"أنا ضد التنمر"، حملةٌ أطلقتها اليونيسف قبل عام تقريباً، ولاقت صداها في دولٍ عربيَّة كثيرة، منها مصر، إذ تبنى الحملة المجلس القومي للأمومة والطفولة، ولاقت نجاحاً ورواجاً في المدارس للتوعية الجادة بخطورة هذا التصرّف، كما وجدت الحملة صدى كذلك لدى النجوم المصريين، إذ ساندوا الأطفال الذين يواجهون التنمر من قبل زملائهم، وكذلك من يتعرّضون إليه على السوشيال ميديا بتعليقات جارحة وقاسيّة.
لكن، يبدو أن التفاصيل اختلطت عند كثيرين من نجوم الفن، حتى أصبحوا لا يخدمون الهدف الحقيقي للحرب ضد التنمر، فهل باتت القصة مبالغاً فيها؟ وهل وصلت الأمور إلى أن من ينتقد اختيار ذوق فنانة لفستانها بأنه يتنمَّر عليها ويُقصيها ويجرح نفسيتها؟ ماذا يفعل نقَّاد الموضة إذن؟ هل هم متنمرون كذلك؟ وهل بعض المشاهير يضرون أنفسهم ويستخدمون الكلمة دون وعي حقيقي؟!
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
من المدارس إلى السجادة الحمراء
لا أحد يمكنه أن يساند التعليقات المسيئة عبر مواقع التواصل الاجتماعي أو حتى في الحياة، هذه قاعدة أساسيَّة ومنطقيَّة، وبالطبع تعلّم مهارات مواجهة الهجوم القاسي خصوصاً غير المستند إلى معلومة أو وجهة نظر صحيحة أمرٌ واجبٌ، خصوصاً الأطفال والقصّر الذين يتأثرون بشدة، وقد تتغير اختياراتهم في الحياة خوفاً من مقابلة الناس، وتتدمر خططهم المستقبلية، لكن هل من المنصف أن يوصم النقد حتى لو كان قاسياً بالتنمر؟ هل من السليم أن يرمي كل من يفنّد رأيه بمنطقية، ويفرز عيوب عمل أو أداء ما بأنه يتعمّد تشويه صورة الفنان مثلا؟!
الأمر كان واضحاً حينما تعرَّض الفنان محمد ممدوح إلى انتقادات واسعة بسبب عدم وضوح مخارج ألفاظه في مسلسل (قابيل)، الذي عُرِضَ في موسم رمضان 2019، إذ لم يكن يتبين المشاهد ماذا يقول الممثل الموهوب، هنا أيضاً علَّق كثيرٌ من نقاد الفن على الأمر، مطالبين النجم المحبوب بأن يهتم أكثر بمخارج حروفه، وأن يخضع لتمرينات عضليَّة أو كورسات، لأن صوت نفسه يطغى كثيراً على الكلمات، وهي أمور من بديهيات فن الإلقاء، الذي يجب أن يتقنه أي شخص يمتهن التمثيل.
زملاء النجم لم يتقبلوا الأمر، وانخرطوا في حملات دفاع عنه، ولوم من يتبنى رأياً مثل هذا، واعتبروا هذا تنمراً، رغم أن المشاهدين والنقاد يعبرون عن حبهم للفنان، ويرغبون في سماع صوته واضحاً لا أكثر.
كمال الشناوي يتنمَّر على أنور وجدي
الناقد الفني طارق الشناوي، قال لـ"اندبندنت عربية" إن "لفظ تنمّر أصبح بالفعل موضة لكثيرٍ من الفئات، ومنها الفنانون، ويستخدم في غير محله كثيراً، فالتنمر هو تعبير عن فكرة (التلكيك) بالعامية المصرية".
ويرى الشناوي أن "كلمة (تنمر) تعطي إحساساً بالشراسة، ويلجأ إليها النجوم وغيرهم كخط دفاع ووسيلة لإنكار أي تهمة، رغم الاتهام في حد ذاته لا يحمل تجريماً، وقد يكون مجرد تساؤل لا إدانة نهائية، فالنجوم يعتبرون النقد أيضاً تنمراً، بخلاف هجوم المتابعين على السوشيال ميديا".
وأضاف، "بعض النجوم يعتبر النقد سباً وشتيمة، بمن فيهم فنان كبير بحجم عادل إمام، فهو يرى من ينتقده بحدة يسبه، والفرق شاسعٌ بالطبع بين التعبيرين، فالنقد لا يذهب بصاحبه إلى السجن، عكس السب عقوبته الحبس".
ويحكي الناقد الفني واقعة شهيرة ذكرها الفنان الراحل كمال الشناوي قبل وفاته تؤكد أن التنمَّر الحقيقي موجود منذ بدايات السينما المصرية بين الفنانين وبعضهم بعضا، وليس من قبل الجمهور فقط، كما أيضاً المبالغة موجودة، يقول "إن كمال الشناوي في نهاية الأربعينيات حينما كان يشق طريقه، واجه اعتراضاً على مستواه من قبل النجم الكبير المسيطر حينها أنور وجدي، فتندر الأول من الأخير كونه في رأيه لا يصلح أن يكون فتى الشاشة الأول بسبب بدانته، فاتصل وجدي به وأخبره بأن بدانته سببها مواجهته فقراً شديداً وجوعاً حينما كان صغيراً، وأصبح يعوّض هذا بالتمتع بكل ملذات الأكل بعد أن أصبح نجماً ثرياً".
ويشير الشناوي إلى أن "ما حدث حينها لم يطلق عليه لفظ (تنمر)، فقط لأن التعبير لم يكن متداولاً، لكن هذا يؤكد أن الفعل متوارثٌ وموجودٌ ولن ينتهي، ولكن ليس كل انتقاد لاذع تنمراً بالطبع".
حملات ضد المتنمرين
ومن أبرز الحوادث التي أثارت لغطاً فيما يتعلق بـ"التنمر" ما حدث خلال حفل افتتاح مهرجان الجونة السينمائي العام الماضي، حينما تعرَّضت الفنانة دينا الشربيني إلى انتقادات كثيرة، وقيل إنها ارتدت موديل فستان لم يتناسب مع قوامها، ولم يكن يليق بها، وحدث بعض المبالغات في الانتقاد وصلت إلى الهجوم والسخرية، لكن الأساس أن الفستان كان غير موفق، واللافت أن دينا الشربيني نفسها اعترفت بهذا الأمر. لكن أيضاً ظهرت حملة من قبل زملائها المشاهير، تطالب بعدم التنمر ضدها.
كما أن الفنانة لقاء الخميسي اعتبرت أن انتقادات مساحيق التجميل التي وضعتها خلال ظهورها بحفل ختام مهرجان القاهرة السينمائي الدولي العام الماضي بأنه نوعٌ من التنمر، الذي سبب لها الأذى النفسي، في حين أن التعليقات انصبت على كونها لم تدمج جيداً ألوان المكياج، وبدت بمظهر غير موفق، وهو أمر يبدو عادياً، فمن الطبيعي أن يهتم المتابعون بأدق تفاصيل إطلالات الفنانة، بل هن يطلبن من محبيهن إبداء رأيهم في ألوان طلاء الأظافر وأحمر الشفاه، وحينما يكون الاختيار غير جيد فلا يتوانى أيضاً المتابعون أنفسهم عن الحديث عنه بشكل مبالغ فيه.
الخميسي من جانبها أصدرت بياناً مطولاً، عبَّرت فيه عن غضبها بعد تعرضها لانتقادات بسبب مكياجها.