Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

تسييس الحج ورقصة السيوف الخشبية

خامنئي يعتبر الكعبة رمزاً للانتفاضة واستدامة المجتمعات الإنسانية

خلال العقود الأربعة الماضية كان تسييس الحج من أهم الأسباب للتوتر في العلاقات بين إيران والسعودية التي تستضيف الحجاج - (أ ف ب)

ملخص

خلال القرون الـ14 الماضية، وفي كثير من السنوات والعقود، لم يتمكن المسلمون من أداء الحج بسبب الحروب الداخلية وانعدام الأمن في شبه الجزيرة العربية والخلافات القبلية لكن الأمة الإسلامية لم تنهر حتى عندما نقل القرامطة الحجر الأسود إلى البحرين لم تسقط الأمة الإسلامية وبقيت في مكانها

مع استعداد ما يقارب مليوني مسلم من جميع أنحاء العالم للسفر إلى السعودية لأداء فريضة الحج، يتزايد طرح أسئلة من نوعية لماذا وكيف يؤدي البشر مناسكهم وطقوسهم في مختلف الديانات. ويمكن القول في جميع الحالات تقريباً وعلى مرور القرون إنه تم تحديد كيفية أداء المناسك والطقوس، بالتالي لا يوجد غموض في هذا الشأن.

مثل هذه الأسئلة قد يكون مقياساً لفهم أحد أصول الدين الإسلامي، أي فريضة الحج، ومن أجل الوقوف على سبب الذهاب إلى السعودية لأداء تلك المناسك يصبح السؤال الأبرز "ما الحج لدى المسلمين؟". ولهذا السؤال ردان.

الرد الأول

ثبت الرد الأول عن تعريف الحج في التاريخ على لسان نبي الإسلام في آخر خطبة للحج، وكذلك خطب وكتابات الفقهاء من المذاهب المختلفة، خلال الـ1400 عام الماضية. ويتبنى تعريفاً للحج بأنه فرض فردي على المسلم البالغ والعاقل والمتحكم بخياراته إذا ما كان مستطيعاً في أدائه.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

والمستطيع هو الفرد الذي بإمكانه توفير كلفة حياة عائلته لفترة عام ويتأكد من عدم احتياج جيرانه (سبعة جيران من جهة اليمين وسبعة جيران من جهة اليسار)، كما عليه تسوية ديونه مع الجميع وأداء دينه إذا ما كان مديناً وعليه أن يطلب العفو إذا ما كان أغضب أحداً وإذا ما ارتكب ظلماً عليه تعويضه.

ومن يذهب إلى الحج يجب أن يكون نزيهاً وبعيداً من الحقد والكره وطبقاً لما قاله أحد أشهر علماء الصوفية أبو سعيد أبو الخير "يجب أن يستعد للمثول أمام الله". والمسافر إلى الحج يجب أن يكون مسالماً مع نفسه ومع العالم. ويظهر عارياً مثل ما ولد أمام الله، عارياً من الذنب والنيات السيئة. والإحرام الأبيض الذي يرتديه الحجاج يعد رمزاً لمثل هذه البراءة.

الرد الثاني

من جانب آخر يطرح رداً آخر من قبل ممتهني الإسلام السياسي، ويتبناه المتناسون بأن الإسلام يريد أن تكون العلاقة بين الله والمؤمن مباشرة ومن دون تدخل الفقهاء والشفعاء في المؤسسة الدينية.

قبل أيام قال المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي، الذي يصف نفسه بأنه "القائد المعظم لمسلمي العالم"، إن الحج قضية عالمية وحضارية، أي إنه ليس فرضاً فردياً، بل موضوع سياسي. وأضاف "الهدف من الحج هو الرقي للأمة الإسلامية ووحدتها أمام الكفر والظلم والاستكبار والأصنام البشرية وغير البشرية".

لم يفصح خامنئي ماذا يقصد من الأصنام البشرية وغير البشرية، هل يقصد الحكام المستبدين الذين يعتبرون أن لهم كلمة الفصل ضمن الأصنام البشرية؟ وطبقاً لما قاله المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية "إذا لم يكن الحج فإن الإسلام قد ينهار"، هذا الادعاء يمثل نوعاً من إذلال الإسلام وأمته.

خلال القرون الـ14 الماضية وفي كثير من السنوات والعقود لم يتمكن المسلمون من أداء الحج بسبب الحروب الداخلية للمسلمين وانعدام الأمن في شبه الجزيرة العربية والخلافات القبلية لكن الأمة الإسلامية لم تنهر، حتى عندما نقل القرامطة الحجر الأسود إلى البحرين لم تسقط الأمة الإسلامية وبقيت في مكانها.

يقول آية الله خامنئي "الكعبة تعد رمزاً للانتفاضة واستدامة المجتمعات الإنسانية"، لكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا "الانتفاضة على من وأي شيء؟ وهل المجتمعات غير الإسلامية مدينة إلى الكعبة في استدامتها؟". ببساطة يعتبر "القائد المعظم لمسلمي العالم" أن مراسم الحج تمثل دعوة إلهية وأن الله - سبحانه وتعالى - قائد لحزب أو حركة سياسية لذلك يدعو أنصاره إلى تنظيم مسيرة.

إن خامنئي يقول "هذه الدعوة لها أهداف ومنافع كثيرة"، لكنه لم يبين طبيعتها، لكن يبقى الهدف الوحيد الذي يروج له مرشد إيران هو تنظيم مراسم سياسية تسببت خلال الـ40 عاماً الماضية في صدامات بين الحجاج الإيرانيين وباقي الحجاج.

ومن أجل تبيين ما يقصده، يقول خامنئي "على المسلمين أن يظهروا أنفسهم أمام الكيان الصهيوني والقوى المستكبرة". ومن خلال هذه التصريحات يحط مرشد إيران من مكانة الحج إلى الدعوة إلى تجمع سياسي والكراهية لـ"الكيان الصهيوني" و"الشيطان الأكبر"، وإن لم يتطرق إلى باقي "الظالمين في العالم".

تساؤلات مشروعة

ألم يكن النظام الإيراني الذي يتصدر قائمة الإعدامات ضمن الظالمين؟ بدا واضحاً أن خامنئي لم يجرؤ أبداً على الحديث عن كثير من الجرائم المرتكبة في حق المسلمين في عدد من دول العالم.

خلال اللقاء مع "القائد المعظم" انتقد القائمون على الحج في إيران تبديل المناسك بالسفر لشراء السلع الأجنبية المعفاة من الجمارك، لكن خامنئي الذي يهتم بالتجمعات السياسية أثناء الحج فقط لم يقبل هذه الانتقادات. وقال "لا تقلقوا من رغبة الحجاج بالتسوق لجلب هدايا خلال السفر".

هناك سؤال يطرح نفسه "هل يقبل خامنئي أن ينظم الحجاج الإيرانيون أو جزء منهم تجمعات احتجاجية ضد نظام الجمهورية الإسلامية؟ سيكون رده سلبياً بالتأكيد لأنه يتخيل بأن نظام الجمهورية الإسلامية يمثل العدل والإنصاف والإيمان وأنه المرجع الوحيد الذي بإمكانه تقييم الظالمين والعادلين".

خلال العقود الأربعة الماضية كان تسييس الحج من أهم الأسباب للتوتر في العلاقات بين إيران والسعودية التي تستضيف الحجاج، ومع ولاية أكبر هاشمي رفسنجاني ومحمد خاتمي في طهران انخفض هذا التوتر على أساس انتهاج أسلوب ذكي عبر دعوة مجموعة من الحجاج الإيرانيين إلى تنظيم تظاهرات شكلية في مكان خارج مكة أمام الكاميرات ومن دون أن يتسببوا بإزعاج مليوني مسلم. هذه اللقطات يبثها التلفزيون الإيراني الرسمي ويصفها بأنها تظاهرة للمؤمنين ضد الصهيونية والشيطان الأكبر.

هل يلجأ القائمون على الحج إلى مثل هذه الحيل من أجل الحفاظ على مكانة "القائد المعظم" أم أننا نتوقع عراقيل جديدة أمام العلاقات السعودية - الإيرانية في بدء استئنافها؟ يعتقد مراقبون أن النظام سيلجأ إلى خطة رفسنجاني وخاتمي وسيخفي خامنئي أعلامه في جيبه أو تحت عباءته.

تسييس الديانات

تقليل شأن الدين عبر تحويله إلى ظاهرة سياسية يعد قضية يواجهها أنصار باقي الأديان. ففي المسيحية قللوا مكانة الدين إلى "الحروب الصليبية" وعمل اليسوعيون (جنود المسيح) لتشكيل شبكات سياسية وعسكرية وتجارية وتهريبية، وأنشأوا فرقة لا تشبه الديانة المسيحية من خلال طرح قضية "تفتيش العقائد".

يوصف تسييس الدين في الإسلام بـ"التأسلم"، أي استغلال الإسلام في كل مكان من أجل الوصول إلى مصالح دنيوية للحكام المستبدين، ولذلك يستغلون في إيران الطب والعلم والفن الإسلامي والثقافة والحضارة الإسلامية من أجل ربطها بـ"القائد المعظم".

التأسلم هو التظاهر بالإسلام، ويكفي أن يطلقوا اللحى ويضعوا علامة على جبهاتهم ويمسكوا مسبحة من العقيق ويتحدثوا بقليل من اللغة العربية أو يضعوا عمامة على رؤوسهم وقتها يتخيلون بأنهم مؤهلون للترويج للإسلام، وأن لهم الحق في قطع العلاقة بين الخالق والمؤمن ليتولى تجار التقوى والشفاعة إدارة هذه العلاقة.

التأسلم يؤدي إلى الغش في العلاقة بين المجتمع الإسلامي والإسلام، ويعمل لترسيخ حكم المستبدين. وإذا ما تقرر أن يكون الحج مناسبة لتداول آلام المسلمين هل يمكن أن ننسى أن غالبية الحروب التي وقعت بعد الحرب العالمية الثانية شاركت فيها غالبية البلدان المسلمة؟ هل القضية الفلسطينية هي القضية الوحيدة للأمة الإسلامية والعالم؟ ألم تتقاتل مجموعتان مسلمتان حالياً في السودان؟ ألم تتحول سبعة بلدان مسلمة إلى أراض من دون دولة؟ لماذا يشكل المسلمون غالبية الفقراء في العالم؟ لماذا النسبة الكبرى من المهجرين واللاجئين في العالم من المسلمين؟ لماذا تقع البلدان الإسلامية في أسفل قائمة الحريات السياسية والدينية والثقافية؟ ولماذا توجد أكثر الحكومات فساداً في العالم الإسلامي؟

يعتقد كثير من العارفين بالإسلام أن الحج أسس من أجل القضاء على المشكلات، لذلك كان شهر ذي الحجة في كل عام هجري فترة للسلام، وتتجنب القبائل والعشائر والإمارات والحكومات الإسلامية الحرب.

والذي ينوي الذهاب إلى الحج يجب أن يتصالح مع ضميره ثم مع الآخرين إلى أن يصل إلى السلام مع كل العالم، لأنه يتعرف من خلال الحج إلى مؤمنين من أنحاء العالم ويستمع إلى قضاياهم وآلامهم ويتبادل تجاربه معهم، ولذلك أسس الحج من أجل السلام والأخوة والصفاء والابتعاد عن الأحقاد والعناد من أجل تقليل التوتر في باقي أشهر السنة.

لكن التأسلم مثلما ورد في نصائح خامنئي لا يعتبر أن الحج مكان للتجمع من أجل السلام والتصالح والنقاء، بل مكان من أجل رقص السيوف، حتى إذا كانت تلك السيوف خشبية.

 

عن "اندبندنت فارسية"

المزيد من تحلیل