ملخص
لم تبرأ جراح حرب الصومال على رغم مرور ثلاثة عقود، فمتى ستبرأ جراح السودان؟
لا تزال العاصمة السودانية الخرطوم تشهد مزيداً من التحطيم تحت وابل الحرب الدائرة بين ميليشيات الدعم السريع والقوات المسلحة السودانية. وكان سيناريو انتزاع السلطة هو المشهد الأول في أغلب الروايات حينما هاجمت الميليشيات مقر رئيس مجلس السيادة السوداني الفريق عبدالفتاح البرهان، وانفجرت الحرب. فهل كان استهداف الخرطوم مشهداً مشابهاً لتحطم مقديشو حينما تناحر الفرقاء الصوماليون في القرن الماضي؟ وهل تماثلت الأدوار في الحالين؟
الحرب الغريبة
بعد فشل قائد ميليشيات الدعم السريع محمد حمدان دقلو المشهور بـ"حميدتي" في قتل أو أسر الفريق البرهان والاستيلاء على السلطة، تحول الأمر إلى حرب طاحنة بين القوات المسلحة السودانية والدعم السريع لتكون العاصمة الخرطوم الضحية الحقيقية للحرب.
وبعد وفاة الرئيس الصومالي محمد سيادة بري احتدم الخلاف القبلي بين الزعيم العشائري محمد فرح عيديد وعلي مهدي - على رغم أن قبيلة واحدة تجمعهما هي (الهوية)، لكنهما يختلفان في العشيرة - إلى جانب صراع آخر مشتت لسياسيين أقل شأناً.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
لكن صراع السودان لم يكن قبلياً في أساسه كما يقول الباحث في الشؤون الدولية عادل عبدالعزيز حامد "فعلى رغم النشأة القبلية لقائد الدعم السريع المنتمي لقبيلة عرب المحيميد، فإن هناك بعض القبائل الأخرى داخل قوات الدعم السريع، وقد ضمها حتى لا يقال إن قواته من قبيلة واحدة، واحتفظ بقيادة هذه القوات هو وشقيقه".
يوضح حامد "الأكبر من ذلك هو الأبعاد الاقتصادية للصراع، حيث يمتلك السودان احتياطات ذهب وبترول في عديد من بقاعه، بخاصة في إقليم غرب السودان، وهذه الثروات تغذي الخلافات السياسية بين الأطراف، فضلاً عن تحرشات إقليمية ودولية طامعة، وتمثلت هذه اللعبة في تنافس ذي شقين، سياسي مع مكونات (الحرية والتغيير) اليسارية التي سبق لها حكم البلاد لأربعة أعوام بعد سقوط الرئيس السابق عمر البشير، وعسكري بين الجيش السوداني وميليشيات الدعم السريع".
ويضيف "خلال الفترة الزمنية لحكم عناصر (الحرية والتغيير) استطاع زعيم الدعم السريع مضاعفة قواته من 17 ألف فرد إلى 100 ألف، مع تسليح حديث وعربات مقاتلة بدعم خارجي".
وتعد حرب الخرطوم الحالية غريبة عن البلاد في تعدد أطرافها من الداخل المحلي والإقليمي المجاور والخارج الدولي، لتطرق أسماع المواطن السوداني لأول مرة تعبيرات كـ"المرتزقة" وأفريقيا الوسطى ومجموعة "فاغنر" وذهب جبل عامر وأسواق الخليج العربي.
حصة الأطماع
يقول الصحافي الصومالي طاهر عبدي محمود "غذت حرب الصومال بين العشائر المتنافسة ما بين عامي (1991-1996) أطماعاً لقوى دولية على رأسها الولايات المتحدة للفوز بثروات البلاد من النفط والغاز، وبخاصة في منطقة بورتلاند في جنوب صومولاند، وعندما فشلت في نيل مرادها أججت صراع الفرقاء، وأرسلت قوات الأمم المتحدة تحت قيادة الأميركي الأدميرال هاو بحجة إعادة الأمن، ودخلت الولايات المتحدة الصراع من أوسع أبوابه مناصرة للأطراف المحاربة للجنرال عيديد الذي مثل بعداً وطنياً يحارب التدخل الأجنبي، واستعانت القوى الدولية بدول الجوار الإقليمي ذات الخلافات السياسية والحدودية والأطماع في الصومال".
ويضيف محمود "شهدت العاصمة مقديشو حرباً لم تسلم فيها حتى الأبنية من نزع حديدها، ونهبت الأسواق وسرقت حتى أسلاك أعمدة الكهرباء والتليفون لتعيش العاصمة صمتاً مطبقاً وظلاماً دامساً، ومنذ الأيام الثلاثة الأولى للحرب الطاحنة بين العشائر الصومالية استهدفت البنى التحتية في العاصمة مقديشو، وهوجم البنك الصومالي المركزي ونهبت خزائنه، وتحطم القصر الرئاسي تحت دانات القذائف".
أما الخرطوم فقد عاشت مشاهد مشابهة في الحرب الدائرة حالياً، يقول الباحث عادل عبدالعزيز "بدأت الحرب بضرب مقار قيادات الجيش السوداني بحي المطار الراقي، وانتقل القتال إلى المطار في محاولات من ميليشيات الدعم السريع للسيطرة عليه ومنع هبوط إمدادات مساعدة للجيش السوداني، ليكون مطار الخرطوم أول ضحايا الهدم والانهيار، كما شهد محيط القصر الرئاسي معارك ضارية لأيام عدة، وكان نجاح القوات المسلحة السودانية في ضرب مقار الدعم السريع في أماكن متفرقة من العاصمة وبسط السيطرة عليها عاملاً مباشراً لانتشار تلك القوات ومحاولتها السيطرة على بعض الأماكن الحيوية في العاصمة".
ويتابع الباحث "أدى التمركز المسبق لقوات الجيش في تلك النقاط الاستراتيجية كمطار الخرطوم والقصر الجمهوري وبعض وحدات قيادات القوات المسلحة في الشجرة والقيادة العامة وغير تلك الأماكن إلى إصابتها إصابات مباشرة، فقد تم دك عديد منها كما شهد بذلك القصر الجمهوري الذي يرجع عهده إلى الاستعمار الإنجليزي كصرح تاريخي، إلى جانب ما شهدته العاصمة من تخريب ونهب لعديد من صروحها كمقر جياد ومركز عفراء وسوق ليبيا ونمرة 2 وعمارة الذهب، وكان لحرب المدن التي شهدتها العاصمة المثلثة التي تتكون من ثلاث مدن هي الخرطوم وأم درمان والخرطوم بحري تأثيرها في جملة أوضاع الأهالي".
خراب وهجرة
كانت الحرب الصومالية سبباً في الانهيار التام للدولة، ولم يعد لسكان مقديشو من سبب للبقاء في العاصمة بعد تعطل الحياة وانعدام الأمن وكل الخدمات.
يشير محمود إلى أن "ما شهدته الحرب الصومالية من خراب لحق بكل جزء في البلاد، وتأثرت الزراعة والصناعة وتوقف الإنتاج، وحدثت عديد من المجاعات ليهجر السكان قراهم وأراضيهم إلى معسكرات الجوار الإقليمي التي لا يزال بعضها قائماً حتى الآن. وخلت العاصمة من أهلها لتكون أبنيتها ثكنات للميليشيات القبلية. وتوزع المواطنون الصوماليون رجالاً وأطفالاً ونساءً بين دول الجوار الإقليمي وفي أصقاع العالم المختلفة شرقاً وغرباً".
وفي الخرطوم بحسب عبدالعزيز "اتجهت ميليشيات الدعم السريع إلى الاستيلاء على الأبنية العالية بالمدينة لتكون مأوى وقواعد عسكرية لها، فبعد خسارتها مقارها المختلفة في العاصمة المثلثة واحتلالها من قبل قوات الجيش السوداني عمدت إلى الاحتماء بالأحياء السكنية والمستشفيات في مواقع عدة، ليشهد عديد من الأحياء تأثراً مباشراً بالمعارك. ونتيجة لذلك وتحت وابل القذائف والرعب هجر السكان السودانيون عاصمتهم، بعضهم اتجه إلى دول الجوار، والغالبية احتمت بقراها الأصلية سواء في شمال السودان أو الجزيرة أو ولاية البحر الأحمر أو بعض ولايات غرب السودان".
يوضح طاهر عبدي محمود "في الحرب الصومالية كان للأمم المتحدة ومجلس الأمن دور مهم عبر نشر بعثة حفظ سلام إقليمية تابعة للاتحاد الأفريقي (AMISOM)، بعد فشل مخططات القوى الطامعة في تحقيق أهدافها"، مضيفاً "كان أيضاً لدول مثل تركيا دور مباشر في إعادة بناء المرافق الحيوية للدولة كالمطارات ومقرات السيادة والقيام بتدريب عناصر الشرطة والجيش القومي لإعادة الأمن والطمأنينة، إلى جانب الدعم المادي في بناء دولة الصومال من جديد. وكان لدول كالسعودية دور مهم في تقديم مساعدات خففت من عنت أهالي وأبناء الصومال".
أما عبدالعزيز فيشير إلى أن "الحرب في النهاية هي حرب من ناحية الدمار والخراب وقتل المدنيين والأبرياء، وفي هذا تكون صفة الدمار مشتركة بين الحربين الصومالية والسودانية"، مضيفاً "انتهت حرب الصومال ولم تندمل جراحها حتى الآن على رغم مرور السنين التي تجاوزت ثلاثة عقود، فهل تبرأ جراح السودان في أهله ودولته وعاصمته في القريب بعون ومساعدة الأشقاء من الدول العربية والإسلامية؟".