ملخص
بعدما صعد نجم أمين مجلس الأمن القومي السابق في إيران علي شمخاني قررت الحكومة ووزارة الاستخبارات إعادة فتح ملفات قديمة ضده لتثني المرشد علي خامنئي عن دعمه.
صعود إعلامي بسرعة الصاروخ لازم علي أكبر أحمديان بعد تعيينه أميناً عاماً جديداً للمجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني الإثنين الماضي، يقابله خفوت واضح لنجم علي شمخاني بعد أن ظل الساعد الأيمن للمرشد علي خامنئي، والسر يكمن في قضية تجسس.
وأحمديان عضو مجمع تشخيص مصلحة النظام الإيراني، شغل عدة مناصب في الحرس الثوري منها رئاسة المركز الإستراتيجي ورئاسة هيئة الأركان المشتركة ورئاسة أركان القوة البحرية، قبل أن يصبح أميناً عاماً جديداً للمجلس الأعلى للأمن القومي.
وبعد الاتفاق بين إيران والسعودية على تحسين العلاقات السياسية وإعادة فتح السفارات وإنهاء الخلاف الذي استمر ثماني سنوات، برز نجم شمخاني وسلطت صحف وشخصيات سياسية الضوء على الدور المهم الذي لعبه الأدميرال في إبرام هذا الاتفاق، مشيرين إلى أن المرشد خامنئي كلفه مباشرة بينما استبعد وزير خارجية حكومة إبراهيم رئيسي، حسين أمير عبداللهيان، كلياً من هذا الملف.
أما الآن وبعد الحديث عن تورطه في إحدى القضايا الأمنية فيبدو أن أشهر العسل بين علي شمخاني والنظام الإيراني انتهت، في وقت كان يتمتع بنفوذ كبير إلى درجة أن ابنه كان يتحكم في بيع جزء من النفط الإيراني، ولأشهر ظل شمخاني يتنقل بين دول المنطقة بمفرده لاستعادة صورة إيران السياسية، لكنه اليوم لم يعد قادراً على فعل أي شيء بل وفقد مكانته السامية.
كان علي شمخاني غرد على "تويتر" الأحد الماضي ببيت من الشعر للشاعر الإيراني محتشم كاشاني، قال فيه إن "الكلام الذي كان يجري من وراء الحجاب... قيل رمزاً وفي نهاية المطاف سمع بالإيماءات فغادرت".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وهنا وقف مراقبون للشأن الإيراني معتبرين تغريدة شمخاني دليلاً على استيائه من إقالته من منصبه، لكن ما سبب إقالته المفاجئة من منصب الأمين العام للمجلس الأعلى للأمن القومي؟
في الوقت الذي أعدمت إيران المسؤول الأمني السابق علي رضا أكبري في يناير (كانون الثاني) 2023 بتهمة "التجسس لمصلحة بريطانيا"، توقعت شخصيات سياسية في طهران قرب انتهاء الحياة السياسية لعلي شمخاني، إذ كان رئيساً لأكبري، إلا أنه وفي أقل من شهرين أصبح مسؤولاً عن أكثر الملفات تعقيداً في تاريخ النظام الإيراني، أي إعادة العلاقات الدبلوماسية مع السعودية، ما جعل كثيرين يعتقدون أن قضيته الأمنية تم حلها.
صحيفة "نيويورك تايمز" قالت في تقرير لها بتاريخ الرابع من مايو (أيار) الجاري إن علي رضا أكبري كان جاسوساً لبريطانياً وإنه سرب المعلومات المتعلقة بموقع "فوردو" النووي إلى جهاز الأمن البريطاني في مقابل مليوني جنيه إسترليني، وهذه التسريبات هي التي جعلت استمرار شمخاني نفسه في منصبه أكثر صعوبة من ذي قبل.
وكان علي رضا أكبري من القادة السابقين في الحرس الثوري والسياسيين الإيرانيين الذين حملوا الجنسية البريطانية، وأصبح نائباً لعلي شمخاني عندما كان ووزيراً للدفاع في فترة حكومة الإصلاحيين، ثم مستشاراً له عندما كان أميناً عاماً للمجلس الأعلى للأمن القومي.
هوية الجاسوس
ونشرت "نيويورك تايمز" تفاصيل عن هوية "الجاسوس البريطاني"، وزعمت أنه نائب وزير الدفاع السابق علي رضا أكبري الذي أعدمته طهران، موضحة أنه قدم معلومات عن موقع "فوردو" النووي للاستخبارات البريطانية قبل 15 عاماً.
ويقال إنه بصفته مستشاراً للمجلس الأعلى للأمن القومي لإيران، ونظراً إلى قدرته على الوصول إلى المعلومات القيمة، فقد أبلغ وكالة الاستخبارات البريطانية (MI6) عن برنامج إيران النووي والعسكري لمدة عقد من الزمن في الأقل.
وقبل نشر تقرير "نيويورك تايمز"، وخلال اعترافاته التي بثت، كان علي رضا أكبري قد أقر بأنه ذكر اسم شمخاني في القضية تحت الضغط الجسدي والنفسي.
وبحسب الملف الصوتي الذي انتشر قبل إعدام أكبري فقد قال "إن المحققين يقولون إن شمخاني أعطاني معلومات سرية في مقابل حصوله على زجاجة عطر وقميص كهدية لأعطي هذه المعلومات إلى الأجانب، وأن هذا كان تحت إشراف وزارة الاستخبارات الإيرانية".
آنذاك نقلت صحيفة "نيويورك تايمز" عن مسؤولين في الاستخبارات قولهم إن أكبري بدأ الكشف عن أسرار إيران النووية لمسؤولي الاستخبارات البريطانية عام 2004 عندما ازدادت الشكوك الإسرائيلية والغربية حول جهود طهران السرية لامتلاك أسلحة نووية.
وكانت إيران وقتها كلفت أكبري التواصل مع سفارات الدول ذات الثقل في طهران ومنها بريطانيا والصين وفرنسا وألمانيا وروسيا لإقناعهم بأن البرنامج النووي الإيراني سلمي ولا يهدف إلى إنتاج السلاح.
ونقلت الصحيفة الأميركية عن شقيق علي رضا أكبري واثنين من أصدقائه أنه تقاعد من مناصبه الرسمية عام 2008، إلا أنه استمر في العمل بصفته مستشاراً لعلي شمخاني ومسؤولين آخرين، وبعد ذلك بقليل وفي العام نفسه اعتقل بتهمة التجسس لمصلحة بريطانيا وقضى أربعة أشهر في السجن، لكن أطلق سراحه بكفالة لأن الاستجواب لم يصل إلى أية نتيجة تذكر، كما حظي بالدعم القوي من قبل شمخاني.
ونجح أكبري في توطيد علاقاته مع كبير العلماء النوويين الإيرانيين محسن فخري زاده، وعندما اغتيل الأخير في نوفمبر (تشرين الثاني) 2020 في ضواحي العاصمة طهران إثر عملية نسبت إلى إسرائيل، كان علي رضا أكبري رهن الاعتقال.
وبالنظر إلى صعود نجم علي شمخاني السياسي خلال المفاوضات مع دول المنطقة ورحلاته المتتالية لعواصم هذه الدول والتي بدت وكأنها تقصي حسين أمير عبداللهيان من منصبه في وزارة الخارجية، فإنه تعرض لهجمات مستمرة خلال الأشهر القليلة الماضية من قبل شخصيات محسوبة على الحكومة الإيرانية، مما أثار الشك في أن المعلومات التي أرسلت إلى صحيفة "نيويورك تايمز" كانت الغاية منها إقصاء شمخاني نفسه من منصبه.
مواقع حساسة
شغل علي شمخاني قبل الأمانة العامة للمجلس الأعلى للأمن القومي مناصب مهمة في الحرس الثوري الإيراني مثل نائب القائد العام وقائد القوات البرية ووزير الحرس الثوري وقائد القوات البحرية ووزير الدفاع الإيراني، لكنه تحول إلى أكثر الشخصيات التي يعتمد عليها المرشد علي خامنئي، وبالتالي فإن اتهامه في مثل هذه القضايا على أنه تعاون مع الجواسيس بتسريب معلومات استخباراتية ضد بلاده يمكن أن يطيح به.
ومن بين الشخصيات الحكومية التي هاجمت علي شمخاني رجل الدين المقرب جداً من الأجهزة الأمنية حميد رسائي الذي كتب على حسابه في "تيليغرام" عن الفساد المالي لأقارب علي شمخاني، قائلاً "إنه لربما ليس من حقنا أن نتساءل عن النشاط الاقتصادي الواسع لأبناء شمخاني في النقل البحري"، إلا أنه يمكن التساؤل عن سر اصطحابه ابنه في زيارته الرسمية إلى إحدى دول المنطقة.
والأهم في هذه القضية أنه خلال الأعوام الماضية لم تقدم أي من الشخصيات السياسية المنتمية إلى النظام مثل هذه الاتهامات الصريحة ضد علي شمخاني، وبالتالي يظهر بأن الفريق المقرب من الرئيس إبراهيم رئيسي ومسؤولي وزارة الاستخبارات يتخوفون من صعود نجمه السياسي مما يهدد مستقبلهم، ولذلك عملوا على إسقاطه من أمام عيني المرشد علي خامنئي.
نقلا عن اندبندنت فارسي