Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

مائدة يوغرطة في تونس... وليمة الطبيعة الدائمة

صرح أثري منسي يطالب التونسيون بجذب الأنظار إليه وإدراجه في قائمة "يونيسكو" لاستغلاله سياحياً

يبلغ طول مائدة يوغرطة 1272 متراً ومساحتها 80 هكتاراً (وزارة السياحة التونسية)

ملخص

على رغم أنها تشكو إهمالاً، بحسب فاعلين ثقافيين في تونس، فإن مائدة يوغرطة تعد وجهة عشرات السياح أسبوعياً، فما الذي نعرفه عنها؟

في ولاية الكاف شمال غربي تونس المتاخمة للجزائر، تقف مائدة يوغرطة شامخة كصرح أثري فريد من نوعه في البلاد، في ما تطمح السلطات وأهالي المدينة إلى إدراجه في لائحة التراث العالمي بعد طلب تقدمت به تونس إلى منظمة "يونيسكو".

يبلغ طول مائدة يوغرطة التي تتوسط مدينة قلعة سنان التابعة لولاية الكاف 1272 متراً ومساحتها 80 هكتاراً، وتشير تسميتها إلى قائد مملكة نوميديا يوغرطة الذي يعد من أبرز قادة حرب المملكة ضد الإمبراطورية الرومانية منذ 200 عام قبل الميلاد. ونوميديا هي مملكة أمازيغية قديمة شملت مساحتها أجزاء شاسعة من تونس والجزائر وليبيا والمغرب وهي من أشهر الممالك القديمة.

وعلى رغم أنها تشكو إهمالاً، بحسب فاعلين في جمعيات ومنظمات معنية، فإن مائدة يوغرطة تعد وجهة عشرات السياح أسبوعياً، مما جعل المطالبات تخرج بضرورة تكريس مزيد من المساعي للترويج لها وتطوير البنية التحتية في ولاية الكاف.

رهان على الدولة

لمائدة يوغرطة جذور ضاربة في القدم ويقول مؤرخون تونسيون إنها مثلت حصناً منيعاً للقادة والمتحاربين الذين احتموا بها، خصوصاً يوغرطة التي تحصن فيها قائد مملكة نوميديا طيلة عام خلال المواجهة مع الرومان، قبل أن يلقى القبض عليه على إثر خيانة من زوج والدته ملك موريتانيا آنذاك بوكوس الذي أسهمت خيانته في تسليم يوغرطة إلى القوات الرومانية بقيادة ماريوس.

تحتوي المائدة على خزانات مائية وكهوف ويسمح سطحها حال التمكن من الوصول إليه من التمعن بالمناطق الحدودية بشكل واضح، سواء الجزائرية أو التونسية.

وقال الناشط في مدينة قلعة سنان التي تضم هذه الصخرة، عبدالجليل العوايطي إنه "على رغم رمزية ومكانة المائدة فإن هناك نقصاً كبيراً في البنى التحتية والمرافق القادرة على اجتذاب السياح إليها مثل الفنادق وغيرها، مما يجعل المنطقة تواجه الإهمال على رغم أنها تعود لما قبل 200 عام قبل الميلاد، وسميت مائدة يوغرطة نسبة إلى القائد العسكري يوغرطة الذي كان يتخذ منها قاعدة عسكرية".

وتابع العوايطي لـ"اندبندنت عربية" أن "ارتفاع المائدة يبلغ أكثر من 1270 متراً وتبلغ مساحتها 80 هكتاراً، وتحتوي على كهوف وأحواض لجمع المياه، وهي ثالث قمة في تونس بعد جبل الشعانبي في ولاية القصرين وجبل برقو في ولاية سليانة".

وبذلت السلطات التونسية مساعي من أجل إدراج المائدة على لائحة التراث العالمي، لكن هذه الخطوة لا يزال يكتنفها كثير من الغموض، إذ إن السلطات تلازم الصمت حيال إمكانية إدراجها قريباً.

في مايو (أيار) 2022، أعلن وزير السياحة التونسي محمد المعز بلحسين أن بلاده ستعمل من خلال التعاون بين وزارتي السياحة والثقافة والأطراف المعنية على إدراج مائدة يوغرطة ضمن التراث العالمي لـ"يونيسكو"، مشدداً على أن "المائدة تمتلك مقومات طبيعية وتاريخية تؤهلها لتكون ضمن قائمة يونيسكو، لكن يتعين على تونس إعداد ملف متكامل".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ولتونس ثمانية مواقع تراثية مدرجة على لائحة التراث العالمي، من بينها موقع قرطاج ومدرج الجم الروماني ومدينة تونس العتيقة ومدينة دقة الأثرية وهي مواقع أدرجت خلال الأعوام الـ20 الأخيرة، في ما لم يتضح بعد ما إذا كانت ستثمر الجهود التي بذلتها الحكومة بإضافة مائدة يوغرطة إلى هذه المواقع، خصوصاً أنها تزخر بالفعل بمؤهلات طبيعية وتاريخية تسمح لها بذلك.

وقال العوايطي إن "هناك بوادر طيبة نتيجة الجهود الرامية إلى التعريف بالمنطقة مثل إدراج مدينة قلعة سنان التي تضم المائدة كمدينة سياحية، لكن ما زال هناك مجهود كبير يجب بذله، خصوصاً أن يونيسكو طلبت ملفات عدة من السلطات التونسية لتصنيف مائدة يوغرطة في لائحة التراث العالمي".

وشدد على أن "السياحة أمر مستجد في ولاية الكاف، مما يجعلنا نراهن على الدولة للقيام بتظاهرات ثقافية، سواء بشكل مستقل أو حتى بالتعاون مع منظمات المجتمع المدني لعرض الأكلات الشعبية وتراث المدينة وغير ذلك، وأعتقد بأن الأمر يحتاج إلى بعض الوقت".

تهميش للمائدة

تنتشر سرديات ومرويات شعبية عدة في شأن المائدة، من بينها أن على سطحها حافر لحصان وضربة سيف تعود للقائد عبدالله بن جعفر عند بداية الفتح الإسلامي لتونس، لكن من غير الممكن تأكيد هذه المعلومات.

وعلى رغم أهميتها التاريخية والطبيعية فإن المائدة تواجه إهمالاً وتهميشاً يؤرق الفاعلين في المجالين الثقافي والسياحي بولاية الكاف التي تعتبر من المناطق النائية في تونس.

وقال الناشط في المجال الثقافي بالولاية رمزي الجبابلي إن "مائدة يوغرطة تواجه تهميشاً كبيراً، إذ لا توجد إستراتيجيات للاعتناء بهذا المعلم التاريخي على رغم أن لها خاصيتين من الصعب توافرهما في أي معلم سياحي آخر، واحدة تاريخية وأخرى طبيعية، فالأولى تتمثل في أثر مملكة نيوميديا والثانية بالكهوف والطيور التي تضمها".

وأردف أن "ملف مائدة يوغرطة طرح على اللائحة الأولية للتراث العالمي التابعة ليونيسكو في سبتمبر (أيلول) 2017، وقدمه وزير الثقافة مع سفيرنا في يونيسكو آنذاك غازي الغرايري، لكن إلى اليوم لم يتحرك الملف وقمنا أخيراً بتقديم عريضة لحث السلطات على تحريكه".

ولفت إلى أن "هناك أسباباً عدة تقف خلف عدم النجاح إلى حد الآن في إدراج مائدة يوغرطة على لائحة التراث العالمي، من بينها على ما يبدو أن المعهد الوطني للتراث المكلف هذا الملف لا يملك الأموال اللازمة للقيام بحصر الموقع ومساحته حتى يدخل في اللائحة، وللأسف إلى حد الآن لم يحرز تقدم في هذا الشأن".

وأوضح الجبابلي "قدمنا ملفاً أيضاً من أجل أن تكون المدينة سياحية ووعدتنا السلطات بتوفير موارد لتطوير البنى التحتية وغيرها".

ونجح عدد من الفاعلين الثقافيين بالمحافظة في إحياء مائدة يوغرطة على رغم التهميش الذي تواجهه من خلال تنظيم تظاهرات ثقافية وفنية، لكن تنشيطها يحتاج إلى خطوات عدة من بينها تطوير البنية التحتية لمدينة الكاف من أجل تسهيل تنقل السياح، علاوة على الاهتمام بالمائدة.

وتابع الجبابلي أن "الزيارات إلى مائدة يوغرطة لا تنتهي، لكن لا توجد مرافق أساسية مثل المطاعم والفنادق وغيرها"، محذراً من أن "المائدة بصدد التآكل نظراً إلى غياب نظام لحمايتها بينما تواجه التهميش، وصورنا أغاني في المائدة ونظمنا تظاهرات رياضية فيها، وكان هناك توافد كبير للجماهير، مما يعكس الأهمية التاريخية والطبيعية لمائدة يوغرطة".

المزيد من منوعات