Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

العالم يتحول من الباب "المفتوح" إلى "المردود" أمام اللاجئين السوريين

6.8 مليون سوري يعيشون في مشارق الأرض ومغاربها

عودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم تشغل بال جميع الدول التي استقبلتهم (رويترز)

ملخص

تعاني سوريا منذ هبوب رياح "الربيع العربي" في 2011 من هرب مواطنيها إلى دول عدة، حيث يعيش 6.8 مليون سوري كلاجئين في مشارق الأرض ومغاربها، وينتظرون الاستقرار حتى يعودوا إلى الوطن

تعاني سوريا منذ هبوب رياح "الربيع العربي" عليها في 2011 من النزوح الداخلي والخارجي لمواطنيها، إذ شهدت فرار السوريين لدول عدة هرباً من الحرب، حتى مارس (آذار) الماضي، كان هناك 6.8 مليون سوري يعيشون لاجئين في مشارق الأرض ومغاربها، منهم 5.5 مليون في الدول المجاورة، بحسب المفوضية العليا لشؤون اللاجئين، حيث سجلت الأردن نحو 660 ألف لاجئ، بينهم 135 ألفاً في مخيمات مثل الزعتري والأزرق، ويستضيف العراق 260 ألفاً، يعيش 86 في المئة منهم بالمخيمات، واستقبلت مصر ما يزيد على 145 ألف جميعهم يعيشون في المدن جنباً إلى جنب مع المصريين حيث لا وجود لمنظومة المخيمات، أما تركيا فلجأ إليها 3.6 مليون على مدار سنوات ما بعد "الربيع" يحظون بـ"حماية موقتة"، وفي لبنان، نحو 866 ألف لاجئ، أما السودان فتقدر أعداد السوريين ببضعة آلاف ويصل بعضها (غير الموثق) إلى ثلاثة ملايين، وهناك بضعة آلاف أخرى في تونس والجزائر وغيرها من الدول العربية.

هذا عن دول المنطقة، لكن الشتات السوري لم يترك دولة إلا طرق بابها، وأبواب الدول الأوروبية كانت الأكثر طرقاً، من ألمانيا حيث أكثر من نصف تعداد اللاجئين فيها وعددهم مليون و24 ألف لاجئ سوريون، إلى السويد (113 ألف لاجئ سوري) والنمسا (68 ألف لاجئ) وهولندا (54 ألف لاجئ) واليونان (42 ألف لاجئ) وفرنسا (39 ألف لاجئ) وغيرها، حيث ينتشر السوريون الهاربون من جحيم الصراع المميت الذي استمر أكثر من 12 عاماً.

الباب المفتوح

الأعوام الـ12 بدأت بسياسة الباب المفتوح والترحاب بلا حدود، والإنسانية كما ينبغي أن تكون مع هذه الأعداد الكبيرة الفارة من سوريا، لكن البدايات لا تدوم، والمجريات والأحداث والسياسة أبطالها في حالة تغير مستمر، لكن سنة الحياة لا تتوقف كثيراً عند أوضاع ومصائر من تبدلت حياتهم، وانقلبت أمورهم رأساً على عقب بسبب حرب هنا أو صراع هناك، ومنذ مارس (آذار) 2011، اضطر ما يزيد على 14 مليون سوري إلى الفرار من سوريا بحثاً عن الأمان، وبعيداً من حنين العودة، ومقت الغربة ولعن الحرب والاشتياق للسلام، فإن أوضاع وأحوال ومصائر هذه الملايين في بقاع الأرض تجد نفسها قيد جولة صراعات سياسية وأوراق ضغط اقتصادية وحراكات أيديولوجية وصناديق انتخابية.

الصناديق الأقرب جغرافياً ومصيرياً هي الصناديق التركية، وتحديداً الانتخابات الرئاسية التي تدخل جولة الإعادة في 28 مايو (أيار) الجاري، إذ وجد اللاجئون والمقيمون السوريون في تركيا أنفسهم ملفاً رئيساً في الانتخابات الرئاسية وكذلك البرلمانية، فرق كبير بين وضعهم، ودرجة الترحاب بهم، وشكل ورقة الضغط التي يتم التلويح بها في الداخل والخارج، التي يجد السوريون أنفسهم في القلب منها.

تحول ديموغرافي

في القلب من ورقة ضغط اللاجئين السوريين في تركيا جيش جرار قوامه يزيد على ثلاثة ملايين سوري بين لاجئ مسجل وآخر يحظى بحماية موقتة وآخرين مقيمين بتسميات مختلفة، هذا الجيش الجرار مثل التحول الديموغرافي الأكبر والأهم في تركيا منذ "التبادل السكاني" مع اليونان عامي 1923 و1924، وذلك بحسب دراسة عنوانها "اللاجئون السوريون في تركيا" للباحثين سونر جاغايتاي ومايا يالكين في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى (2018).

ومنذ تفجرت الحرب في سوريا وحتى عام 2016، حافظت تركيا على سياسية الباب المفتوح في استقبال وقبول اللاجئين السوريين بنظام "الحماية الموقتة" بشكل قانوني، وهو النظام القائم على ثلاثة مبادئ: تبقى تركيا حدودها مفتوحة أمام الأشخاص الباحثين عن الأمان، وعدم إعادة السوريين ضد رغبتهم إلى بلادهم، وتلبية الحاجات الإنسانية الأساسية للفارين من الحرب.

نهاية الاحتواء

ويبدو أن الأمور كانت مرضية لأغلب الأطراف الضالعة في المشهد في هذه السنوات، فالعدد الأكبر من اللاجئين السوريين يجدون مكاناً جيداً للإقامة والعمل والدراسة هرباً من الحرب، والمواطنون الأتراك يعانون حيناً ويتضجرون حيناً ويتعايشون أحياناً مع الأعداد الكبيرة، والساسة الأتراك محافظون على الإمساك بعصا إدارة الموقف من المنتصف إلى حد كبير، وكذلك الغرب، وتحديداً الدول الأوروبية الممتنة بوجود من يمتص صدمات اللجوء والنزوح ولو بمقابل مادي مرة ومكافأة سياسية مرة على أمل إطالة العمر الافتراضي لاستقبال النازحين، لكن أمارات انتهاء "شهر العسل" أخذت تكشر عن أنيابها بمرور السنوات، فتركيا احترفت التهديد بفتح "صنبور" اللاجئين على الحدود، وهو التهديد الذي فعلته دون الإعلان عن عدم منع اللاجئين من الوصول إلى أوروبا براً وبحراً.

 

 

تراوحت أسباب التهديد بفتح الصنبور بين الضغط على الدول الأوروبية لتبارك عمليات تركيا العسكرية في شمال سوريا، والحصول على مزيد من الأموال، إضافة إلى دغدغة مشاعر الداخل الذي بدأت علامات الضجر والضيق والقلق جراء أعداد اللاجئين تظهر عليه.

بداية الاحتقانات

ومن الداخل التركي بدأت التقارير الاقتصادية والصحافية والسياسية تتواتر عن احتقانات في سوق العمل، فغالبية السوريين ممن يعملون في الاقتصاد غير الرسمي، توفيراً لنفقات الإجراءات الرسمية، وتحدث خبراء الاقتصاد في تركيا عن "منافسة شديدة في سوق العمل، لا سيما جنوب شرقي البلاد، على الوظائف وفرص العمل التي لا تتطلب مهارات خاصة، وتصاعدت حدة الاحتقان مع تصاعد نسبة البطالة بين الأتراك، بحسب المعلومات التركية الرسمية.

ولأن كثيرين في العالم تعاملوا مع ملف اللاجئين السوريين في تركيا تعاملاً إما حقوقياً بحتاً أو عاطفياً محضاً أو مثالياً خيالياً لا مجال للواقع فيه، فقد مرت أمارات تفاقم العنصرية والرفض مرور الكرام أو مرور المنشغلين بأمور أخرى أو ربما المقللين من حجم ما يجري باعتباره شأناً تركياً داخلياً".

الأتراك وعودة السوريين

استطلاع عنوانه "أبعاد الاستقطاب في تركيا 2020" أجرته جامعة إسطنبول بيلجي كشف عن رغبة 86 في المئة بعودة جميع اللاجئين السوريين إلى ديارهم، وأن هذه القضية أصبحت القاسم المشترك بين كل الأحزاب السياسية التركية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، أعد العدة لهذا الملف قبل بدء الموسم الانتخابي الرئاسي بوقت كاف، وهو يعلم تماماً أن ورقة اللاجئين الضاغطة ستكون على رأس موضوعات الشد والجذب بين المتنافسين السياسيين، بشكل أو بآخر، واللاجئون السوريون محسوبون عليه وعلى حزبه "العدالة والتنمية" الذي كان يسمى الحزب الحامي للاجئي سوريا.

في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، قال أردوغان أمام البرلمان التركي، إنه منذ بدء العمليات العسكرية التركية على الحدود مع سوريا في 2016، عاد نحو 526 ألف سوري طوعاً إلى المناطق الأمنية "التي أقمناها في شمال سوريا"، وأعلن قبلها مراراً عن ترتيبات لإعادة مليون لاجئ سوري طوعاً إلى بلادهم.

نغمة سائدة

النغمة السائدة في وسائل إعلام عدة هذه الأيام هو أن اللاجئين السوريين في تركيا يخشون من فوز المرشح المنافس، كمال كليتشدار أوغلو الذي وعد بإعادة جميع لاجئي سوريا إلى ديارهم حال فوزه، قالها صريحة، عكس أردوغان الذي قال في حديث أدلى به لـ"سي أن أن"، إن "المعارضة تركز باستمرار على شيء واحد، تقول: عندما نصل إلى السلطة، سنعيد اللاجئين السوريين في تركيا، من المستحيل بالنسبة إليّ أن أتفق مع ذلك"، لكن خطة الرئيس المعلنة قبيل جولة الإعادة في 28 مايو (أيار) الجاري تتلخص في عمليات البناء التي تقوم بها منظمات تركية غير ربحية تبني وحدات سكنية في شمال سوريا "ليتمكن اللاجئون السوريون في تركيا من العودة إلى وطنهم، وهي العملية التي بدأت بالفعل عبر تشجيع مليون لاجئ على العودة"، بمعنى آخر، الرئيس الحالي أعلن إعادة اللاجئين السوريين إلى بلادهم.

ضغط السياسة

يشهد اللاجئون السوريون حالة من عدم الاستقرار في بلاد أخرى، تحت ضغط السياسة التي لا عزيز لها أو غالي لديها، كما أنها لا تعترف بعدو دائم أو صديق دائم، فقط المصالح الدائمة، ففي مارس الماضي، أعلن "مجلس طعون اللاجئين" بالدنمارك أن اللاذقية أصبحت آمنة بما يكفي لعودة اللاجئين السوريين، والمجلس هو الجهة التي تحول إليها القضايا المتعلقة بسحب تصاريح إقامة اللاجئين.

وشرعت الدنمارك في إلغاء تصاريح إقامة أعداد من السوريين بدءاً من 2019، وهو النهج الذي استمر بعد أن اعتبرت السلطات الدنماركية أن الأوضاع في دمشق تحسنت.

سوريا "الآمنة"

التعامل الدنماركي مع ملف اللاجئين السوريين فجر سلسلة من بيانات التنديد من قبل منظمات حقوقية، لكنه أيضاً أدهش البعض ممن اعتقدوا أن هزيمة اليمين الشعبوي في انتخابات 2019، وفوز المعارضة الاشتراكية صاحبة الميول اليسارية تعني تأميناً لأوضاع اللاجئين لديها مع تبني سياسة أكثر ترحيباً بهم، لكن ما حدث هو العكس، إذ تبنت الحكومة الدنماركية القوانين والسياسات الهادفة إلى إعادة عدد أكبر من اللاجئين إلى بلدانهم التي هربوا منها.

واقع السياسة في الدنمارك يشير إلى أن أغلب الأحزاب الكبيرة في الدنمارك تتبنى سياسات متشددة تجاه اللاجئين، وليس فقط الحزب اليميني الذي خسر انتخابات 2019 بعد 14 عاماً أمضاها في السلطة، ويشار إلى أنه دعم حكومات يمينية متعاقبة في مقابل تبني تلك الحكومات سياسات متشددة تجاه المهاجرين واللاجئين.

الدنمارك ليست استثناء، لكنها ودولاً أوروبية أخرى مثل السويد، تمثل استثناء ربما في عدم تمويه أو تجميل سياساتها في ما يتعلق باللاجئين عموماً، والسوريين على وجه الخصوص، فعقب زيارة وفد سويدي من دائرة الهجرة دمشق قبل عامين، صدر قرار بأن العاصمة السورية أصبحت آمنة لعودة اللاجئين إليها. وقبل أسابيع، أعلنت وزير الهجرة السويدية، ماريا مالمر ستينر غارد أن مجلس الهجرة يراجع كيفية زيادة العودة الطوعية للاجئين، لا سيما أولئك الذين فشلوا في الاندماج في المجتمع السويدي.

سياسات دول مثل الدنمارك والسويد "غير المرحبة" باللاجئين السوريين، التي تدفع من أجل العودة للمدن والتي صارت آمنة ربما تعكس بزوغ نجم توجهات يمينية في تلك الدول، لكن دولاً أخرى تجد نفسها تستخدم ورقة اللاجئين السوريين أداة ضغط لبلورة سياسات أو طريقة للإفلات من المحاسبة على إخفاقات اقتصادية واجتماعية، وكذلك وسيلة لتوجيه الرأي العام، حيث التصويت الانتقامي من المهاجرين واللاجئين، باعتبارهم سارقي فرص وسالبي موارد ومنافسين لهم في سوق العمل والسكن والتعليم والصحة.

الحركات القومية

الحركات القومية اليمينية والشعبوية ليست وليدة الأزمة السورية، كما أنها لا تقوم على أساس ورقة اللاجئين فقط، فهي تيارات سياسية قديمة قدم التاريخ، لكنها تعتمد في صعودها وتمددها على توافر عوامل بعينها، أبرزها الأوضاع الاقتصادية الصعبة أو الضاغطة في ظل حكومات يسارية أو اشتراكية، وهو ما يعزز حجة اتباع سياسات اليمين للخروج من أزمات اليسار، أما السبب الأحدث، فهو موجات اللجوء والهجرة إلى الدول الغربية، حيث يرفض اليمين المتطرف أو المتشدد هذه الموجات، وحين تتحد الأوضاع الاقتصادية الضاغطة مع أعداد المهاجرين واللاجئين المتزايدة تتوافر لدى اليمين المتشدد الأرض الخصبة المواتية للعمل والفوز في الانتخابات، ويكون الدق على أوتار المخاوف التي يتسبب فيها الغرباء والتي تعرض الأمن القومي للخطر والاقتصاد الوطني للخراب.

 

 

وحين تلزم الحاجة، فإن ما يقال خلف الأبواب المغلقة، لا سيما في مواسم ما قبل الاستحقاقات الانتخابية يتطرق إلى الربط بين أحداث 11 سبتمبر (أيلول) الإرهابية في الولايات المتحدة الأميركية والإسلام واللاجئين المسلمين من جهة أخرى. وهنا، تتنامى الصورة الذهنية للاجئ القادم من الشرق الأوسط، في هذه الحالة سوريا، باعتباره مشروعاً إرهابياً محتملاً.

عمدة سوري

ريان الشبل، السوري الذي وصل إلى ألمانيا في 2015 هارباً من السويداء في سوريا وهو في سن الـ21 عاماً ولا يتحدث الألمانية، والذي تم انتخابه عمدة لبلدة أوستلسهايم في جنوب ألمانيا نموذج رائع للاجئ الذي احتضنته الدولة المستقبلة، والذي نجح في الاندماج. وأكد بالحجة والبرهان أن اللاجئ يضيف ولا ينتقص، لكن تظل الإضافة والنقصان بلغة السياسة بعيدة عن نماذج مثل الشبل، وإن اقتربت فالاستدامة لا تكون حليفتها.

الحد من اللاجئين

في فبراير (شباط) الماضي، دعت الكتلة البرلمانية للاتحاد المسيحي (أكبر تكتل معارض في ألمانيا) لجلسة نقاش مع المستشار أولاف شولتز على خلفية المشكلات المتزايدة بسبب اللاجئين، وشرح الإمكانات المتاحة لإعاشتهم وتقديم الرعاية اللازمة لهم، إذ طالب المدير التنفيذي البرلماني للاتحاد المسيحي في البرلمان تورستن فراي، بعدم اقتصار الحديث على سبل توفير الرعاية وتوزيع الكلفة الخاصة باستقبال اللاجئين، ولكن التباحث حول إجراءات فعالة للحد من اللجوء، حتى إن أعداداً متزايدة من الساسة والحزبيين الألمان باتوا يتحدثون عن زيادة العبء على ألمانيا بسبب زيادة أعداد اللاجئين.

عودة سوريا

وتأتي عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية لتمثل متنفساً مرغوباً فيه للمضي قدماً في "تشجيع" العودة "الطوعية" للاجئين السوريين في دول عربية وغربية عدة، كما تعد بمثابة أداة لتخفيف الأحمال الناجمة عن الوجود السوري سواء في دول أنهكها الاقتصاد وأهلكتها السياسة أو أخرى باتت تتبع إما سياسة الباب المردود بديلاً عن المفتوح أمام القادمين أو مالت إلى سياسة الباب الانتقائي الإنساني، وليس الإنساني في المطلق.

ويبقى السؤال مطروحاً حول الشتات السوري في العالم، ومصير ملايين السوريين في عشرات الدول حول العالم، وكذلك مصير سوريا بعد تفريغها من نسبة كبيرة من سكانها، إذ يقدر تعداد سوريا بنحو 21.3 مليون سوري، فيما يقدر عدد من تركوها أو نزحوا داخلياً بين 13 و14 مليوناً.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير