Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"الحزام والطريق"... أي مستقبل لمبادرة "الإغراق في الديون"؟

قد يكون لانسحاب إيطاليا من المبادرة الصينية تأثير الدومينو بالنظر إلى التحديات التي تواجهها الدول الشريكة

مشروع الطريق السريع في مونتنيغرو الذي تم بناؤه في إطار مبادرة الحزام والطريق (أ ف ب)

ملخص

قد يكون لانسحاب إيطاليا من المبادرة الصينية تأثير الدومينو بالنظر إلى التحديات التي تواجهها الدول الشريكة

شغلت الصين اهتمام القادة وصناع القرار في الغرب واستحوذت على مساحات واسعة من المقالات البحثية والصحافية في العالم، منذ أن أعلنت عن مبادرة الحزام والطريق لأول مرة عام 2013، ذلك المشروع الضخم الذي يهدف إلى إنشاء شبكة واسعة من السكك الحديدية وخطوط أنابيب الطاقة والطرق السريعة والمعابر الحدودية، بهدف ربط شرق آسيا وأوروبا من خلال البنية التحتية المادية، ثم توسع المشروع ليشمل أفريقيا وأوقيانوسيا وأميركا اللاتينية، مما يقود إلى توسع نفوذ الصين الاقتصادي والسياسي عالمياً.

تتعلق المبادرة بطريق بري وبحري يشمل 147 دولة ويشارك فيه نحو 70في المئة من سكان العالم، ومن بينها 18 دولة عضواً في الاتحاد الأوروبي تعمل ضمن المبادرة، بما في ذلك إيطاليا التي تمثل ثالث أكبر اقتصاد في أوروبا وإحدى دول مجموعة السبع التي وقعت مذكرة تفاهم مع الصين عام 2019 تنطوي على صفقات تجارية في إطار "طريق الحرير الصيني ومبادرة طريق الحرير البحري للقرن الحادي والعشرين"، على رغم اعتراض البرلمان الأوروبي، مما يمنح المشروع الصيني الذي يبلغ أكثر من تريليون دولار قوة داخل القارة العجوز. ومع ذلك فإن التغيرات العالمية المتلاحقة منذ الحرب الروسية في أوكرانيا وما يزيد عليها من صراع جيوسياسي محموم ربما تحرم بكين من طموحاتها التوسعية الكبرى. 

خلال الأيام السابقة لقمة السبع التي انعقدت في اليابان قبل أسبوع تزايدت التكهنات في شأن انسحاب إيطاليا من المبادرة التي يعتبرها المعارضون "حصان طروادة" تهدف بكين من خلالها إلى شراء النفوذ السياسي والسيطرة عبر إسقاط الدول في فخ الديون. وأفادت تقارير صحافية أميركية أن رئيسة وزراء إيطاليا جورجيا ميلوني أبلغت رئيس مجلس النواب الأميركي كيفن مكارثي، خلال لقائهما في روما في وقت سابق من الشهر الجاري، عن نيتها الانسحاب من المبادرة. وفق مجلة "بوليتكو" لم تتخذ ميلوني وهي زعيمة الجناح اليميني في إيطاليا قراراً نهائياً بعد في شأن الأمر، لكن المناقشة التي جرت في روما ركزت على كيفية الخروج من "الحزام والطريق" وليس ما إذا كان يجب القيام بذلك.

ضربة لطموحات جينبينغ

بينما لا تعدو الوثيقة الموقعة بين روما وبكين أكثر من كونها مذكرة تفاهم، لكن انسحاب إيطاليا من المشروع بأي صيغة ما، من شأنه أن يطرح تساؤلات في شأن التحديات التي يواجهها المشروع الصيني العالمي ومستقبله، في حين ليس من المرجح أن ينسحب الإيطاليون من "الحزام والطريق" بشكل جذري إذ ثمة مصالح تجارية واستثمارات تجمع البلدين، لكن يرى مراقبون غربيون أن اختيار ميلوني عدم تجديد الاتفاق المقرر موعده في 2024 سيمثل تحولاً جذرياً في العلاقات بين إيطاليا والصين، ويرسخ ميلوني بقوة في معسكر الدول المشككة في الصين بقيادة واشنطن، كما من شأنه أن يمثل ضربة لطموحات الرئيس الصيني شي جينبينغ، إذ قد يدفع التحرك البلدان الأوروبية الأخرى إلى اتباع إيطاليا.

 

في حين لا تزال هناك انقسامات حول المدى الذي يجب أن تذهب إليه أوروبا في الانضمام إلى دعم الولايات المتحدة للدفاع عن تايوان وما يتعلق باستراتيجية المحيطين الهادئ والهندي، هناك إجماع متزايد عبر الأطلسي حول الحاجة إلى مقاومة ألعاب القوة الاقتصادية الصينية التي تمنحها نفوذاً متزايداً حول العالم. بالنسبة إلى إيطاليا فإن البقاء في فلك النفوذ الصيني يزعج البيت الأبيض، لكن ميلوني لا تريد المخاطرة بإلحاق الضرر بالشركات الإيطالية من خلال إبعاد حكومتها نهائياً عن الصين، لذا من المحتمل أن يتم توقيع اتفاقيات أخرى مع بكين، لكن هذه المرة اتفاقيات تجارية فقط وهو ما يعني تغيير طبيعة الاتفاقات التي تصبو إليها الصين.

تغير الموقف الإيطالي من الصين لا يتعلق فقط بتغير حكومتها، إذ أبدت ميلوني منذ انتخابها مواقف أقل ترحيباً بالانفتاح على بكين في مقابل رغبتها في عدم إزعاج البيت الأبيض، لكن ثمة أسباب اقتصادية أيضاً وهي الأكثر دفعاً للإيطاليين. فلقد أطلق الرئيس الأميركي جو بايدن خطة ضخمة للتعافي الاقتصادي بقيمة 6.8 تريليون دولار، ووفق مراقبين أوروبيين يريد عديد من الشركات الإيطالية قطعة من الكعكة ولكن للحصول على واحدة يجب لروما أن تؤكد نفسها كحليف موثوق به، كما تفيد تقارير في بروكسل بأنه وسط تصاعد الخلاف بين الصين والاتحاد الأوروبي عرضت ميلوني ترك الاتفاقية مقابل معاملة تفضيلية في صفقة لأشباه الموصلات مع تايوان.

في حين كان اتفاق 2019  يهدف إلى تعزيز التجارة وتحسين الاتصال بين إيطاليا والصين، فإن الاتفاق أخفق في تحقيق طموحات الإيطاليين بعد أن فشلت بكين في تقليص الحواجز أمام الشركات الإيطالية واتخذت الحكومات المتعاقبة في روما خطاً متشدداً بشكل متزايد تجاه حكومة شي. 

تأثير الدومينو

خروج إيطاليا من مبادرة الحزام والطريق من شأنه أن يجعل أي خلاف مستقبلي بين الصين والدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي مثل اليونان والبرتغال والمجر، يطاول المبادرة بشكل رئيس. وحالياً يقيم الاتحاد الأوروبي علاقته مع الصين بعد أن أقر البرلمان الأوروبي تشريعات حمائية لحماية الاقتصاد الأخضر الأوروبي من الاعتماد المفرط على الواردات الصينية. وتقول فرانسيسكا غيريتي، الزميل لدى مجلس العلاقات الأوروبي، إن إيطاليا قد تكون أولى الدول التي تغادر المبادرة مما قد يؤدي إلى إطلاق عملية تقود الدول الأوروبية الأخرى إلى الشيء نفسه. ففي عام 2021 أصبحت ليتوانيا أول من انسحب من تنسيق التعاون "17+1" بين الصين ودول وسط وشرق أوروبا، وسرعان ما تبعها آخرون.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وحددت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين نهجاً حذراً للانفصال عن الصين في خطاب سياسي تاريخي في مارس (آذار) الماضي، على رغم اعتراض الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون على حتمية نشوب صراع محتمل بين الاتحاد الأوروبي والصين، كما أنشأ الاتحاد الأوروبي مبادرة "البوابة العالمية" الخاصة به لمواجهة مبادرة الحزام والطريق في الصين، وستتعاون أورسولا فون دير لاين مع بايدن ورئيس الوزراء الياباني فوميو كيشيدا من أجل تعهد ثلاثي في شأن البنية التحتية. فوفق خدمة أبحاث البرلمان الأوروبي تعمل الجهود الثلاثية على "إعادة بناء أفضل" لتقديم بديل مستدام لـ"الحزام والطريق" والتصدي للتحديات التي تفرضها على النظام الدولي القائم على القواعد، كما تسعى إلى سد فجوة البنية التحتية في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل من خلال الاستفادة من تمويل التنمية لحشد القطاع الخاص.

الغرق بالقروض

سياسة القروض التي تتبعها الصين في إطار مبادرتها ربما تكون سبباً في تآكل ذاتي للمشروع. الدرس تتضح تفاصيله في عدد من الدول المتعثرة والتي استطاعت بكين استغلالها للانقضاض على بعض من أكثر المناطق الاستراتيجية في العالم لترسيخ قدمها. فمونتنيغرو (الجبل الأسود) الساعية إلى الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي وجدت نفسها عاجزة عن سداد قرض يبلغ نحو مليار دولار للصين كان يتعلق بمشروع طريق سريع غير مكتمل، في حين يشترط العقد أن تتنازل مونتينغروعن أراضيها للصين حال عدم القدرة على سداد القرض، وهو ما وضع سيادة البلد وأمنها القومي محل خطر. وأثار ما حدث مخاوف عديدة داخل الاتحاد الأوروبي في شأن نهج بكين، الذي وصفه بعض المراقبين بأنه شبكة تجارة دولية مركزية من المحتمل أن تكون ضارة باستقلال بعض البلدان على أعتاب الاتحاد الأوروبي.

وبسبب عبء الديون، اضطرت سريلانكا لنقل ملكية مشروع ميناء هامبانتونا إلى الصين للتخلص من عبء مليار دولار أميركي، وهو ميناء يمثل موطئ قدم لبكين في ممر مائي استراتيجي يقع بالقرب من الهند، المنافس اللدود لها. وسيطرة الصين على ميناء هامبانتونا فتحت النقاش حول سياسة الديون الصينية التي تثقل البلاد النامية بالديون ومن ثم توقعها في فخ عدم القدرة على السداد، فتحقق بكين أهدافاً استراتيجية أوسع بالسيطرة على مشاريع مهمة حول العالم.

في ماليزيا شن رئيس الوزراء السابق مهاتير محمد حملة ضد مشروعات مبادرة "الحزام والطريق" المبالغ فيها، وألغى مشاريع بقيمة 23 مليار دولار خشية وضع البلاد تحت عبء ديون خانقة. وقال "لا نريد وضعاً تحدث فيه نسخة جديدة من الاستعمار لأن الدول الفقيرة غير قادرة على التنافس مع الدول الغنية، لذلك نحن بحاجة إلى تجارة عادلة"، غير أنه عاد وأعلن لاحقاً "دعمه الكامل" للمبادرة. 

بالأرقام، يظهر برنامج تعقب "الحزام والطريق" التابع لمجلس العلاقات الخارجية الأميركي أن إجمالي الديون المستحقة للصين قد ارتفع بشكل كبير منذ عام 2013، متجاوزاً في بعض البلدان 20 في المئة من إجمالي الناتج المحلي. فبين عام 2014 و2017، الفترة التي شهدت ذروة الإقراض في الصين، بلغ مجموع القروض أكثر من 120 مليار دولار تغطي مشاريع مدعومة من الطرق السريعة إلى السكك الحديدية ومحطات الطاقة.

حرب أوكرانيا وانبعاثات الكربون

الصحوة الأوروبية في شأن تغلغل النفوذ الصيني داخل القارة العجوز عبر مشروعها القائم على المنح والقروض ليست التحدي الوحيد لمبادرة الحزام والطريق، فحرب أوكرانيا التي تبنت فيها بكين الحياد المؤيد لروسيا على أساس تحالفها مع موسكو ستزيد من حدة الصراع بين الديمقراطيات الغربية والأنظمة الاستبدادية لروسيا والصين، وفق فرانك أومباتش الأستاذ في جامعة بون بألمانيا. 

وقد أضر الغزو الروسي لأوكرانيا بالفعل بمبادرة الحزام والطريق جراء العقوبات الدولية المفروضة على روسيا، مما خلق صعوبات لوجيستية للشركات المشاركة في المبادرة، وأسفر عن ارتفاع كلفة العمالة وصعوبات تتعلق بتسوية الاتفاقات التجارية بعد استبعاد المصارف الروسية من نظام "سويفت". ويشير أومباتش إلى تعليق نقل الحاويات بالسكك الحديدية من ديسدروف في ألمانيا إلى الصين عبر بولندا وروسيا وكازاخستان ومنغوليا بعد أن أوقفت شركة "ميرسك" حجوزات السكك الحديدية الجديدة بين آسيا وأوروبا، إذ إن ما يقرب من نصف طرق قطار طريق الحرير - كجزء من الجسر البري الأوراسي الجديد - تمر بشكل أساسي عبر روسيا. 

وكانت لجائحة "كوفيد-19" تداعيات على حجم الاستثمارات الصينية في إطار "الحزام والطريق"، إذ انخفضت في عام 2021 إلى 56.5 مليار دولار من 60.5 مليار دولار في عام 2020. ومع ذلك تذهب نسبة كبيرة من استثمارات الصين إلى مشروعات الطاقة في البلدان الشريكة. ففي عام 2018 شكلت محطات الطاقة الجديدة التي تعمل بالفحم نحو 40 في المئة من هذا الاستثمار العالمي، على رغم أن الصين هي أيضاً أكبر مستثمر في العالم في مجال الطاقة المتجددة. ووفقاً للبنك الدولي، تعد مشروعات مبادرة الحزام والطريق مساهماً مهماً في انبعاثات الكربون العالمية. وحذر تقرير صادر عن برنامج الأمم المتحدة للبيئة لعام 2020 من أن 368 مليار دولار فقط من أصل 14.6 تريليون دولار من إنفاق التعافي العالمي من جائحة "كوفيد-19" يلبي "المعايير الخضراء" ومعظمها في الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة. هذه النسب من شأنها أن تشكل تحدياً للمبادرة في ظل ضغوط دولية للتحول نحو الطاقة النظيفة لمكافحة تغير المناخ. 

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير