ملخص
أنهى الاستعمار الفرنسي فترة احتلاله للجزائر التي دامت 132 سنة، بمجزرة في حق العمال الجزائريين الذين كانوا يشتغلون داخل الميناء، نفذتها منظمة الجيش السري.
يتذكر الجزائريون في الثاني مايو (أيار) من كل عام، عمال ميناء الجزائر الذين سقطوا في مجزرة نفذها الاستعمار الفرنسي عام 1962، وخلدوا ذكراهم بنصب "العتال" الذي يبقى شاهداً على نضالات الطبقة الكادحة في أكبر الموانئ الجزائرية.
يقف تمثال "الحمال" أو "العتال" أمام البوابة الرئيسة لميناء الجزائر، ويبقى مقصداً للمسؤولين والعمال على حد سواء في عيد العمال من كل عام، للاحتفال رمزياً بالذكرى، ويروي للجزائريين فصلاً مؤلماً من تاريخ هذا الميناء عبر قرون من الزمن.
قصة ميناء الجزائر تحمل في صفحاتها كثيراً من المحطات المهمة التي مر بها منذ تأسيسه إلى أن أصبح واحداً من أكبر البوابات البحرية للجزائر على العالم بالنظر إلى أهميته التاريخية والاستراتيجية.
يعد ميناء الجزائر من بين أهم الموانئ الجزائرية المطلة على واجهة البحر الأبيض المتوسط، ويقع بالجزء الشمالي الغربي لخليج الجزائر، ويتربع على مساحة إجمالية 126 هكتاراً مع خط طولي لأرصفة الرسو بـ8609.3 متر، كما ترسو به أكبر السفن التجارية والحربية.
البداية والتأسيس
يرتبط اسم الميناء بمدينة الجزائر التي كانت تسمى "إيكوزيوم" في السابق، حيث يعود بناء أول موقع للمدينة إلى الفينيقيين في القرن التاسع قبل الميلاد، حيث أسسوا بها موقعاً تجارياً كمحطة للتوقف.
وبحسب بعض المؤرخين، يرجع الفضل في وجود هذا الموقع للملجأ الطبيعي الذي يحميه من الرياح الشمالية الغربية وجبل بوزريعة ورياح الشمال الغربي وتتابع الجزر، إضافة إلى عمق أودية منطقة بوزريعة ومختلف الينابيع التي تصب منها وسمحت للبحارة بالتزود بمياه الشرب.
كما سمح الموقع بتوقف البحارة لممارسة التجارة مع سكان المناطق الداخلية التي تمتد حتى سفوح منطقة الشريعة (50 كيلومتراً جنوب العاصة)، ومنذ ذلك الوقت أصبحت إيكوزيوم مدينة مزدهرة، وفي ظل قرطاجة أو نوميديا أو الرومان، أو بيزنطة حافظت على طابعها البحري والمينائي على امتداد 16 قرناً.
في القرن الـ16، احتل الإسبان مدينة الجزائر باعتبارها نقطة استراتيجية مهمة في علاقاتهم التجارية، وأنشأوا حصناً قوياً على جزيرة صغيرة في خليجها.
ولعل أول بناء بحري جعل ميناء الجزائر ميناء حقيقياً يعود إلى التركي الداي خير الدين (بعد طرد الأتراك للإسبان في عام 1529) حيث ربط الحصن الإسباني بالمدينة بواسطة امتداد، وأقام حاجزاً يشكل مخبأ للسفن من التقلبات الجوية، كما يشكل هذا البناء الأول للميناء جزءاً من الحاجز الواقي الحالي الذي يحمل اسم صاحبه.
وكانت أهمية الرصيف الصخري الذي بناه العثمانيون على شرق المرسى، تكمن في كونه قاعدة عسكرية تصد للهجمات الأوروبية عموماً، كما يعد مأمناً طبيعياً يحمي الجزر المحيطة به من الجهات الثلاث.
وخلال تلك الفترة، كان الميناء يحتوي على تحصينات دفاعية وقاعدية أهمها برج الفنار (حصن البنيون) الذي شيد من طرف الأندلسيين ليكون بمثابة نقطة مراقبة ومنارة على قاعدة صخرية دائرية يبلغ طولها 96 متراً، يحيط به خندق عرضه خمسة أمتار، وهذا حتى يكون واجهة دفاعية لصد أي هجوم مباغت.
كما يعد برج السردين من أقدم التحصينات الدفاعية للميناء، وشيد على عهد الحاج علي آغا (1666-1667م)، ويتكون من طابقين بهما 32 مدفعاً، إضافة إلى برج القومان (الحبال) الذي بني في عهد عمر باشا ما بين عامي (1814-1815م)، ويقع بين برجي السردين ورأس المول، وبه 30 مدفعاً موزعة على طابقين.
وفي عام 1830 دخل الاحتلال الفرنسي إلى الجزائر، عبر الجهة الغربية من العاصمة، وقدرت مساحة الميناء، وقتها، بثلاثة هكتارات و20 آر مع ممر جنوبي عرضه 130 متراً.
وفي ظل الفترة الاستعمارية (1830 – 1962) عرف الميناء مراحل كبرى في تطوره ليصبح ميناء تجارياً حقيقياً مخصصاً للتصدير والاستيراد، حيث تم بناء حوض الميناء القديم الذي يشمل الحاجز الواقي الشمالي، والحاجز الواقي خير الدين، والواقي الجنوبي، والطرق التي تربط الأرصفة بالمدينة، واثنين من الأحواض الجافة، والمحطة وخطوط السكك الحديدية التي تم الانتهاء منها في عام 1865، كما تم بناء المخازن المقوسة للسفن والأحواض والمحطة البحرية على مرفأ الجزائر.
حقبة مؤلمة
وأنهى الاستعمار الفرنسي فترة احتلاله للجزائر التي دامت 132 سنة، بمجزرة في حق العمال الجزائريين الذين كانوا يشتغلون داخل الميناء، نفذتها منظمة الجيش السري التي كانت تضم فرنسيين متشددين ومناهضين لفكرة استقلال الجزائر.
الاعتداء التفجيري نفذته عناصر منظمة الجيش السري في السادسة و10 دقائق صباح يوم الثاني من مايو عام 1962 حيث استشهد 62 عاملاً جزائرياً، وأصيب أكثر من 250 آخرين بجروح متفاوتة الخطورة وأغلبهم من الشباب الذين جاؤوا للمطالبة بمنصب شغل في الميناء.
وبحسب شهادات المؤرخين، فجر عناصر من منظمة الجيش السري الفرنسي، سيارة مفخخة أمام مركز توظيف عمال الموانئ، وتزامن هذا التفجير وأعمال إجرامية أخرى مع الإعلان عن وقف إطلاق النار رسمياً بين الجزائر وفرنسا في 18 مارس (آذار) 1962.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وخلد الجزائريون ذكرى ضحايا هذه المجزرة الرهيبة التي نفذها الاستعمار الفرنسي في حق عمال الميناء، بنصب تمثال "العتال" بالقرب من واجهة الميناء في ساحة "تافورة" في قلب العاصمة الجزائرية.
ويروي التمثال الذي صنع من البرونز للجزائريين تفاصيل المجزرة، ويمثل رجلاً بملامح تدل على الشقاء والبؤس، يحمل على ظهره كيساً، وهو عمل للفنان الجزائري محمد بوكرش، دشنه الرئيس الجزائري السابق عبدالعزيز بوتفليقة في عام 2009.
وواصل ميناء الجزائر بعد الاستقلال تطوراته ليتم هدم الحوض المحاذي من الجنوب لحاجز بولوغين الكاسر للأمواج، وذلك لإنجاز رصيف عائم وثلاثة أرصفة شحن للحاويات بمساحة قدرها 17.5 هكتار وطاقة استيعابية لأكثر من 250 ألف حاوية مكافئة.
منشآت حديثة
في 2009، استثمرت 114 مليون دولار إلى غاية عام 2022، في أشغال تحديث المنشآت والتجهيزات وأنظمة رقمنة الميناء، بما يرفع من قدرات شحن الحاويات وتخفيض وقت انتظار السفن وإضافة خدمات لوجيستية جديدة.
هذه الاستثمارات سمحت بنقل القدرة الإجمالية من 250 ألف حاوية إلى 755 ألفاً و600 حاوية، مع تقليص أوقات انتظار السفن، من 10 أيام في عام 2009 إلى أقل من يوم واحد حالياً بالنسبة إلى الوحدات الأصغر.
وأصبح بإمكان ميناء الجزائر استقبال سفن تنقل حتى 2000 وحدة معادلة لـ20 قدماً، مع تقليص معدل وقت الانتظار بنسبة 50 في المئة، كما يعد نهائي الميناء الأول المخصص للحاويات على مستوى الجزائر، حيث يتوفر على تغطية كلية لمراقبة بالكاميرات.
وسمحت هذه التحسينات برفع الصادرات المحلية خارج البترول والغاز من 1.5 في المئة إلى أربعة في المئة في هذا العام.
وستتمحور الاستثمارات المستقبلية في نهائي (ميناء الجزائر) حول الرقمنة والحصول على شهادة الجودة (أيزو)، واستهلاك الطاقة النظيفة، فضلاً عن تطوير شراكات في اللوجيستيك المتماشية مع نظرة وتنظيمات البلاد التي تعزز القطاع بشكل أكبر".
مؤشرات وأرقام
وبحسب أرقام رسمية، شهدت حركة الملاحة البحرية بميناء الجزائر خلال الثلاثي الأول من العام الحالي ارتفاعاً بأكثر من 14 في المئة على أساس سنوي.
وتشير البيانات إلى أنه خلال الفترة الممتدة من يناير (كانون الثاني) إلى مارس 2023، تم تسجيل رسو 377 باخرة منها 304 مشغلات في ميناء الجزائر العاصمة، مقابل 329 باخرة رست في الفترة المماثلة من العام الماضي، مما يمثل زيادة بـ14.6 في المئة.
وشمل الارتفاع على وجه الخصوص ناقلات النفط بـ33 في المئة، وسفن شحن الأسمنت بـ33 في المئة وحاملات الحاويات بـ16 في المئة، بينما سجلت سفن نقل المسافرين انخفاضاً بـ31 في المئة، إضافة إلى سفن الدحرجة (المستخدمة في نقل السيارات) بسبعة في المئة وناقلات غاز البوتان بستة في المئة.
كما ارتفع الوزن الإجمالي للسفن التجارية عند الدخول بنسبة 4.34 في المئة، حيث انتقل من 4.2 مليون برميل في الثلاثي الأول من 2022 إلى 4.3 مليون برميل في الربع الأول من 2023، محققاً بذلك 99 في المئة من هدف 4.5 مليون برميل.
وتم أيضاً تحقيق الهدف المحدد للحركة الإجمالية للبضائع عند 2.2 مليون طن للثلاثي الأول من 2023 بنسبة 85 في المئة لتصل إلى 1.8 مليون طن، مسجلاً بذلك انخفاضاً بنسبة 5.37 في المئة مقارنة بما تم إنجازه في الفترة نفسها من 2022.
من جهة أخرى، سجل عدد الحاويات الممتلئة الموجة للتصدير بميناء الجزائر ارتفاعاً ملحوظاً بلغت نسبته 28 في المئة خلال الثلاثي الأول من السنة الجارية، مقارنة بنفس المرحلة من السنة الماضية، بفضل الإجراءات التسهيلية التي تم تطبيقها لصالح المصدرين.
وعرف معدل الحاويات بدوره زيادة خلال الأشهر الثلاثة الأولى من العام الحالي، حيث بلغ 95 في المئة مقابل 92 في المئة خلال الثلاثي الأول من عام 2022.
وتراجعت المدة المتوسطة لانتظار السفن في الميناء من يناير إلى مارس 2023، مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي من 0.88 يوم في 2022 إلى 0.58 يوم في 2023.
كما عرفت المدة المتوسطة لبقاء السفن المعالجة على الرصيف تراجعاً من 3.78 يوم خلال الثلاثي الأول من 2022 إلى 3.54 يوم خلال الفترة نفسها من العام الحالي.
أما بالنسبة لحركة الركاب المتوقعة للفترة نفسها من عام 2023، التي كانت تستهدف 62 ألفاً و412 راكباً و36 ألفاً و620 راكباً بسيارته، فقد تم تحقيقها على التوالي بنسبة 58.56 في المئة (40650 راكباً) و77.08 في المئة (28255 راكباً بسيارته)، وفق المعطيات نفسها.
وبخصوص الحاويات التي تم معالجتها من طرف المؤسسة، أشارت الإحصائيات إلى أنه تم استقبال 55955 (مكافئ 20 قدماً) خلال الثلاثي الأول 2023 مقابل توقع بـ64380 (مكافئ 20 قدماً)، حيث تم بلوغ 87 في المئة.