يراهن المغرب باحتضان النسخة الـ19 من المناورات العسكرية "الأسد الأفريقي" التي تجرى بين 22 مايو (أيار) و16 يونيو (حزيران) المقبل في عدد من مناطق البلاد، على الاندماج في المنظومة الأمنية والعسكرية للولايات المتحدة، وأيضاً لمواجهة التحديات الطارئة في القارة الأفريقية، خصوصاً في منطقة الساحل والصحراء، وتحتضن هذه المناورات العسكرية التي تعد أكبر وأضخم تدريبات عسكرية في أفريقيا، كلاً من مدن بن جرير وتيفلت وتيزنيت وأغادير وطانطان، وأيضاً منطقة المحبس، القريبة من مخيمات تندوف التي تسيطر عليها جبهة البوليساريو المطالبة بانفصال الصحراء عن سيادة المملكة.
تعزيز الجاهزية أثناء الأزمات
ويتلخص السياق المعلن لهذه التدريبات العسكرية بين الجيشين المغربي والأميركي، في ما كشفت عنه القيادة العامة للجيش المغربي ضمن بلاغ لها، أنها مناورات مسلحة متعددة ومشتركة، بخاصة البرية منها والمحمولة جواً، والبحرية والقوات الخاصة والجوية، وكذلك العمليات المدنية - العسكرية، وتلك المتعلقة بإزالة التلوث النووي والإشعاعي والبيولوجي والكيماوي.
وأورد رئيس أركان القيادة الأميركية في أفريقيا الفريق جويل تايلر أن تمرين "الأسد الأفريقي" يعد ركيزة أساسية من ركائز استراتيجية "تمرين أفريكوم"، و"أحد أعظم التدريبات الأميركية في جميع أنحاء العالم"، مضيفاً أن هذه المناورات تشكل فرصة لإجراء اختبار جاهزية واقعي وديناميكي وتعاوني في بيئة قاسية تجمع بين عديد من الوحدات الجغرافية والوظيفية، إضافة إلى نقاط العبور البحرية الاستراتيجية وممرات الشحن العالمية، "وستركز تدريبات هذا العام أساساً على تمارين رماية حية متعددة الذخائر والأسلحة، وتمارين بحرية وجوية، علاوة على تمرين الإنزال القسري المشترك مع المظليين في تدريب ميداني، وأيضاً تمارين للاستجابة الكيماوية والبيولوجية والإشعاعية والنووية".
وتراهن قيادة الجيش الأميركي من وراء تنظيم هذه التدريبات في أفريقيا، على تعزيز الجاهزية المشتركة أثناء الأزمات والعمليات لتكريس الأمن والاستقرار في المنطقة وتقوية أواصر التعاون لمواجهة التهديدات العابرة للحدود والمنظمات المتطرفة العنيفة.
الاندماج في التحالف الأميركي
وقال محمد الباحث في الشؤون الاستراتيجية والعسكرية عصام العروسي، إن مناورات "الأسد الأفريقي" أصبحت تقليداً درجت عليه الولايات المتحدة بتنظيم أكبر المناورات العسكرية في القارة السمراء، مضيفاً أنها تنطوي على دلالات قوية تتلخص في انضواء المغرب ضمن هذا التحالف القوي المشكل من الولايات المتحدة وعدد من الدول الغربية بشكل عام. وتابع مؤلف كتاب "النزاعات المسلحة ودينامية التحولات الجيوسياسية" أن واشنطن تعتبر الرباط مركزاً استراتيجياً قوياً وفاعلاً إقليمياً في المنطقة، بالنظر إلى الأدوار الوظيفية التي تقوم بها المملكة على المستويات الأمنية والعسكرية والاستخباراتية وعلى مستوى حل الأزمات في المنطقة. ولفت لعروسي إلى أن تدريبات "الأسد الأفريقي" تعد من الميكانيزمات (الآليات) التي تجعل المغرب يندرج ضمن هذا التصور الأمني للولايات المتحدة باعتباره عامل ارتكاز أساسياً للاستراتيجية الأميركية في المنطقة". ولفت إلى أن المغرب يستفيد من التنسيق العسكري في عملية "الأسد الأفريقي" في سياق المحاور الإقليمية التي بدأت تتضح معالمها بخاصة بعد اعتراف واشنطن بسيادة المغرب على الصحراء، وأيضاً في خضم رغبة بعض القوى الدولية مثل: إيران والصين وروسيا بالتموقع في المنطقة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ولفت أيضاً إلى أن "معسكر عدد من القوى الدولية مقتنع بأن المغرب يبذل جهوداً كبيرة على المستويات الأمنية والعسكرية والاستخباراتية وأيضاً في إحلال السلام في المنطقة"، و"الأسد الأفريقي" تعبير عن اندماج المغرب ضمن المنظومة الموحدة لأميركا، مشيراً، في الوقت نفسه إلى صفقات الرباط مع واشنطن للتزود براجمات الصواريخ "هيمارس" وصفقات أخرى قبلها تتيح تجديد الترسانة العسكرية المغربية.
توازن استراتيجي
وفي سياق متصل، رأى أستاذ العلاقات الدولية بجامعة "وجدة" خالد شيات أن النسخة الحالية لمناورات "الأسد الأفريقي" استمرار للنهج الذي تقوم عليها هذه التدريبات العسكرية المشتركة أساساً بين جيشي المغرب والولايات المتحدة، وشرح شيات أن هذه المناورات تتسم أولاً، بالاستقرار من حيث الزمن والمكان، وثانياً، كونها اتسعت على مستوى الرقعة الجغرافية لمحاصرة جميع الظواهر السلبية في منطقة الساحل والصحراء بالأساس، بما فيها المخدرات والإرهاب والهجرة السرية.
ويشارك في مناورات "الأسد الأفريقي" العسكرية أكثر من ستة آلاف جندي ينحدرون من 20 بلداً من أفريقيا ومن دول أوروبية، فضلاً عن حضور 27 بلداً بصفة مراقب، ما يجعلها إحدى أكبر المناورات العسكرية في العالم.
وشدد شيات على أن هذه المشاركة المكثفة لعديد من الدول في مناورات "الأسد الأفريقي" تأتي في سياق التحولات الطارئة بالعالم، من قبيل الحرب الروسية - الأوكرانية ومحاولة روسيا إيجاد موطئ قدم في القارة الأفريقية. أضاف "هذا لا يعني أن هذه المناورات موجهة ضد مصالح روسيا، لكنها ترسي نوعاً من التوازن الاستراتيجي، وضمان، في أحسن الحالات، تحقيق السلم والسلام في القارة وفي العالم"، وخلص الأستاذ الجامعي إلى أن المغرب يعتمد على هذه المناورات لمزيد من التقارب مع حليف تقليدي ومضمون، هو الولايات المتحدة، وتجديد القدرات العسكرية والتخطيطية لقواته العسكرية، بهدف مكافحة مجموعة من الظواهر على مستوى القارة الأفريقية، خصوصاً منطقة الساحل والصحراء.