ملخص
في باحة بيت حسين تجمع نحو سبعة أفراد على وجبة طعام بسيطة مكونة من علبة لبنة وبعض أرغفة الخبز وثلاث حبات طماطم
في باحة بيت حسين تجمع نحو سبعة أفراد على وجبة طعام بسيطة مكونة من علبة لبنة، وبعض أرغفة الخبز، وثلاث حبات طماطم، وما إن وضع الأكل على الأرض حتى تهافتت أيادي الكبار قبل الصغار بشكل سريع لنيل لقيمات يسدون بها جوعهم.
علبة اللبنة هذه هي آخر ما في ثلاجة عائلة حسين، وبمجرد انتهاء تهافت الأيدي عليها، لن يتبقى في منزلهم أي طعام لتناوله على وجبة العشاء، وسينام الصغار وبطونهم فارغة، وستهدد حالة الفقر التي يعانونها إمكانية حصولهم على الغذاء.
وقف السلة الغذائية
قد لا يجد حسين الغذاء لأطفاله بعد الآن، ولن يكون الوحيد من دون طعام في غزة، إذ يشاركه الحالة نفسها نحو 200 ألف فلسطيني، بسبب وقف برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة مساعداته الغذائية عن معظم الفقراء.
في العادة، كان حسين الفقير يحصل على طعامه من برنامج الأغذية العالمي الذي كان يوفر له قسائم غذائية غير مشروطة تمكنه من شراء الطعام الذي يختاره، إلا أن ذلك لم يعد متاحاً لعائلة حسين اعتباراً من 27 مايو (أيار) الجاري، إذ قررت المؤسسة الأممية وقف مساعداتها الغذائية عن 60 في المئة من الفقراء المستفيدين من مشروع السلة الغذائية بسبب نقص التمويل الحاد.
ولا يقوى حسين على العمل بسبب مرض بالأعصاب، وبالكاد يستطيع الحركة واستخدام أطرافه، وهو مصنف من أفقر الفقراء بحسب بيانات وزارة التنمية الاجتماعية، وجميع أطفاله دون سن الـ10 ويمنع القانون عملهم، وفي الوقت نفسه يأمل الأب في التزامهم في المدرسة، بمعنى أن دخله صفر دولار في اليوم.
القسيمة الشرائية
وفي ظل سوء حالته، يعتمد حسين في طعامه على المساعدات الغذائية التي يوفرها له ولأمثاله من الفقراء والأشد فقراً، برنامج الأغذية العالمي ضمن مشروع القسائم الشرائية، الذي يضمن للأب، بعد معاينة حالته، حصوله على بطاقة لشراء الطعام من دون دفع ثمنه من متاجر معينة يتعاقد معها البرنامج الأممي.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وحرم حسين من القسيمة الشرائية وبات من دون غذاء "كنت أحصل على قسيمة بقيمة 10 دولارات في الأسبوع، كانت عبارة عن حياة بالنسبة إلى أطفالي، أشتري بها ما يرغبون في تناوله، لكن وصلتني رسالة نصية يبلغوننا فيها بقطع أرواحنا لأن هذه القسائم هي مصدر رزقنا الوحيد، فأنا عاطل عن العمل".
في الواقع، يعمل برنامج الأغذية العالمي في الأراضي الفلسطينية منذ عام 1991 على دعم الجهود الحكومية لمكافحة الفقر، ويعد أكبر منظمة إنسانية تقدم مساعدات غذائية للفقراء بخاصة في غزة حيث تزداد مستويات انعدام الأمن الغذائي.
الجوع
يضيف حسين بحسرة "كنت أشتري الدقيق والرز وزيت الطهي والسكر والبقوليات والمعلبات واللحوم المثلجة، لكن جميع ذلك لن يأكله صغاري، وربما لا يجدون أرغفة الخبز، إنه شعور صعب"، ويوضح أن الفقر يحيط بهم من جميع الجوانب وما يجري كارثة إنسانية، لأن عائلته في حاجة ماسة إلى الغذاء، وبات الآن مصيرها مجهولاً، معتبراً أن توقف القسائم الغذائية عنه بمثابة حكم بالإعدام البطيء على أطفاله الذين يتضورون جوعاً.
ويشير حسين إلى أنه بسبب الجوع "يمكن أن يحرق الناس أنفسهم، يمكن أن نرمي أنفسنا عن أسطح المباني من الجوع، عندما يقول لك طفل إنه يريد الأكل ولا تجد طعاماً فماذا تفعل؟"، يتساءل الأب "هل نتسول في مفترقات الطرق؟ أم أجبر أطفالي الصغار على العمل؟ أو أنتظر متبرعاً يقدم لنا الطعام؟".
وليس حسين وحده الذي يندب الجوع، بل جميع الفقراء ومعدومو الدخل الذين أوقف عنهم الغذاء، خرجوا في تظاهرات احتجاجية أمام مقر الأمم المتحدة مرددين هتافات "لا للجوع، لا للجوع"، على أمل أن يتراجع برنامج الأغذية العالمي عن قراره.
آثار مرعبة
لكن يبدو أنه لا أمل في الاحتجاجات أو الضغط الشعبي. ويقول المدير القطري لبرنامج الأغذية العالمي في الأراضي الفلسطينية سامر عبدالجابر إن ما قمنا به قرار صعب وله تداعيات سيئة، لكن نواجه نقصاً حاداً في التمويل، ولمراوغة الأزمة اضطررنا إلى تعليق قسائم الغذاء عن بعض المستفيدين، إذا لم يتوفر دعم مالي سيضطر برنامج الأغذية العالمي مع حلول شهر أغسطس (آب) المقبل إلى التوقف عن العمل بشكل كامل.
وبلغة الأرقام التي تظهرها بيانات برنامج الأغذية العالمي فإن لوقف الغذاء تداعيات تثير القلق والشفقة في الوقت نفسه، إذ يعيش في غزة 2.4 مليون نسمة، 64 في المئة منهم يعانون انعدام الأمن الغذائي بشكل متوسط أو شديد، بينما هناك 80 في المئة يعتمدون على المساعدات الغذائية والإنسانية، إضافة إلى أن نحو 45 في المئة عاطلون عن العمل.
وتعد المساعدات الغذائية التي تقدمها مؤسسات الأمم المتحدة مصدر الطعام الرئيس للأسر الفقيرة، وقد يؤدي تعليق وقطع المساعدات إلى كارثة إنسانية وتعرض الأسر الفقيرة للجوع وتزايد مستويات انعدام الأمن الغذائي.
عدم القدرة على شراء الطعام
يضيف عبدالجابر "الأرقام في غزة تعد كابوساً ووصل الفقر إلى أقصى حدوده، لقد زاد متوسط كلفة حاجات الأسرة من الطعام بنسبة 20 في المئة، بالنسبة إلى الفلسطينيين ذوي القوة الشرائية كل نقطة مئوية زيادة في الأسعار تجعلهم أقل قدرة على تلبية الحاجات الغذائية الأساسية"، ويتابع "عجزت معظم العائلات عن مواجهة الزيادات العالمية في أسعار الغذاء، لقد وصلت أسعار المواد الغذائية في الأراضي الفلسطينية إلى أعلى مستوياتها منذ ست سنوات، الوضع مريع بشكل خاص في غزة حيث يكافح اثنان من كل ثلاثة أشخاص للحصول على وجبة طعام". ويشير عبدالجابر إلى أن برنامج الأغذية العالمي يضخ شهرياً نحو ثلاثة ملايين دولار في الاقتصاد الفلسطيني لمواجهة الفقر لكن لم تستطع المؤسسة الأممية مواصلة ما تقوم به، لافتاً إلى أنهم بحاجة إلى نحو 51 مليون دولار أميركي للحفاظ على المساعدات الغذائية الضرورية.