ملخص
دخلت إيران في حالة من الترقب لما ستكون عليه خريطة منطقة القوقاز والمعادلات السياسية التي ستحكمها
منذ انهيار الاتحاد السوفياتي واستقلال دوله، دخلت إيران في حالة من الترقب لما ستكون عليه خريطة منطقة القوقاز والمعادلات السياسية التي ستحكمها والاتجاهات التي سترسو عليها السياسات واستراتيجيات هذه الدول.
مبكراً أخذت حكومة حيدر علييف، الأب والمؤسس للدولة الأذربيجانية عضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوفياتي السابق، خياراتها، وذهبت لتعزيز علاقاتها مع إسرائيل وفتح سفارة لها في باكو عام 1993 بعد أن قامت تلّ أبيب بالاعتراف باستقلال أذربيجان عام 1991، لتكون أول سفارة إسرائيلية في عاصمة لدولة ذات غالبية شيعية على الحدود مع إيران.
في المقابل، سعى علييف الأب إلى بناء علاقة متوازنة مع جارته إيران، لاعتبارات قومية وتاريخية، لمنع الدخول في نزاع جيوسياسي مستقبلاً انطلاقاً من إمكانية لجوء طهران للمطالبة بضم هذه الدولة الناشئة باعتبارها جزءاً تاريخياً من الدولة الإيرانية خسرتها في حربها مع روسيا القيصرية وتخلت عنها في معاهدة "تركمانجاي" مع أماكن أخرى في منطقة القوقاز الجنوبي.
رياح القلق الإيراني من الدور المتنامي لجارتها باكو، ازدادت مع دخول الأخيرة بشكل كامل في دائرة النفوذ الأميركي، بعد أن قامت إدارة الرئيس الأسبق بيل كلينتون بإقامة قاعدة لوجود عسكري وحماية المصالح الأميركية والاستثمارات التي بلغت حينها 10 مليارات دولار بالتزامن مع إقرار قانون "داماتو" في الكونغرس الأميركي الذي يفرض عقوبات على أي استثمار تتجاوز قيمته 20 مليون دولار في إيران، ثم تحولت باكو مع تولي إلهام علييف رئاسة الجمهورية خلفاً لوالده وبدعم مباشر من تلّ أبيب وواشنطن، تحولت لاحقاً إلى أحد أهم مصادر النفط والطاقة لتلّ أبيب، إذ بلغ حجم الصادرات النفطية الأذرية إلى إسرائيل ما مقداره 30 في المئة مما تستورده، في المقابل، تحولت إسرائيل إلى المزودة الرئيسة لباكو بالأسلحة على اختلاف أنواعها، وقد وصل حجم الأسلحة التي اشترتها باكو من تلّ ابيب نسبة 67 في المئة من احتياجاتها بين عامي 2016 و2020، والتي تشكل 17 في المئة من صادرات الأسلحة الإسرائيلية.
والتعاون بين باكو وتلّ أبيب لم يقتصر على الجانب التسليحي، بل توسع ليشمل التنسيق السياسي والدفاعي والتجاري والصناعي والزراعي وحتى تقنيات الري الحديث التي تبرعت فيها إسرائيل وسبق لها أن أسهمت في بناء شبكات المياه والري الإيرانية في العهد الملكي.
ولم يكن مستغرباً أن تذهب طهران ومنظومة السلطة والقرار الاستراتيجي فيها إلى اعتماد خيار التحالف مع الغريم الأساس لأذربيجان في القوقاز، وأن تقدم الدعم للعاصمة الأرمينية يريفان في صراعها مع باكو على منطقة ناغورنو قرة باغ الجبلية، وهو تحالف يقوم على اعتبارات عدة لعل في مقدمها خلق حالة قلق لدوائر القرار الأذربيجانية، وصرفها عن التفكير في التدخل بالشؤون الداخلية الإيرانية من بوابة مدّ اليد إلى أبناء قوميتهم الأتراك الإيرانيين على المقلب الإيراني للحدود في محافظة أذربيجان الغربية وغيرها من المناطق، واستغلال عوامل الضعف المتراكم الذي مارسته حكومة طهران المركزية التي اعتمدت سياسة التهميش لكل المحافظات ذات الأقليات القومية وتعاملت معها تعاملاً أمنياً وحولتها إلى قواعد عسكرية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
والإبقاء على الوضع الجيوسياسي القائم، بخاصة ما يتعلق بالشريط البري الذي تسيطر عليه والذي يشكل طريق الارتباط الوحيد بين أذربيجان وشطرها الآخر في نخجوان، وبالتالي الاحتفاظ بالسيطرة على معبر "زنك زور" المشترك بين إيران وأرمينيا من ناحية، ومن ناحية أخرى يشكل هذا الممر الشريان الحيوي للصادرات الإيرانية باتجاه جورجيا وأوروبا من ورائها، ومحاولات الرئيس إلهام علييف السيطرة على هذا المعبر، يعني حرمان طهران من خط النقل البري الاستراتيجي الذي تطمح لتحويله إلى معبر يربط الجنوب بالشمال، ويسمح لباكو بالحصول على طريق بري رابط بينها وبين إقليم نخجوان الذي يدار بالحكم الذاتي بعيداً من نقاط التفتيش الأرمينية المنتشرة على طرق محافظة سيونيك.
عودة الصراع حول هذه المنطقة الجغرافية، ذات البعد والأثر الجيوسياسي، سبق أن أكد على أهميتها الرئيس الأذري علييف قبل سنتين في 28-4-2020 خلال مؤتمر عقد في باكو تحت عنوان "نظر جديد لقوقاز الجنوبي"، عندما أكد أنه لن يتخلى عن إقامة طريق بري يربط بين باكو ونخجوان "سواء أرادت أرمينيا أم لم ترد، وإذا أرادت فإن الحل سيكون سهلاً، وإذا رفضت سنحلها عن طريق القوة".
عدم وضع العلاقة بين طهران ويريفان في دائرة الخطر، بخاصة أن أرمينيا تحولت مع تنامي العقوبات الأميركية والدولية إلى واحدة من قنوات الالتفاف على هذه العقوبات، فضلاً عما توفره لها هذه العلاقة من الحفاظ على نفوذ ودور مقرر في منطقة القوقاز الحيوية والاستراتيجية، وأن أي توتر على هذه الجبهة سيزيد من التعقيدات والتحديات التي يواجهها النظام في استراتيجيته التوسعية أو التمدد في منطقة الشرق الأوسط، وعدم السماح بتحويل هذه المنطقة إلى ساحة صراع وتنافس مع الطموحات التركية التي لم يتردد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بالكشف والحديث عنها بشكل صريح، والمساعي التي يبذلها لتحقيق طموحه في بناء تحالف يمتد من القوقاز إلى آسيا الوسطى تحت عنوان رابطة الدول الناطقة بالتركية أو من أصول تركية بقيادته، وأيضاً محاولة الإبقاء على علاقة ودية مع باكو لإبعادها قدر المستطاع عن الدخول كطرف إلى الجانب الإسرائيلي الذي عمل على توسيع وجوده ونفوذه في هذا البلد، وسعيه ليكون شوكة في خاصرته الشمالية.