ملخص
أول من اكتشف "تيمقاد" كان الاسكتلندي جيمس بروس، المستكشف الذي وصل إلى المدينة عام 1765، من دون أن يعلم بأن الرمال التي تحت أرجله تخفي مدينة قائمة بذاتها
"تيمقاد" التي تقع شمال شرقي الجزائر، مدينة مدفونة تحت الرمال أحيتها المهرجانات الثقافية والفنية وأعادت لها بريقها. بناها الرومان في عام 100 ميلادية في عهد الإمبراطور "تراجان" لأغراض عسكرية ودفاعية، ولكنها ما لبثت أن تحولت في ما بعد إلى مركز حضاري وتاريخي، اكتشفها الاسكتلندي جيمس بروس في 1765 من دون أن يعلم بأنها مدينة مدفونة في الرمال، وبعد عمليات تنقيب لعلماء آثار فرنسيين أعلنت "تيمقاد" عام 1881.
موطن قدامى المحاربين
وتروي كتب التاريخ أن "تيمقاد" أو "ثاموجادي" مدينة بنيت من طرف الإمبراطور "تراجان"، وعرفت بموطن قدامى المحاربين إذ كان "تراجان" يسرح حوالى 200 جندي من الخدمة العسكرية كل عامين، ويمنحهم قطعة أرض في المدينة. كما عرفت بـ"الوطن" والمدينة المزدهرة، الأمر الذي جلب لها متاعب من مختلف الإمبراطوريات التي سعت إلى الاستيلاء عليها، وهو ما حصل مع الهجمات المتكررة التي أضعفت المدينة إلى الأبد، لا سيما بعد أن هجرها السكان وتجاهلتها روما، واجتاحتها رمال الصحراء بفعل الزوابع الرملية وكذا الفيضانات، لتصبح مدفونة بعيداً من أعين الناس لفترة تقدر بنحو 1000 سنة.
فتحت المنطقة ومعها المدينة خلال الفتوحات الإسلامية على يد القائد عقبة بن نافع في 669، ثم جاء العثمانيون عام 1585، وبعدهم الاحتلال الفرنسي الذي وصل إليها في 1841، واتخذها منطقة عسكرية بسبب موقعها الاستراتيجي.
مكتبة عامة من العالم الروماني
وتعتبر "تيمقاد" مثالاً نادراً جداً لمكتبة عامة من العالم الروماني، وهي اليوم أحد مواقع التراث العالمي لـ"اليونيسكو"، وعلى رغم ضياع ملامح عدة بسبب قسوة الطبيعة ويد الإنسان، نجت بقايا حوالى 14 حماماً، إلى جانب مجموعة تضم أكثر من 200 فسيفساء ونقوش مفهومة ومجهولة مثل "اغسل جيداً" و"الصيد والاستحمام واللهو والضحك... هذه هي الحياة"، في حين يبقى قوس النصر الذي يبلغ ارتفاعه 12 متراً المصنوع من الحجر الرملي والمسرح الذي يتسع لـ3500 مقعد وبعض الأعمدة الرخامية والحجرية أهم شواهد مدينة "تيمقاد".
كما اكتشفت مكتبة عام 1906 وعثر فيها على نصوص باللغة اللاتينية القديمة تتناول التاريخ الروماني، إضافة إلى عديد من الوثائق التاريخية، وتقول الإحصاءات إنها كانت تحتوي على أكثر من 28 ألف مخطوط وكتاب. وتوجد أيضاً ساعة شمسية في وسط الميدان المسمى "المنتدى"، وصنعت في شكل خطوط طويلة متعامدة تحدد الوقت بالاعتماد على انعكاس أشعة الشمس.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
اكتشفها اسكتلندي وأعلنها الفرنسيون
أول من اكتشف "تيمقاد" كان الاسكتلندي جيمس بروس، المستكشف الذي وصل إلى المدينة عام 1765، من دون أن يعلم بأن الرمال التي تحت أرجله تخفي مدينة قائمة بذاتها، وهو الذي يرى أعمدة منتصبة هنا وهناك وبعض الأحجار المنتشرة، وجدراناً عالية وبنياناً مرصوصاً بتقنيات عمرانية مدهشة وزخرفات ونقوش باهية، وعديداً من المنحوتات للإمبراطور أنطونينوس بيوس، مما جعله يصفها بـ"بلدة صغيرة، لكنها مليئة بالمباني الأنيقة".
وفي غياب صور ورسومات ودلائل من الموقع قوبلت ادعاءاته بالتشكيك خلال عودته إلى بريطانيا، وهو ما اعتبره بروس إهانة دفعته إلى اتخاذ قرار بالتقاعد والتوقف عن البحث والتنقيب والتحقيق حول المدينة المدفونة، وبذلك طوي الملف إلى حين اتخاذ القنصل العام البريطاني في الجزائر روبرت بلايفير خطوة الانطلاق من حيث توقف المستكشف الاسكتلندي، وذهب للبحث عن الموقع في كتابه "رحلات على خطى بروس في الجزائر وتونس"، حيث وصف ما وجده في محيط السهل الصحراوي الخالي من الأشجار من دون تسجيل تقدم "بريطاني". وبعد بضع سنوات وفي عام 1881 سيطر المستعمرون الفرنسيون على الموقع، وبدأوا أعمال تنقيب واسعة النطاق سمحت بالكشف عن المحاور الأساسية للمدينة، وعن عديد الأسرار التي "هرب" بعضها إلى فرنسا وبقي ما بقي في "تيمقاد".
صدى المهرجانات
ولم تعرف المدينة المدفونة بعد استقلال الجزائر عن فرنسا في 1962 صدى كبيراً بين الجزائريين عدا لدى المعنيين من الباحثين وعلماء الآثار والمؤرخين، بل بقيت معزولة ومهمشة إلى حد ما، سواء من حيث التنقيب أو الترميم أو الاهتمام، لكن جلبت المهرجانات الفنية والثقافية والسياحية الأنظار إلى المدينة وأصبحت "مشهورة" بـ"مهرجان تيمقاد الدولي"، وهي المناسبة التي تستقطب فنانين من مختلف البلدان بخاصة العربية، إذ حضر مطربون من الطراز الرفيع منهم ماجدة الرومي وكاظم الساهر ونانسي عجرم والشاب خالد، وأصبحت بذلك موعداً يتكرر كل عام منذ 1967 عام التأسيس. كما يعرف مسرح المدينة الشهير الذي يستقبل ضيوف المهرجان، الذي يتسع لأكثر من 3500 متفرج، بتنظيم عروض فنية وترفيهية، إضافة إلى جولات سياحية محلية ومن الخارج، وهي النشاطات التي أعادت الحياة للمدينة المدفونة "تيمقاد".
إلى ذلك يقول أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر سليم بن صاري إن "الأوضاع التي مرت عليها الجزائر لم تساعد الحكومة في الاهتمام بمجالات الآثار والتراث، بل على العكس عرفت مواقع أثرية عدة عمليات تخريب وإهمال وسرقة"، مضيفاً "السنوات الأخيرة منحت السلطات بعض الاهتمام لهذه الملفات التي باتت ساحة معركة بين الأمم على اعتبار أن التاريخ والتراث عاملا افتخار الدول ويعبران عن أصل الأمم وقدمها". وأوضح أن مدينة "تيمقاد" الأثرية لم تأخذ حقها من الرعاية على رغم بعض المجهودات، بدليل أن فئات واسعة من الجزائريين يجهلون تاريخ المدينة، وكل ما يعرفونه عنها هو مهرجان تيمقاد الدولي. وختم أنه أصبح من الضروري الالتفات إلى كل ما له علاقة بالتاريخ والآثار والتراث والثقافة لما لها من دور في إبراز الهوية.