ملخص
معركة لي ذراع في تونس بين نقابات التعليم والسلطات تمهد لـ"سنة بيضاء"، فإلى أين تنتهي الأزمة؟
خيمت المخاوف في تونس، أمس الثلاثاء، من إعلان سنة دراسية بيضاء، أو إقرار آلية الارتقاء الآلي للطلاب، بعد جولة جديدة من التصعيد بين السلطات ونقابات التعليم التي تتمسك بالامتناع عن تسليم علامات الطلاب إلى الإدارات، احتجاجاً على عدم التوصل إلى اتفاق في شأن عدد من المطالب.
وليل الاثنين – الثلاثاء، أصدرت وزارة التربية بياناً دعت فيه الأساتذة إلى تسليم العلامات إلى الإدارات، لافتة إلى أنها "لن تتردد في اتخاذ الإجراءات القانونية والإدارية المناسبة، خصوصاً في ما يتعلق بالواجبات المحمولة على الإطار التربوي (الأساتذة والمعلمين)"، وهو تلميح رأت فيه النقابات تهديداً مبطناً بالاقتطاع من أجور الأساتذة.
وتعهدت الوزارة في المقابل بأن تنهي العمل بجميع أشكال التشغيل الهش، في إشارة واضحة إلى آلية الأساتذة والمعلمين النواب الذين يتعاقدون مع السلطات للعمل بشكل موقت لتعويض زملاء لهم، وهي نقطة من أبرز النقاط التي أثارت خلافات في السابق بين الوزارة ونقابات التعليم.
وسارعت نقابات التعليم إلى الرد على بيان الوزارة بشكل بدا منسقاً، حيث رفضته النقابتان الرئيستان (جامعة التعليم الثانوي ونقابة التعليم الأساسي)، مشيرين إلى أن البيان المذكور تضمن ما وصفتاه بـ"تضليل الرأي العام" في تونس حيث يقوم الأساتذة والمعلمين بعملهم المنوط بهم.
مزيد من تعكير الوضع
لم يكتف وزير التربية محمد علي البوغديري، بالبيان الذي أصدره، وقال في تصريحات بثتها وكالة الأنباء التونسية الرسمية، أمس الثلاثاء، إن "مجموعة مهمة من الأساتذة والمعلمين استجابت لدعوة الوزارة وقامت بتنزيل علامات الامتحانات في المنصات المخصصة لها".
والبوغديري هو نقابي سابق كان ينشط في الاتحاد العام التونسي للشغل، النقابة ذات النفوذ القوي، وهو كذلك معارض بارز لقيادة الاتحاد الحالية برئاسة نور الدين الطبوبي، واستعان به الرئيس قيس سعيد في يناير (كانون الثاني) في ظل الأزمة مع النقابات على أمل أن يحلها، لكنه لم ينجح بعد في تحقيق اختراق في هذا الشأن.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وقال الكاتب العام المساعد لجامعة التعليم الثانوي، فخري السميطي إن "وزارة التربية هي من تتحمل مسؤولية الحديث عن سنة بيضاء أو غيرها من السيناريوهات، وليست نقابة التعليم الثانوي أو الأساتذة، فالطرف الإداري ووزير التربية يتحملان مسؤولية أي منعرج في سير السنة الدراسية سواء من جهة إرباك هذه السنة والامتحانات أو أي شيء يطاول المدرسين، مثل الاعتداءات نتيجة الشحن ضدهم هذه الأيام، والتحريض المبطن في تصريحات الوزير".
وأضاف السميطي لـ"اندبندنت عربية" أن "وزارة التربية بصدد الهروب إلى الأمام، ويريدون المغالبة وهو أمر غير مسؤول يشعل فتيل التوتر بين الوزارة والنقابات، لأن قرار حجب العلامات ليس قراراً جماعياً بل هو مرتبط بخيارات الأساتذة، لذلك نجدد التذكير بأنه لا لغة الترهيب وشق صفوف الأساتذة ولا لغة المراوحة بين التهديد والترغيب يمكن أن تحل الأزمة".
وحول تصريحات الوزير، قال السميطي إنها "تزيد الأزمة اشتعالاً، وهو أمر لا يمكن أن يكون إلا رغبة في تعكير الوضع، ولكن في مصلحة من؟ لا نعرف، المهم أننا كنقابات تحلينا بروح المسؤولية والرصانة، وأخيراً انعقدت جلسات تفاوضية منذ قدوم البوغديري على رأس الوزارة، وحتى في هذه الجلسات تحلينا بالرصانة، والدليل أن أغلب المفاوضات كانت تتمحور حول مكتسبات قديمة للقطاع التعليمي مبرمة في اتفاقيات، وحول ترقياتنا التي تم السطو على بعضها وتأخير بعضها الآخر عمداً بينما هي مكاسب عادية ومألوفة للقطاع ولا يمكن التشكيك فيها ومع ذلك خضعت للتفاوض".
ولا يزال ما لا يقل عن 2.3 مليون طالب وطالبة رهينة هذه المعركة بين وزارة التربية والنقابات منذ بداية العام الدراسي الحالي، وسط مخاوف متزايدة من إمكانية اللجوء إلى إعلان سنة بيضاء أو الارتقاء الآلي، وهو سيناريو شهدته تونس عام 2015.
وقال السميطي إنه "عندما تم طرح المطالب الجديدة قمنا بمراعاة الوضعية المالية الحالية، خصوصاً أن موازنة 2023 لم ترصد فيها زيادات لا للمدرسة ولا للمدرسين، وكان التفاوض في أغلبه من أجل الرغبة في تسقيف ما يمكن أن نتفق عليه بأجل 2024 وما بعدها".
مفاوضات طالت
ومن غير الواضح ما إذا كان الطرفان، أي النقابات والسلطات، سيعقدان جلسات تفاوض في الأيام المقبلة لحل أزمة التعليم من عدمه، خصوصاً أنهما يرفضان تحمل المسؤولية، وكل طرف يرمي بالكرة في ملعب الآخر، وهو ما فاقم التوجس من سيناريوهات أخرى للأزمة الراهنة.
وكان الرئيس قيس سعيد دعا خلال لقاء مع وزير التربية في الرابع من مايو إلى التسريع بإيجاد حل لأزمة حجب العلامات عن الطلاب، خصوصاً مع اقتراب بدء الامتحانات الوطنية ونهاية العام الدراسي الحالي.
واعتبر الباحث السياسي محمد ذويب، أن "المفاوضات بين الوزارة ونقابات التعليم طالت أكثر من اللازم من دون ظهور بوادر انفراج في الأفق، وما زاد الطين بلة هو بيان الوزارة الصادر الاثنين".
وأوضح ذويب في تصريح خاص "كنا نتمنى أن لا يكون البيان بتلك الحدة، بخاصة أن الوزير الحالي نقابي قديم، لكن هذا البيان أسهم في مزيد من التفاف المربين من المرحلتين الابتدائية والثانوية حول نقابتهم، وعموماً ما زال هناك أمل في استئناف المفاوضات، لأن التصعيد لن يخدم أحداً، ونتمنى العودة السريعة لطاولة المفاوضات وإيجاد حل، لأن سيناريو الارتقاء الآلي غير ممكن في الامتحانات الوطنية على غرار السادسة والبكالوريا".
وشدد على أن "مسؤولية الوضع الذي آل إليه العام الدراسي مشتركة، فبعض الاتفاقات منذ بداية 2019 لم تنفذ، إذاً فالحكومة الحالية والحكومات السابقة تتحمل المسؤولية". مردفاً "على النقابة أن تتحلى برحابة الصدر وتراعي الوضعية المادية الصعبة التي تمر بها البلاد".
وترفع النقابات عديداً من المطالب، بما فيها تلك المتصلة بترقيات أو زيادات في الأجور، وهي مطالب تقول الوزارة إن من الصعب الاتفاق حولها في ظل الأزمة الاقتصادية التي تئن البلاد تحت وطأتها منذ سنوات، وذلك وسط مفاوضات عسيرة ومتعثرة تقودها الحكومة برئاسة نجلاء بودن مع صندوق النقد الدولي من أجل الحصول على تمويل جديد يقدر بـ1.9 مليار دولار.