ملخص
ضغوط أميركية أجبرت إسرائيل على عدم منح الصين حق تشغيل ميناء حيفا الذي أصبح مركزاً تجارياً وأمنيا مثيراً على البحر المتوسط
بسمعة تاريخية تمتد جذورها لآلاف السنوات، يبدو ميناء حيفا كجوهرة تجارية على البحر المتوسط، بحكم وقوعه في خليج طبيعي، لكنه لم يتحول إلى ميناء بالمعنى الحديث سوى في منتصف القرن الـ18، حين عملت بريطانيا على تعميقه وتوسيعه خلال انتدابها على فلسطين.
وطوال مئات السنين الماضية، كان ميناء حيفا مركزاً رئيساً للتبادل التجاري بين شمال أفريقيا وآسيا، وأدى إلى تطور المدينة اجتماعياً واقتصادياً، وزيادة عدد سكانها.
وقبل عام 1948، وتأسيس إسرائيل، تضاعف عدد السكان اليهود في حيفا ليشكل نحو النصف، والبالغ حينها 140 ألف نسمة. وبموجب خطة التقسيم التي وضعتها الأمم المتحدة، صنفت المدينة كجزء من الدولة الوليدة، وتوالى إبعاد عشرات الآلاف من الفلسطينيين عنها في العام نفسه.
لمحة تاريخية
المؤرخ الفلسطيني مصطفى كبها يعود بتاريخ حيفا إلى الوراء حين أصبح لها ميناء للاستيراد وتصدير البضائع، تحت حكم الأمير ظاهر العمر، منتصف القرن الـ18، والذي كان يسيطر على بقعة داخل الدولة العثمانية، تمتد من حيفا وعكا والجليل، وصولاً إلى صيدا.
وقال كبها لـ"اندبندنت عربية" إن تحول حيفا إلى ميناء بالمعنى الحرفي كان بعد سيطرة البريطانيين على فلسطين مع بداية عشرينيات القرن الماضي، حيث عملوا على توسيعه وتعميقه.
وعملت لندن على جعل حيفا مدينة صناعية، فوسعت ميناءها، ومدت خطاً للنفط من مدينة كركوك إلى مينائها لتصديره إلى الخارج. ومن هنا كان النجاح لميناء حيفا على حساب نظيره في عكا.
3 موانئ
وبعد أن كان في حيفا ميناء واحد أصبحت المدينة تضم اليوم ثلاثة موانئ تديرها شركات صينية وهندية وإسرائيلية، بعد قرار حكومي بخصخصة الموانئ بهدف "تعزيز المنافسة فيها وتحسين أدائها، وتسهيل عمليات الشحن، والتخفيف من غلاء المعيشة".
وتستخدم إسرائيل موانئها البحرية، بخاصة حيفا وأشدود، في تصدير واستيراد أكثر من 99 من بضائعها والمشتقات النفطية، لكن ميناء حيفا تحديداً يتمتع بموقع استراتيجي لأنه يشكل مدخلاً بحرياً لشرق البحر المتوسط، ومحطة دائمة للأسطول السادس الأميركي، وقرب مقر البحرية الإسرائيلية، ولذلك فقد أصبح الميناء أحد مواقع التنافس بين الولايات المتحدة والصين التي تسعى إلى استكمال مشروع الحزام والطريق الهادف إلى ربطها بالعالم.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
في المقابل، مارست واشنطن عام 2019 ضغوطاً كبيرة على إسرائيل لمنعها من منح حق تشغيل ميناء حيفا لشركة صينية، وذلك بعد فوز "مجموعة موانئ شنغهاي العالمية" في مناقصة "حيفا باي" الثالث لربع قرن بدأت في 2015.
صعود هندي
رضخت إسرائيل لضغوط واشنطن التي خيرتها بين الاستفادة من التعاون الأمني والعسكري الأميركي، أو منح الميناء للصين، خصمها الاستراتيجي. ولعل هذا ما دفع إسرائيل لمنح تحالف مشكل بين شركة "أداني" الهندية ومجموعة الإسرائيلية، الحق في الاستحواذ على ميناء حيفا لـ50 سنة مقابل 1.2 مليار دولار، حينها، اعتبر مراقبون ومحللون أن الخطوة الأميركية - الإسرائيلية هدفت إلى "استخدام الهند للجم التوسع الصيني المتنامي حول العالم".
وقال مالك مجموعة "أداني" الهندية غوتام أداني خلال الاحتفال بالاستحواذ على الميناء "فخورون بوجودنا في حيفا، حيث قاد الهنود عام 1918 واحدة من أعظم هجمات سلاح الفرسان في التاريخ العسكري".
أما رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو فقد اعتبر استحواذ شركة هندية على ميناء حيفا مساعدة للإسرائيليين "في تحريره".
وقال رئيس مركز أبحاث السياسة البحرية والاستراتيجية في جامعة حيفا، شاؤول خوريف، إن الميناء "يحظى بأهمية استراتيجية كبيرة لإسرائيل في أوقات السلم والحرب"، مضيفاً أنه يشكل بوابة لها إلى العالم لاستيراد السلع الحيوية، وتصدير منتجاتها.
وأكد خوريف لـ"اندبندنت عربية" أن الميناء يتيح لإسرائيل الحصول على الأسلحة والذخائر، مشدداً على ضرورة وجود علاقة صداقة وتحالف بين الجهة التي تستحوذ عليه وتل أبيب. وأرجع أسباب حصول شركة صينية على حقوق تشغيل ميناء (حيفا باي) عام 2016 إلى عدم معارضة واشنطن ذلك آنذاك، وبسبب سمعة الشركة العالمية في إدارة الموانئ، لكن الموقف الأميركي طرأ عليه تغيير اعتباراً من عام 2017، وفق خوريف، وذلك بسبب ازدياد التوتر بين بكين وواشنطن. وقال "البلدان في حالة تنافس، لذلك تعمل الولايات المتحدة على مواجهة التمدد الصيني"، فضلاً عن تردد الأسطول السادس باستمرار على ميناء حيفا.
ورأى المحلل العسكري رياض قهوجي أن إسرائيل "تشعر بضغط التنافس الأميركي - الصيني حول العالم وفي الشرق الأوسط"، مضيفاً أن واشنطن ستحاول "وضع عوائق أمام محاولات بكين للسيطرة على الموانئ البحرية"، وتابع قهوجي أن السيطرة الصينية تهدف إلى تحويل الموانئ إلى نفوذ سياسي، ثم أمني حول العالم، ضمن مشروع الحزام والطريق، وشبه السعي الصيني إلى الانتشار في الموانئ العالمية بسيطرة شركة الهند الشرقية البريطانية على عديد من الموانئ، خلال القرن الـ19، والذي مهد لصعود الإمبراطورية التي لم تغب عنها الشمس، وشدد على أن ميناء حيفا يشكل مدخلاً برياً إلى بلاد الشام، وصولاً إلى القارة الأوروبية عبر تركيا، ومن هنا يزداد التحرك الصيني لوضع "موطئ قدم في البحر المتوسط لربط غرب آسيا بأوروبا".
قنبلة موقوتة
وبعد أن كانت حيفا موقعاً رئيساً للصناعات البتروكيماوية الكبيرة، تعمل إسرائيل على نقل تلك المصانع إلى صحراء النقب لأنها تحولت إلى "قنبلة موقوتة" لعدد غير نهائي من المواد المشتعلة والمتفجرة.
ودعت رئيسة لجنة الداخلية وحماية البيئة في الكنيست الإسرائيلي، ميكي حايموفيتش، الحكومة إلى نقل الصناعات الخطرة والملوثة من حيفا، على خلفية الانفجار الهائل في مرفأ بيروت.