ملخص
عادة ما يستدعي زيلينسكي في خطاباته أمام المحافل الوطنية نقاط اتصال ذات ارتباط عاطفي ونفسي بذلك البلد الذي يتحدث له، فما الذي سيقوله في القمة العربية المقبلة حال مشاركته فيها كضيف شرف؟
خلال أقل من شهر على بدء الحرب الروسية على أوكرانيا في الـ24 من فبراير (شباط) 2022، كان الرئيس الأوكراني فلوديمير زيلينسكي خاطب أكثر من 10 برلمانات غربية عبر الفيديو، وحظي بالإشادة والتصفيق الحار بصفته بطلاً لم يغادر ميدان القتال ويسعى إلى حشد الدعم لبلاده.
منذ ذلك الحين بات مشهد الرئيس الأوكراني بقميصه الأخضر (الزيتي العسكري) متحدثاً عبر شاشات الفيديو للبرلمانات والمحافل الدولية عملية متكررة ومستمرة شكلت نقطة قوة له.
بحلول نهاية 2022 كان زيلينسكي ظهر افتراضياً في نحو 44 محفلاً دولياً من برلمانات وطنية في أنحاء أوروبا وأميركا الشمالية، إضافة إلى كوريا الجنوبية واليابان وأستراليا ونيوزيلندا وإسرائيل، واجتماعات دولية مثل "الناتو" والجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن والمجلس الأوروبي، وحتى الأحداث الفنية والثقافية مثل مهرجان أفلام "فينيس" وحفل جوائز "غرامي" ومعرض "فرانكفورت" للكتاب، وأخيراً تشير تقارير إلى استعداد الرئيس الأوكراني لحضور القمة العربية المقررة في جدة بالسعودية في الـ19 من مايو (أيار) الجاري.
خطابات الكفاح
يتحدث زيلينسكي، الممثل السابق الذي اعتاد الوقوف أمام الكاميرات، بشكل مباشر وبحضور وتركيز شديد مع ابتسامة بسيطة يخالطها وجه متجهم أثقلته هموم الحرب ودمار بلاده، لكنه في الوقت نفسه يقف واثقاً رافعاً أحياناً قبضته في الهواء ومطالباً بدعم شعبه بالسلاح والمال لدرء اعتداء جارته على بلاده.
وربما كان لتلك الملابس البسيطة من قميص وسروال وحذاء رياضي تأثير عاطفي في المستمعين الذين يجدون في الرجل إخلاصاً لقضيته، فلا وقت لديه للوجاهة التي اعتاد عليها قادة العالم، متمثلة في الملابس الفخمة من بدلة وربطة عنق أنيقة، بل يبدو كرجل عادي في وقت استثنائي مما يجعل خطاباته أكثر إنسانية وصدقاً لدى المستمعين قادة أو شعوباً.
عادة ما يستدعي زيلينسكي في خطاباته أمام البرلمانات الوطنية نقاط اتصال ذات ارتباط عاطفي ونفسي بذلك البلد الذي يتحدث له، مما يستحضر مشاعر وطنية بخاصة لدى عامة الناس.
ففي حديثه للكونغرس الأميركي ذكر هجمات الـ11 من سبتمبر (أيلول) 2001 الإرهابية في نيويورك والهجوم على بيرل هاربور عام 1941، لحث الأميركيين على دعم أوكرانيا في الدفاع عن الديمقراطية، وأثارت مقاطع الفيديو لحجم الدمار الذي أحدثه العدوان الروسي في أوكرانيا دموع بعض المشرعين الأميركيين.
وفي حديثه إلى برلمان بريطانيا بدا أنه يستحضر روح رئيس الوزراء البريطاني وينستون تشرشل، مردداً أجزاء من كلمات الأخير في نثر درامي، كما استعان بعبارات لويليام شكسبير، وبالمثل أشار إلى معركة فردان التي تعود للحرب العالمية الأولى عندما تحدث للفرنسيين.
وفي خطابه أمام البرلمان الفنلندي ألمح الرئيس الأوكراني إلى آثار الغزو السوفياتي لفنلندا عام 1939، وفي حديثه للبرلمان الأسترالي أثار مواضيع ذات صدى محلي، فتحدث عن مأساة الرحلة "إن أتش 17" التي أسقطها مقاتلون موالون لروسيا فوق إقليم الدونباس عام 2014 وراح ضحيتها 283 راكباً بينهم 38 مواطناً أسترالياً وطبيعة الأحلام غير القابلة للكسر.
وقال مشيراً إلى إسقاط طائرة أوكرانية "هل يمكننا القول إن روسيا دمرت حلمنا؟ لا، لقد دمرت المادة لا الروح، الغلاف لا الجوهر. نحن نعلم أن حلمنا لا يمكن هزيمته وتحطيمه".
تقول المحاضرة في العلاقات الدولية لدى جامعة "فيندرز" في أستراليا جيسيكا جانور إن الرئيس الأوكراني يؤكد دائماً في خطاباته، سواء للعالم الخارجي أو داخلياً، أهمية حرب أوكرانيا للناس في جميع أنحاء العالم، فيكرر التأكيد أن بلاده منخرطة في كفاح إنساني أوسع من أجل الحرب على الطغيان ومن أجل الحياة على الموت. فالتطلع إلى الانتقال من الاضطهاد إلى الحرية، واختيار الحياة في مواجهة الدمار، هو التطلع الذي تسعى إليه جميع البلدان والشعوب تقريباً.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
في أغسطس (آب) الماضي قال زيلينسكي "وحد شعبنا العالم الحر ليس فقط حول نضاله من أجل الحرية، ولكن حول فهم مدى هشاشة حريتنا. حرية كل دولة في أوروبا وفي أجزاء أخرى من العالم".
وتحدث في أكتوبر (تشرين الأول) قائلاً "أينما جلبت روسيا الموت والانهيار فإننا نعيد الحياة الطبيعية، هذا بالتحديد عن الأوكرانيين، وحيثما كانت أوكرانيا فإن الحياة لا تدمر أبداً. أوكرانيا تعني التعافي دائماً، هذا ما يميز أوكرانيا عن روسيا، وهو ما سيساعدنا في الفوز في النهاية لأننا نكافح ونعمل من أجل الحياة".
وساطة خليجية
ليس من الواضح ما سيتحدث عنه زيلينسكي حال مشاركته كضيف شرف في القمة العربية، لكن هذه المشاركة تأتي في إطار مساع خليجية للتوسط من أجل إنهاء الحرب في أوكرانيا عبر إيجاد أرضية مشتركة من شأنها أن تؤدي إلى بدء مفاوضات بين موسكو وكييف.
عرضت السعودية مراراً التوسط بين البلدين، ففي مارس (آذار) الماضي قال وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان إن بلاده مستعدة للتوسط في الأزمة الروسية - الأوكرانية، مضيفاً خلال مؤتمر صحافي مشترك مع نظيره الروسي سيرغي لافروف "نؤكد تأييد كل المواقف الداعمة للتوصل لحل سياسي في أوكرانيا".
سبق ذلك زيارة المسؤول السعودي لكييف ولقاءه زيلينسكي في مقر الرئاسة، إذ أكد الدعم الإنساني لأوكرانيا واستعداد الرياض للتوسط في حل سلمي.
وكانت الرياض بين أوائل العواصم العربية التي يتواصل معها زيلينسكي عقب اندلاع الحرب، إذ أجرى اتصالاً هاتفياً مع ولي العهد السعودي في مطلع مارس (آذار) 2022، الذي أكد "دعم السعودية لكل ما يسهم في خفض حدة التصعيد واستعدادها لبذل جهود الوساطة بين كل الأطراف ودعمها جميع الجهود الدولية الرامية إلى حل الأزمة سياسياً".
وفي سبتمبر (أيلول) الماضي نجحت الرياض في تأمين إطلاق سراح 10 أجانب كانت أسرتهم روسيا في أوكرانيا، بينهم خمسة بريطانيين وأميركيين اثنين.
السير على الحبل
منذ اندلاع الحرب، وباستثناء الموقف السوري، سعت الدول العربية إلى تجنب فخ الانحياز، إذ اختارت أغلب الدولة العربية الحياد الواضح، وأبرزها مصر التي أيدت القرار الأممي في الثاني من مارس 2022، الذي يستنكر الهجوم الروسي ويدعو موسكو إلى سحب جميع قواتها على الفور، لكنها رفضت في الوقت نفسه توظيف العقوبات الاقتصادية ضد موسكو، ودعت إلى حل سريع عبر الحوار والطرق السلمية.
ورأت ثلاث دول عربية النأي بنفسها عن النزاع، وهي السلطة الفلسطينية والجزائر التي امتنعت عن التصويت على القرار الأممي، وأعلن المتحدث باسم وزارة الخارجية محمد عبودي أن بلاده ترفض أن تكون طرفاً، وهو الموقف نفسه الذي اتخذه العراق، فيما فضلت المغرب الغياب عن المشهد مع إعلان التشبث بمبدأ عدم اللجوء إلى القوة وتعزيز مبادرات التسوية السلمية للنزاعات.
من جهتها أيدت السعودية القرار الأممي، لكن ولي العهد الأمير محمد بن سلمان أكد استعداد بلاده للعب دور الوساطة بين طرفي الأزمة في اتصالين هاتفيين مع كل من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره الأوكراني زيلينسكي.
ونجحت دول الخليج في السير على حبل رفيع من الحياد، فصوتت لصالح قرار أممي يستنكر الهجوم الروسي من دون أن ترضخ للضغط الأميركي من أجل الانضمام للمعسكر الغربي، لا سيما بالنظر إلى ما تمتلكه دول الخليج من سلاح النفط المؤثر للغاية.
لكن الموقف السعودي في شأن السياسات المتعلقة بإنتاج النفط لم يرق لواشنطن التي سارعت لاتهام الرياض بالانحياز إلى موسكو، بعد أن قررت مجموعة "أوبك بلس" في أكتوبر الماضي خفض الإنتاج مليوني برميل يومياً، أي نحو اثنين في المئة من الطلب العالمي، بداية من نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي وحتى نهاية عام 2023. وهو القرار الذي اعتبرت الولايات المتحدة أنه يصب في مصلحة روسيا، بينما نددت السعودية بهذه الاتهامات، واصفة إياها بالزائفة. وأكدت أن الأمر يتعلق بدوافع "اقتصادية بحتة"، إذ يسعى القرار إلى ضمان استقرار أسواق النفط ويصب في صالح المستهلكين والمنتجين على حد سواء.
في خضم ذلك التوتر دخل زيلينسكي على الخط ليؤكد العلاقات الوثيقة بين بلاده والسعودية، وقال في جزء من خطابه للأوكرانيين آنذاك "هناك اتفاقات مهمة من بين أمور أخرى، قرار الشركاء (السعودية) بتقديم حزمة دعم إنساني بمبلغ 400 مليون دولار مهم جداً"، متابعاً "في الوقت الحالي لدينا علاقات ذات معنى مع السعودية أكثر من أي وقت مضى منذ 30 عاماً".
غموض استراتيجي
تقول كريستيان أولريتشسن أستاذ العلوم السياسية في معهد "بيكر" بجامعة "رايس" في هيوستن - تكساس "لقد كان من الواضح منذ بداية الهجوم الروسي قبل عام أن شركاء أميركا الإقليميين في الشرق الأوسط لن ينحازوا إلى أي طرف أو ينخرطوا في منافسة القوى العظمى والتنافس الاستراتيجي الذي أصبح أكثر صعوبة منذ عام 2022، لذا إلى هذا الحد فشلت الولايات المتحدة في إقناع شركائها الإقليميين بالانحياز إلى جانب معين".
ويصف مراقبون الموقف الخليجي حيال الحرب الروسية - الأوكرانية بالغموض الاستراتيجي، ففي لقاء استضافه منتدى الخليج الدولي قالت سينزيا بيانكو زميلة لدى المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية "حتى الآن من الواضح جداً لهم (دول الشرق الأوسط) بعد مرور عام على عزل روسيا أن الانحياز لأي من الجانبين لن يكون في مصلحتهم، لذا فهم ما زالوا يرفضون بشدة القيام بذلك".
وأضافت أن معظم دول الخليج ظلت غامضة، و"تعتز بهذا الغموض الاستراتيجي، هم يتحوطون منذ اليوم الأول من الحرب".