد بقيمة 1.2 مليار دولار (950 مليون جنيه استرليني) لكي تعزز دفاعاتها الجوية، فيما تستمر روسيا بدك البلاد باستخدام المسيرات والصواريخ وقذائف أرض-جو.
وفي اليوم نفسه، قرر المشرعون في الاتحاد الأوروبي تسريع إقرار قانون تعزيز إنتاج الذخيرة والصواريخ الذي يصب في الجهد الحربي الأوكراني، عقب الإعلان في مارس (آذار) عن خطة إرسال مليون قذيفة مدفعية إلى أوكرانيا.
ومن الضروري جداً إيصال "الذخيرة التي تحتاجها (أوكرانيا) بشدة" بسرعة إليها، بحسب ما أوضح الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي يوم الثلاثاء خلال اجتماع مع رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين في كييف.
وأعاد زيلينسكي التأكيد على الحاجة إلى المساعدة في شن الهجوم المضاد في الربيع، مصرحاً يوم الأربعاء أثناء مقابلة مع هيئات الإذاعات العامة الأوروبية بأن أوكرانيا مضطرة لانتظار وصول المزيد من السلاح الغربي قبل أن تقوم بخطوتها، وإلا سوف تخاطر بـ"خسارة الكثير من الأرواح". وأضاف "أعتقد بأن ذلك غير مقبول. لذلك علينا الانتظار. لا نزال بحاجة إلى بعض الوقت".
وبالإضافة إلى التوقيت المحدد لشن الهجوم المضاد، هناك تكتم شديد حول بقية تفاصيل هذه الخطوة الأوكرانية التي طال انتظارها.
يقول ميخايلو بودولياك، أحد كبار مستشاري زيلينسكي، بغموض "إن تحرير كافة الأراضي من الاحتلال هي فكرة استراتيجية أساسية"، ويضيف في تصريح لـ"اندبدندت" أنه "من غير المنطقي التحدث" عن كل ما يتعلق بالخطط التكتيكية المحددة والأفكار لسيناريو الهجوم المضاد ووجهته الأولية أو الثانوية".
ويوضح "هذه مسألة ترتبط بالأمن والإجراءات العملية والتقليص المحتمل للخسائر. كما أن الخطط الحقيقية متعلقة بالوضع العملي المتغير بشكل كبير وباستمرار".
وبدوره، لم يخض يوري ساك، مستشار وزير الدفاع الأوكراني، في التفاصيل لكنه تعهد بأن البلاد "شبه مستعدة" لشن الهجوم.
ويقول "كما ترين، فإن إرهاب الصواريخ مستمر ووفيات المدنيين مستمرة- والدمار متواصل. علينا الإسراع في إنهاء هذا الموضوع بأسرع وقت ممكن".
ركزت التكهنات الأولية المتعلقة بالهجوم المضاد على منطقة دونباس الشرقية التي مزقتها الحرب، وهي تضم منطقتي دونيتسك ولوغانسك اللتين تسعى روسيا إلى بسط سيطرتها عليهما. ركز الجيش كما مجموعات المرتزقة مثل "فاغنر" على المعركة المحتدمة حول مدينة باخموت في دونيتسك التي اشتهرت بنبيذها الفوار في السابق لكنها سويت تماماً بالأرض الآن.
كما طرحت بعض التوقعات بأن يسعى الأوكرانيون إلى دفع الخطوط الروسية إلى الوراء في منطقة خاركيف الحدودية الشمالية- بعد تحقيقهم مكاسب مماثلة هناك في أواخر الصيف. لكن العيون اتجهت أيضاً إلى الجنوب الشرقي.
وعلى رغم التزامهم الصمت بشأن التكهنات المتعلقة بالهجوم المضاد، قال الجنود المتمركزون في منطقة زابوريجيا، لـ"اندبدندت" بأن الروس يدعمون مواقعهم هناك بصمت. وقد دأبوا طيلة الأشهر الماضية على حفر الخنادق وإحضار المركبات المصفحة وتعزيز وجود القوات، ربما استباقاً للأحداث وربما في محاولة لفتح طريق جديد إلى كييف.
قال قائد المشاة المعروف باسمه الحركي شيبرد، وهو جالس داخل مخبأ في مدينة أوريخيف على الجبهة "يحاولون التقدم هنا ويقصفون المنطقة باستمرار. يمكنك رؤية المدينة وقد دمرت كلياً".
ويضيف "لو استولوا على هذه المنطقة، يمكنهم أن يقطعوا الطريق أمام القوات الأوكرانية في دونباس ويقدروا أن يلتفوا من الخلف. يمكنهم أن يشقوا طريقاً جديداً للوصول إلى كييف"، مؤكداً "لكننا لم نسمح لهم بالتقدم متراً واحداً".
إنما يمكن لأوكرانيا أن تأخذ الخطوة الأولى. إذا تقدمت قوات كييف خلال هجومها المضاد من زابوريجيا جنوباً باتجاه ميليتوبول المحتلة على ساحل البحر الأسود، يمكنها أن تقطع الجسر الأرضي الروسي باتجاه القرم.
ومن شأن هذه الخطوة أن تقطع خطوط الإمداد الروسية إلى مناطق في زابوريجيا من بينها المحطة النووية كما إلى المواقع الأبعد غرباً في خيرسون.
وشهدت منطقة خيرسون، الواقعة على نهر دنيبرو، إحدى الانتصارات الروسية الخاطفة في بداية الحرب: في تقدم سريع لدرجة جعلت المسؤولين الأوكرانيين يتهمون الإدارة الإقليمية بدعم جيش الغزاة.
في مواجهة الضغط المتزايد من الجيش الأوكراني، انسحبت القوات الروسية في النهاية في نوفمبر (تشرين الثاني) إلى الضفة الشرقية من نهر دنيبرو، وأخذت تكثف قصفها على العاصمة الإقليمية التي أصبحت تحت سيطرة أوكرانية، انطلاقاً من الضفة الثانية للنهر. قتل عشرات المدنيين بوابل من النيران الأسبوع الماضي.
ومن شأن أي تقدم أوكراني باتجاه مليتوبول أن يقطع الطريق أمام المواقع في خيرسون، ويخلف تبعات كارثية.
في الوقت الحالي، الأوكرانيون صامدون في المناطق التي تتعرض لقصف عنيف ومتزايد في زابوريجيا.
داخل القرى المهجورة على الخطوط الأمامية، يحدق العدد القليل من المدنيين الذين اختاروا ملازمة المكان بالحفر التي تملأ ما كان سابقاً حدائقهم الخلفية.
وفي البلدات، يتفرق السكان على وقع صياح الجنود "غارة جوية" بينما يعلو هدير المقاتلة الروسية التي تحلق في الأجواء.
تقول ليودا، 39 سنة، وهي تختبئ تحت منزلها في أوريخيف "نحن 1500 شخص لا نزال نعيش هنا، من دون كهرباء ولا غاز أو ماء". لازمت السيدة البلدة للاعتناء بمئات القطط والكلاب الأليفة التي تخلى عنها أصحابها.
وتضيف "كل ليلة أخلد إلى الفراش وأنا أفكر ’آمل بأن أستيقظ [على قيد الحياة]‘".
في مكان أبعد إلى الشرق، عند نقاط المدفعية المنتشرة على الحدود الإقليمية بين زابوريجيا ودونيتسك- وهي أيضاً بؤرة ساخنة- تنهمك كتائب الجيش في دك المواقع الروسية، التي يبدو بأنها تعزز وجودها هي الأخرى.
وهناك، لدى قادة الفرق طلب وحيد وبسيط: المزيد من الدعم الغربي.
ويقول قائد الكتيبة خمارا، 24 سنة، فيما نحتمي بعد إطلاق وابل من قذائف هاوتزر باتجاه الدبابات الروسية "الذخيرة ثم الذخيرة ثم الذخيرة"، مضيفاً "لا شك في أن ما نحتاجه هو الذخيرة، عندها سوف نضع حداً نهائياً لهذه الحرب".
© The Independent