ملخص
مساحات لونية مبهجة وأجواء مضيئة ودمى "ماتريوشكا" الروسية بهوية مصرية
يستضيف غاليري الزمالك في القاهرة حتى 31 يونيو(حزيران) معرضاً للفنان المصري عادل مصطفى تحت عنوان "بحر الفضة". تستوقفنا في هذه الأعمال المساحات اللونية المبهجة والأجواء المضيئة إلى جانب توظيف الفنان درجات اللونين الذهبي والفضي بكثافة. ينتمي الفنان عادل مصطفي إلى مدينة الإسكندرية، وهو ما يفسر اختياره للعناصر التي يوظفها في أعماله. هنا مراكب صيد وبحر ممتد وسماء غائمة وعشاق يستمتعون بمشهد البحر. هي عناصر واقعية بالطبع يمكن أن نصادفها في أي مدينة ساحلية، غير أن هذا المزيج المألوف يتحول في الأعمال المعروضة إلى مشهد خيالي وحالم.
يتعمد الفنان إظهار هذا الجانب الخيالي في لوحاته، وهو يشير إلى ذلك في الكلمة المصاحبة للمعرض، مؤكداً أن وقوده للرسم هو الخيال والحلم، وأن الفن يجب أن يكون متجاوزاً للواقع. الخيال والحلم هنا يلعبان إذاً دوراً محورياً في تجربة الفنان عادل مصطفى بشكل عام، وهما ملازمان لمراحل العملية الإبداعية لديه كما يقول، بداية من الفكرة ونمو المثير الفني وإعادة قراءة المرئيات، إلى تجسيد التجربة وبناء العمل. لذا فهو يدعو مشاهدي لوحاته إلى التعايش مع هذا الخيال والواقع الفانتازي.
في هذا العالم الذي يشكله الفنان عادل مصطفى، ورغم هذا الالتزام الظاهر بعناصر البيئة المحيطة، إلا أن منطقه الخيالي يمكّنه من إقحام عناصر مختلفة عن بيئته المحلية أيضاً. من بين هذه العناصر المقحمة على البيئة المحلية تبرز هيئة الدمية الروسية الشهيرة المعروفة باسم "ماتريوشكا"، وهي مجموعة من الدمى الخشبية ذات أحجام مختلفة موضوعة الواحدة داخل الأخرى. جاء الفنان بهذه الدمية وأضفى عليها طابعاً مصرياً، بل وتعامل معها كعنصر محوري في بناء العمل. إلى جانب الدمية ثمة رفيق لها يتكرر ظهوره هو الآخر في الأعمال. لا يوضح الفنان الأسباب المباشرة التي دعته إلى إقحام هذا العنصر، غير أننا إذا ما عدنا إلى كلمته المصاحبة للعرض، يمكننا تبيّن هذه الدوافع، التي يلخصها في الطبيعة الخيالية لرؤيته البصرية. فالخيال وحده هو المحرك الرئيسي للفعل البصري لديه كما يقول، وبدافع الخيال يمكننا المزج بين بيئات مختلفة، ويمكّننا الخيال أيضاً من اختلاق بيئات جديدة متسقة مع هذه الرؤية المتجاوزة للواقع.
هذا العالم المتخيل الذي يشكله الفنان يفتقد بلا شك، إلى المنطق الطبيعي لحركة العناصر، فهو عالم تحكمه قوانين مختلفة وتشكله عناصر وتفاصيل محددة، من المؤكد أن لها علاقة بالرصيد البصري لديه. يسلط الفنان الضوء على هذه التفاصيل التي شكلت ذاكرته ويبرزها أمام عين المتلقي؛ وهي تفاصيل قد تكون هامشية للبعض أو غير مثيرة للانتباه في الواقع، لكنها في هذا العالم المتخيل تبدو تامة الوضوح على نحو يصعب تجاهلها. بين هذه التفاصيل على سبيل المثال يستوقفنا مشهد البحر ببريق أمواجه التي تتلألأ تحت أشعة الشمس، بفعل الدرجات الذهبية والفضية التي يوظفها الفنان بكثافة. أما تموجات المياة فقد تخلت عن هيئتها الطبيعية لتتخذ هيئة فطرية أقرب إلى رسوم الأطفال، فبدت كخطوط متعرجة وملونة. وهو هنا لا يحاكي هيئة المياه بقدر محاكاته انطباعه عنها.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
العالم الذي يشكله الفنان في لوحاته، عالم متخيل كما قلنا، وأكثر ما يشدك إلى هذا العالم هو اللون. فثمة رغبة في تأكيد قوة اللون وكثافته عبر توظيف الدرجات اللونية الصريحة التي تبدو كما لو أنها قد خرجت مباشرة من أنبوب الرسم. عنصر آخر يتكرر في الأعمال إلى جانب الدمية الروسية (باتريوشكا)، هو الزهور، التي يساهم حضورها في تأكيد هذا الألق اللوني. الزهور هنا حاضرة في جميع اللوحات بأشكال وصيغ مختلفة. فباقات الزهور الكبيرة تملأ المراكب وتزين ملابس العاشقين، كما تمتلىء بها شباك الصيادين. هو واقع خيالي ورومانسي بالطبع؛ واقع تتحرك في رحابه الشخصيات في ثنائيات: رجل وامرأة، مستمتعين جميعاً بهذه الأجواء الخيالية ومستأنسين بمشهد البحر الفضي.