ملخص
المتاعب الاقتصادية والمالية التي تعانيها فرنسا كارتفاع الدين العام ومشكلات صناديق التقاعد تدفع أطرافاً فرنسية للمطالبة بمراجعة اتفاق الهجرة مع الجزائر الموقع في ستينيات القرن الماضي
فجرت دعوة السفير الفرنسي السابق لدى الجزائر كزافييه درينكور إلى مراجعة اتفاق الهجرة الموقع بين البلدين عام 1968 قنبلة دخان ربما تشوش على زيارة الرئيس عبدالمجيد تبون المنتظرة إلى باريس في يونيو (حزيران) المقبل.
درينكور خلال حديثه إلى مجلة "لوبوان" الفرنسية اعتبر أن الاتفاق مفيد أكثر للجزائريين، مطالباً باريس بمراجعته من أجل "تنظيف علاقتها مع الجزائر" حتى لو تطلب الأمر "المخاطرة بأزمة دبلوماسية".
واعتبر السفير الفرنسي السابق أن أحكام الاتفاق باهظة، ولا توجد إمكانية للتحايل عليها طالما أن الاتفاقات الدولية لها الأسبقية على القانون، منبهاً إلى أن الأمر يبدو كما لو أن قوانين الهجرة الفرنسية لا تنطبق على الجزائريين.
وواصل الدبلوماسي الفرنسي هجومه على الجزائر متهماً إياها بعدم الوفاء بالتزاماتها، لا سيما فيما يتعلق بإصدار جوازات مرور قنصلية لترحيل المهاجرين من بلاده. وحذر من أن الجزائريين يمثلون 12 في المئة من إجمالي عدد المهاجرين الذين يعيشون في فرنسا، إذ لا يزال تدفق الهجرة من البلد الواقع شمال أفريقيا مستمراً بسبب المشكلات التي يعانيها أبناؤه.
ويبرر درينكور مطالبته بإلغاء الاتفاق بالحديث عن أن السياق السياسي والاقتصادي والاجتماعي لعام 2023 تغير مقارنة بما كان عليه في عام 1968، فمن الناحية السياسية باتت مسألة الهجرة قلب النقاش العام وتتكرر بانتظام.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
أما اقتصادياً فالظروف العامة التي كانت موجودة في ستينيات القرن الماضي ارتبطت حينها بحالة الرفاه والحاجة الماسة للعمال المهاجرين في فترة ما بعد الحرب، معتبراً أن تحويل نصوص الاتفاق إلى حق دائم للجزائريين من قبل القضاة والإداريين فاقم من ظاهرة الهجرة، بالتالي من غير المعقول أن تصدر الحكومة قانوناً لا ينطبق على الجزائريين، فذلك "نقطة عمياء في نظامنا التشريعي".
ولم يتوقف السفير الفرنسي السابق لدى الجزائري عند هذا الحد، بل طالب باريس بالتفكير فيما يخلصها من "حرج" الاتفاق، قائلاً "يمكننا على سبيل المثال أن نقول للحكومة الجزائرية: لنمنح أنفسنا ستة أشهر لإصلاح نظام التنقل بأكمله بين البلدين، لأنه يمكنكم أن تروا بوضوح أن مسألة الهجرة تهيمن على الحياة السياسية الفرنسية، وأن قضية التأشيرات مثل الذاكرة تسمم علاقتنا الثنائية، وإذا رفضوا ذلك، فسنضطر في غضون ستة أشهر إلى إنهاء اتفاق 1968".
نقاش متصاعد
تصاعد النقاش في فرنسا حول الهجرة مع اقتراب تقديم قانون جديد ينظمها، حيث يضغط اليمين الفرنسي على الحكومة لتشديد القوانين الخاصة بالقادمين من شمال أفريقيا وإلغاء اتفاق مع الجزائر يمنح أفضلية لمهاجريها.
وتعهد المرشح اليميني السابق للرئاسة الفرنسية إريك زمور أن يكون إلغاء الاتفاق من أهم أولوياته، مطالباً "الجزائر بالتوقف عن اعتبار باريس مصرفاً لفائضها الديموغرافي"، على حد وصفه.
وقبل أيام طالب رئيس حزب الجمهوريين اليميني إيريك سيوتي بمراجعة الاتفاق ذاته، مبدياً تعجبه من استمرار "منح امتيازات للجزائريين الذين يقومون بشتمنا كل يوم". وبرر دعوته بكون القنصليات الجزائرية باتت ترفض تماماً منح مواطنيها الذين صدرت في حقهم قرارات طرد، تصاريح عبور من أجل عودتهم إلى بلادهم.
وفي أبريل (نيسان) الماضي أعلنت رئيسة الوزراء الفرنسية إليزابيت بورن أن مشروع قانون الهجرة الذي يريده الرئيس إيمانويل ماكرون لن يقدم على الفور لعدم توفر الغالبية، إذ تسعى حكومتها إلى إقرار قانون جديد يغير بعض شروط الإقامة، ومنها اشتراط إتقان الحد الأدنى من اللغة الفرنسية لإصدار أول تصريح متعدد السنوات، وتسهيل طرد الأجانب الذين تم تجريمهم في البلد الأوروبي، وإجراء إصلاح هيكلي لآليات منح اللجوء.
عواقب وخيمة
إلى ذلك، يرى المتخصص السياسي الجزائري كمال عمراوي، في حديثه إلى "اندبندنت عربية" أن التحرك الدبلوماسي الفرنسي سيكون له عواقب وخيمة، وقد يتسبب في توتر سياسي واقتصادي يضع العلاقات بين البلدين على "كف عفريت"، على حد قوله.
وقال إن الترويج الفرنسي جاءت في شكل حملة تسبق زيارة الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون إلى باريس، خلال النصف الثاني من يونيو (حزيران) المقبل، مما يعطي انطباعاً عاماً بوجود رغبة لدى جهات فرنسية في استغلال هذه المناسبة لمزيد من توجيه الرأي العام وشحنه ضد المهاجرين عموماً والجزائريين، خصوصاً كونهم يمثلون كبرى الجاليات هناك.
مجرد مزايدة على المهاجرين في فرنسا، ذهب بها عمراوي إلى أكثر من ذلك، بقوله إن الاقتصاد الفرنسي لا يمكنه أن يصمد أسبوعاً دون مساهمة اليد العاملة المهاجرة، مشيراً إلى أن الأطباء والمهاجرين يمثلون وحدهم 30 في المئة من العاملين في مستشفيات البلد الأوروبي، وعلى رأس هؤلاء الجزائريون.
وما يحز في نفوس بعض الفرنسيين – وفقاً للمتخصص في الشأن الجزائري - هي الامتيازات التي جاءت في اتفاق 1968، موضحاً أن "الحملة" تصاعدت حدتها بسبب المتاعب الاقتصادية والمالية التي تعانيها باريس كارتفاع الدين العام إلى ثلاثة تريليونات يورو (3.22 مليار دولار)، ومشكلات صناديق التقاعد، ولذلك تضغط للحصول على امتيازات اقتصادية ومالية جزائرية.
أهم بنود الاتفاق
بعد نيل الجزائر استقلالها عام 1962 بقيت العلاقة مع باريس معقدة، خصوصاً فيما يتعلق بوضع الجزائريين في فرنسا، حيث كان عددهم كبيراً منذ فترة الاستعمار، وعلى رغم أن باريس أبرمت اتفاقات مع كل مستعمراتها التاريخية في هذا الجانب فإن الاتفاق مع الجزائر كان مغايراً.
وقد جعل الاتفاق المواطن الجزائري يحظى بمعاملة خاصة في فرنسا، إذ جاء اتفاق 1968 لينص على تسهيل الدخول المنتظم لهم إلى البلد الأوروبي، فإذا كانوا يرغبون في ممارسة مهنة حرة أو فتح شركة فسيكونون قادرين على الاستفادة من حرية التأسيس، كما يجري تسريع إصدار تصريح إقامة ساري المفعول لمدة 10 سنوات إذا طلبوا ذلك.
يذكر الاتفاق أيضاً أنه يمكن للجزائريين طلب شهادة إقامة 10 سنوات بعد تجاوز ثلاث سنوات من الإقامة، علاوة على منح الجزائري المتزوج من فرنسية شهادة إقامة 10 سنوات بعد عام واحد من الزواج، وإذا رغب في البقاء يجرى قبوله بموجب لم شمل الأسرة، كما لأفراد عائلة الزوج الجزائري الحصول على تصريح إقامة بنفس مدة إقامته.