منذ قرون طويلة، يحتضن شارع المتنبي في قلب وسط بغداد، سوقاً لباعة الكتب. وطوال سنوات من الحرب والرقابة والديكتاتورية، بقي السوق المركز الثقافي للمدينة من دون منازع. ولمّا كانت العبارة الشهيرة تقول "القاهرة تكتب، وبيروت تطبع، وبغداد تقرأ"، فإن سوق الكتب في بغداد يبقى مقصد العراقيين في البحث عن كتب يطالعونها.
كذلك تضجّ المقاهي المنتشرة على جانبي الممر الرئيس للسوق بدخان روّادها وأحاديثهم، وتفيض الكتب من الأكشاك فتمتدّ إلى الرصيف حيث يجلس الزبائن على ركبهم يتصفحون بعناية الكتب المعروضة.
لا ترتيب معيناً للكتب المتنوعة في هذا السوق. ثمة رواية لغابرييل غارسيا ماركيز إلى جانب كتاب عن أبرز التعابير الأميركية. وهناك كتب دراسية ضخمة متخصصة في الهندسة تتنافس مع سير ذاتية لا تحصى لجورج بوش، وإصدارات تاريخية تتناول الغزو الأميركي. من ناحية اخرى، يمتلك الشارع قصته الخاصة التي لا تقل تشويقاً عن تلك التي تتضمنها الكتب المعروضة للبيع.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
سيطرت الكتب الدينية على السوق طويلاً. وخلال حكم صدام حسين، ضيّقت الرقابة الصارمة الخناق على البائعين ومنعتهم من بيع قائمة واسعة من الإصدارات. "سُجنت لأنني كنت أبيع كتاب "الجنرالات آخر من يعرف" لسعد البزاز"، يقول حيدر "ماغازين" كما يُلقبّ، وهو أحد أصحاب المتاجر في شارع المتنبي.
ويوضح أن "الكتاب يقوم على فكرة أن صدام حسين دخل الكويت من دون علم الجنرالات، لذا مُنع من التداول في العراق".
وعلى الرغم من سقوط نظام صدام حسين، لم تنته مشاكل شارع المتنبي. وفي 2007، انفجرت سيارة مفخخة في سوق الكتب، ما أسفر عن مقتل 30 شخصاً وإصابة المئات. بعدها، استغرق السوق سنوات كي يتعافى من الجراح التي ألمّت به.
اليوم، استعاد شارع المتنبي نبضه، وباتت قائمة الكتب الأكثر مبيعاً مواكبة للعصر. ووفق ماهر محمد، صاحب إحدى المكتبات في الشارع، فإن "غالبية الزبائن من فئة الشباب... وحاضراً، يبحث هؤلاء عن روايات أو قصص".
في المقابل، يرى محمد أن "الاستقرار في الشارع لن يدوم... يمكننا أن نقول إن سوق الكتب في بغداد يشبِهُ قِدراً موضوعاً على نار، سيغلي إلى أن ينفجر وينهار".
© The Independent