كان يوم الأربعاء الماضي حاراً جداً لدرجة أن المرء يعجز عن عمل أي شيء. أمضيت يومي في الظل، أقرأ كتاباً وأنا مرتدية ملابس السباحة، وكنت أرش نفسي بخرطوم المياه بين الفينة والأخرى كي أتأكد من أنني لن أذوب من الحر. وحلّ هذا الجو المزعج بسخونته في المرتبة الثانية مباشرة بعد اليوم الذي تلاه ، الذي سجل أعلى رقم لجهة الحرارة المرتفعة في تاريخ المملكة المتحدة . ما أحاول إيصاله لكم، هو أنه كان يوماً يعطّل الحواس، ساخناً لدرجة الغليان، وكأنه أعلى مستوى من نار جهنم.
وكما يحدث عادة في الطقس الحار، بدأ عطشي يزداد. قررت التوجه إلى المتجر الذي يبعد مسافة بنايتين فقط من منزلي للحصول على مشروب مثلّج. وفيما طبقة من العرق اللزج تغطي جسدي، ارتديت شورتاً قصيراً وقميصاً يكشف منطقة الجذع بدون أن أفكر في الأمر.
بالكاد مشيت عشر خطوات حتى هاجمتني عبارة "أووووو هووووه" مثل صفارة سيارة الشرطة. التفت إلى الوراء، وإذ بي أرى رجلاً على دراجته، يميل باتجاهي وابتسامته العريضة تغطي محياه. قابلته بنظرتي العابسة المعتادة والتي طالما تدربت عليها، فقد علمتني أمي ألا أرد دائماً، إذ ليس بمقدوري معرفة ما قد يفعله الشخص الآخر.
واصلت سيري نحو المتجر ولم أكن أكترث للأمر عندما وصلت. اشتريت مشروباتي من الرجل اللطيف الذي يعمل في المحل. وعند مغادرتي للمكان، أخذت أرتشف مشروبي بسرعة عندما سمعت أحداً يقول "كيف حالك يا حلوة" من مكان قريب جداً لدرجة أنني شعرت بجسدي ينكمش.
كانت الزجاجة الكبيرة تعيق نظري للحظة، لدرجة أنني لم أر الرجل يقترب مني بشدة. وعلى عكس الموقف السابق، أثار هذا الرجل فيّ لحظة من الخوف الحقيقي. هل كان سيمد يده ويلمسني؟ لم أبُدِ أي ردة فعل وواصلت السير، آملة أن تكون هذه نهاية الأمر.
واخيراً، كنت عند بوابة منزلي وعلى بعد خطوة من الأمان عندما كادت تثقب أذنيّ جملة "مرحبا يا عزيزتي" التي جاءت من رجل مد رقبته من نافذة شاحنته كي يصرخ في وجهي. انحرفتْ حافلته عن مسارها وهو يقول كلماته تلك، وفكرتُ كم سيكون رائعاً لو أنه اصطدم بتلك السيارة المتوقفة في مكان قريب.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
احتقر عقلية من يرون أن المعاكسة طبيعية وكأنهم يقولون "لكن ماذا تتوقعين؟ هكذا تجري الأمور". لا يجب أن أتوقع التعرض للاعتداء اللفظي لمجرد أنني أرتدي ملابس خفيفة في يوم وصلت حرارة الجو إلى درجة مرتفعة حملت الحكومة على إصدار تحذيرات بشأنه. كما لاينبغي أن أواجه المعاكسة في أي يوم حار آخرللسبب نفسه، علماً أنه سيكون هناك المزيد من الأيام الساخنة مع بلوغنا ذروة الصيف وكل ما يرافقها من ظروف محتملة لا تطاق. إذا أخذنا ذلك في الاعتبار، ربما يتعين علينا إصدار تحذيرات ضد هذا السلوك، قائلين "إذا اخترتَ مضايقة النساء في الجو الحار، فإنهن مخوّلات أن يقذفنك بأي شيء يجدنه في الطريق".
على الرغم من أن كل امرأة أعرفها تعرضت لمعاكسات في الشوارع في مرحلة ما من حياتها، إلا أنه يظل موضوعاً لم ينل حقه من البحث حتى الآن. وذكر آخر تقرير أصدرته "لجنة المرأة والمساواة"، أن 85 % من النساء اللواتي تتراوح أعمارهن بين 18 و 24 سنة ، و 64 % من النساء ككل، كنّ موضع اهتمام جنسي غير مرغوب فيه في الأماكن العامة.
مع أن المعاكسات اللفظية لا تُقارن بالمضايقات الجسدية، فهي تبقى مؤذية ايضاً. إنها تخلق بيئة من الخوف وعدم الثقة، مما ينتج المزيد من عدم المساواة بين الجنسين.
في هذا السياق، أطلقت فرح بنيس حساباً على وسائل التواصل الاجتماعي تحت اسم "معاكسات لندن" للمساعدة في رفع مستوى الوعي ووقف التحرش في الشوارع. استلهمت الفكرة من حساب باسم "معاكسات نيويورك" الذي أنشأته صوفي ساندبيرغ عام 2017. تقوم كل من بنيس و ساندبيرغ بنشر عبارات أُرسلتها لهما نساء تعرضن للتحرش الجنسي في الأماكن العامة. بإمكانكم أن تجدوا على الحساب بعض الترهات الجميلة مثل "عودي إلى هنا يا ذات الأثداء الكبيرة" و "أنتِ حتماً من النساء اللواتي يصرخن في الفراش!". آه، إن الرومانسية لم تمت بعد حقاً!
ومع ذلك، فإن بعض الناس لا يجدون المعاكسات ضارة. إذ كشفت دراسة أجرتها مؤسسة "بولفيش" في عام 2018 أن واحداً من بين كل ثلاثة رجال لا يعتبر المعاكسات مضايقات جنسية. وهنا تكمن المشكلة: قلة التعليم. يجب تثقيف المزيد من الرجال حول تجارب النساء.
يدل تقرير "لجنة المرأة والمساواة" وبيانات "بولفيش" إلى وجود فجوة واضحة بين الطريقة التي تنظر بها النساء من جهة، وبعض الرجال من جهة أخرى، إلى كيفية معاملة الرجل للمرأة. لم تكتف النساء بالإبلاغ عن تعرضهن للتلطّف الجنسي في الأماكن العامة فقط، بل قلنّ إنه سلوك غير مرغوب فيه، وهذه هي الكلمة الأساسية التي يجب فهمها.
لا يزال لدينا ما يزيد على الشهر من الطقس الحار. أعلم أنني أنا، وعدد لا يحصى من النساء الأخريات، سنواصل التعرض للإساءة اللفظية بسبب ما نختار ارتداءه كي نبقى مرتاحات. آمل فقط، ومن أجل الأجيال القادمة، أن يتعلم الشباب كيفية التحدث مع الجنس الآخر، وبالتالي لا نُجبر نحن النساء على الشعور بالقلق في كل مرة نريد الذهاب إلى المتجر.
© The Independent