ملخص
على رغم وصول كميات كبيرة من مواد الإغاثة إلى مدينة بورتسودان، منذ وقت مبكر، لكن سكان العاصمة الخرطوم الذين ضاقت بهم الحال لم تصلهم أي من تلك المعونات حتى الآن.
تحولت الخرطوم إلى ولاية محرومة من مواد الإغاثة والمعونات على رغم تفاقم الأوضاع الإنسانية وانحداره نحو الكارثة يوماً بعد آخر، باعتبار مدنها محضن الحرب الأكثر تضرراً، لكن المعاناة نفسها امتدت إلى عدة ولايات أخرى من تبعات النزوح والفارين إليها بأعداد كبيرة ضغطت بشدة على مخزوناتها ومرافقها الخدمية العامة.
على رغم وصول كميات كبيرة من مواد الإغاثة إلى مدينة بورتسودان، منذ وقت مبكر، لكن سكان العاصمة الخرطوم الذين ضاقت بهم الحال لم تصلهم أي من تلك المعونات حتى الآن، فأين تكمن المشكلة في بطء وعدم انسياب وصولها إلى المحتاجين والفارين؟
أين المعونات؟
مواطنون سودانيون قالوا إنهم سمعوا طوال أمس الأربعاء، دوي انفجارات عنيفة في عدة مناطق بالعاصمة السودانية، في مؤشر على عدة خروقات لهدنة الأيام السبعة المقرة في إعلان جدة الأخير، معتبرين استمرار المعارك أمراً معيقاً لدخول أي معونات أو مساعدات إلى الخرطوم، كما يصعِّب على المواطنين الحصول حتى على بعض حاجاتهم اليومية البسيطة.
وتساءل عدد من السودانيين عن وعود المعونات وجسور الإغاثة الجوية والبحرية التي ظلوا يتابعونها ويسمعون عن وصول الطائرات والبواخر المحملة بها من عدة دول إلى ميناء ومطار بورتسودان، بيد أنها ظلت حبيسة أسماعهم ولم يصلهم منها شيء حتى الآن.
وقال المواطن محيي الدين محمد علي، من منطقة أم درمان الثورات "لم نر حتى الآن أي إغاثات أو معونات وما زلنا نكافح بالموجود، وبتنا نعيش على أقل من الحد الأدنى، نقتات على العدس بالبصل وسلطة الطماطم وخبز الكسرة المصنوع من دقيق الذرة داخل منازلنا بواسطة الحطب أو الفحم بسبب ندرة غاز الطهي".
وتساءل علي "أين المعونات وأين المنظمات التي تملأ القنوات الفضائية؟ نحن نبحث عن أماكن تواجد طبق الفول عبر غروبات "الواتساب" والوسائط، نتبادل معلومات أماكن تواجد الخبز، فمتى ستحضر وكيف سيتم توزيعها"؟
صامدون وهاربون
ثمن المواطن علي، جهود رجال إدارتي الكهرباء والمياه الوحيدون الذين عملوا تحت المعارك لتأمين خدمات محدودة للناس، إلى جانب جهود شباب الأحياء الذين بات دورهم أهم وأكبر بكثير مما تفعله الدوائر الرسمية الغائبة حتى الآن، قائلاً "نحمي أنفسنا بالدوريات، نتبادل ونتشارك كل شيء، فهل تعلم الحكومة حقيقة الأوضاع المتدهورة يوماً بعد يوم التي نعيشها"؟
من جانبه، هاجم الناشط السوداني عبدالمنعم فاروق، ما وصفه بهروب كل المسؤولين الحكوميين من العاصمة وترك السكان المساكين الموجودين داخلها يواجهون مصيراً مجهولاً، مردفاً "لا أعتقد أن هناك حكومة بالبلاد الآن بعد أن تشتت أوصال المسؤولين بين مدن البلاد، فبعضهم في ود مدني وآخرين في نهر النيل وبعضهم خارج السودان، هربوا وتركونا هنا لأقدارنا وسط ميليشيات مسلحة بزي الدعم السريع والعصابات تجوس داخل الأحياء، وتلاحق الناس في المواصلات وتنزل آخرين من الباصات تحتجزهم وتصادر أموالهم".
يعتقد فاروق، أن مغادرة كثير من المسؤولين الخرطوم كان لحرصهم على حماية أنفسهم وعوائلهم الذين اصطحبوهم معهم، وهم يقيمون في الفنادق ويتلقون النثريات على نفقة الدولة المكلومة وخصماً على المواطن المغلوب. ويردف غاضباً "لقد تركونا ونحن نفتقر إلى المستشفيات والأسواق والدواء، هربوا وتركونا نحن في مواجهة الجحيم"، ولم نر أي نوع من المعونات أو المساعدات وصلت أو وزعت على الناس.
عراقيل الانسياب
في السياق، قال مفوض العون الإنساني السابق بولاية الخرطوم رئيس منظمة الزرقاء الطوعية الموجود حالياً في ولاية النيل الأبيض مصطفى آدم، إنهم لم يتمكنوا من الحصول علي أي دعم للمتأثرين والفارين من الحرب على رغم أن هناك حاجة ماسة وعاجلة، مضيفاً "تحركنا في ولاية سنار وتواصلنا مع الأخ مفوض العون الإنساني، لكن من دون جدوى ولم يتم الإبلاغ عن وصول أي مساعدات حتى اليوم".
وذكر آدم في حديث إلى "اندبندنت عربية"، أنه على رغم الوضع الإنساني الحرج للغاية، لم تنساب المعونات والإغاثة على المدنيين حتى الآن، بسبب وجود مشكلات إدارية تتعلق بأداء اللجنة العليا للطوارئ الموجودة في مدينة بورتسودان، متهماً اللجنة بالتعامل مع الأمر بنوع من عدم المسؤولية، ومن دون مراعاة للوضع الإنساني الكارثي بمعنى الكلمة، خصوصاً في ولاية الخرطوم حيث ينعدم الغذاء والدواء إلى جانب الوضع البيئي المتفاقم ما يجعلها تحتاج لمساعدات فوق العاجلة.
ووصف مفوض العون الإنساني السابق بولاية الخرطوم، أداء اللجنة العليا بالعجز وعدم الخبرة الكافية بعمل الطوارئ الإنسانية، إذ إنه وعلى رغم مرور أكثر من شهر من الأزمة فشلت في أن تقوم بأي عمل ملموس يؤمن انسياب المعونات والإغاثة إلى المحتاجين ومناطق البؤر الحرجة شديدة الحوجة، مما يتطلب تغييراً عاجلاً في منهج عملها وخططها بالبعد عن النمطية والتكلس البيروقراطي، وضرورة تشكيل لجان فرعية متخصصة، على مستويات أدنى.
هدر وتباطؤ
مفوض العون الإنساني السابق بولاية الخرطوم لفت الانتباه إلى أنه كان من المتوقع والواجب أن يتصاعد العمل الإنساني بوتيرة غاية السرعة والاستعجال، بعيداً من القيود البيروقراطية، للاستفادة القصوى من هدنة الأسبوع في جدة لتوصيل أكبر قدر من المعونات للمواطنين، لكن يبدو أن الكثير من الزمن يهدر ويضيع وقد تنقضي فترة الهدنة المحددة بسبعة أيام من دون القيام بأي عمل ملموس في تنظيم وتوزيع المعونات الإنسانية والإغاثية التي وصلت البلاد.
يشرح المفوض السابق تجربته في ملاحقة استعجال انسياب المعونات قائلاً "في البدء ذهبت إلى مدينة ود مدني عاصمة ولاية الجزيرة وسط السودان والتقيت الأخ المفوض لكني لم أجد لديه رؤية كاملة للعمل، كما وضح لي أيضاً غياب التنسيق بينه وبين اللجنة العليا، ثم بعدها سافرت إلى مدينة بورتسودان، وتواصلت مع مستشار وزير التنمية الاجتماعية، رئيس اللجنة العليا، وشرحت وأكدت خطورة الوضع وأنه غير قابل للانتظار أكثر من ذلك".
وتابع "وعدني المستشار بأن نبقى على تواصل، وقد ظللت حتى أمس الأربعاء، وسأظل ألاحق اللجنة العليا بشكل مستمر لأن هذا الوضع إسعافي وحرج ولا يحتمل التسويف واسترخاء الإجراءات الإدارية".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ووجه رسائل عاجلة إلى الداخل والخارج بضرورة العمل الفوري على تلافي الوضع الإنساني الخطير الذي لا يحتمل التسويف، خصوصاً في ولاية الخرطوم التي تعيش وضعاً أكثر من حرج، بما يتطلب تدخلات عاجلة متجاوزة كل القيود الإدارية النمطية.
وأشار إلى أن ولايات السودان الأخرى التي استقبلت الفارين من الخرطوم، تعاني أيضاً من ضغوط كبيرة في ما يخص الأوضاع الحياتية وينبغي سرعة إسعافها تفادياً لتعمق مضافات الضغط على الخدمات وكافة المطلوبات الحياتية نتيجة استقبالها أعداداً كبيرة من النازحين والفارين من المعارك في الخرطوم. كما ناشد العالم الخارجي وبخاصة مكتب الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية بضرورة تكثيف دوره في الدعم الفني والإنساني.
وكان مجلس الوزراء السوداني، أعلن في أعقاب الإعلان الإنساني الموقع بين الجيش والدعم السريع في جدة، تخصيص مطار وميناء بورتسودان ومطارات وادي سيدنا، الخرطوم الدولي بعد إصلاحه، لاستقبال المساعدات الإنسانية بالتنسيق مع اللجنة العليا التي شكلها المجلس لمعالجة الأوضاع الإنسانية بالبلاد.
وسبق أن أوضح تقرير دوري لوزارة الصحة الاتحادية، استلام إمداد طبي من أكثر من 10 جهات دولية وإقليمية وانتظام توزيع الإمداد للولايات، وانتظام الخدمات الطبية بكل ولايات البلاد باستثناء الخرطوم وبعض ولايات دارفور.
على الصعيد نفسه، نبه مفوض العون الإنساني بولاية النيل الأزرق رمضان يسن حمد، إلى وجود أكثر من 300 ألف نازح وعائد من إثيوبيا ودولة جنوب السودان، بجانب 60 ألف نازح فار من حرب الخرطوم إلى الإقليم يتقاسمون الغذاء مع المجتمعات المضيفة، ويحتاجون إلى مساعدات إنسانية عاجلة، في وقت لم يتسلم الإقليم أي معونات إنسانية منذ اندلاع الحرب وحتى اليوم، على رغم ما نتابعه في وسائل الإعلام من وصول إعانات وصلت إلى درجة التكدس ببورتسودان.
لم يصل شيء
على نحو متصل، قال مفوض العون الإنساني بولاية جنوب دارفور، صالح عبدالرحمن سليمان، إن هناك حاجة ماسة لأى نوع من المعونات أو الإغاثة في ظل الظروف الاستثنائية التي تعيشها الولاية، بعد نزوح حوالي تسعة آلاف أسرة من القرى المجاورة لمدينة نيالا عاصمة الولاية إلى معسكرات النازحين، علاوة على فرار معظم سكان المدينة نفسها أيضاً نحو المعسكرات.
وأوضح سليمان، أنه وعلى رغم الحوجة الكبيرة والماسة لإغاثة النازحين من مناطق القتال، لكن تواجههم مشكلات الصعوبة الكبيرة في النقل نتيجة لعدم توافر الأمن في معظم الطرق، وحتى مطار مدينة نيالا نفسه يعتبر غير آمن.
كان نائب مدير الاتحاد الدولي لجمعيات الصليب والهلال الأحمر بيير كريمر، حذر من أن الوضع في السودان قد يؤدي إلى زيادة مطردة في أعداد النازحين خلال الأسابيع المقبلة، مما سيترتب عليه عبء ثقيل متزايد على الموارد الشحيحة للمجتمعات المضيفة.
ولفت كريمر، في مؤتمر صحافي منتصف الأسبوع بجنيف، إلى أن قدرات الاستجابة الإنسانية الجماعية المتاحة أقل بكثير مما تتطلبه الحاجات الضخمة، ما يمثل كارثة إنسانية كبرى.
وكان الجيش السوداني وقوات "الدعم السريع"، وقعا نهاية الأسبوع الماضي، اتفاق مبادئ أولياً في جدة برعاية سعودية أميركية، أكدا فيه التزامهما بسيادة ووحدة البلاد بعد أكثر من شهر على القتال الدامي الذي اندلع منتصف أبريل (نيسان) الماضي، وأسفر عن مئات القتلى وآلاف الجرحى، فضلاً عن فرار عشرات الآلاف من منازلهم صوب الولايات الأخرى والدول المجاورة، ووضع البلاد على مشارف كارثة إنسانية وحرب أهلية.