Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

رصاصات غادرة من فتية جهلة تقضي على المفكر اللبناني حسين مروة

يوم ازدهر قتل المفكرين وتكفير الفنانين عبر أدوات بشرية لا تقرأ وإن قرأت لا تفهم

حسين مروة: ولدت رجلاً وأموت طفلاً (علاء رستم ـ اندبندنت العربية)

ملخص

يوم ازدهر قتل المفكرين وتكفير الفنانين عبر أدوات بشرية لا تقرأ وإن قرأت لا تفهم

تقول الحكاية، إنه حين قبضت السلطات الأمنية المصرية على ذلك الشاب المجرم الذي حاول اغتيال الكاتب نجيب محفوظ طاعناً إياه بخنجر في عنقه لم يقتله حينها، لكنه شل حركته وتسبب له بموت بطيء، سأل المحققون المجرم لماذا أقدم على فعلته؟ فأجابهم هذا من دون تفكير: "لأن هذا الرجل كافر ويكتب كفراً". وحين سأله المحققون عما إذا كان قد قرأ شيئاً له؟ أجاب بالنفي محتجاً بدهشة بأنه لا يريد أن يقرأ كفراً. قبل ذلك بسنوات قليلة، وعلى مقلب آخر من المذهبية الإسلاموية المسيسة، كان السؤال المطروح يوم تمكن شبان آخرون لا يختلفون في شيء رغم "الخلافات المذهبية" عن المجرم الذي سعى لقتل محفوظ: هؤلاء الفتية المدججون بالسلاح، الذين دخلوا في 17 فبراير (شباط) 1987 بيت الكاتب اللبناني الثمانيني حسين مروة في قلب العاصمة بيروت، وقتلوه من دون أن يرف لهم جفن، هل كانوا يعرفون حقاً، من هو، هل كان أي منهم قد قرأ له حرفاً، وهل كان أحد قد أنبأهم أن الذين كلفوا بقتله هو واحد من العقول العربية الناضجة، ومن أبرز التنويريين العرب المهتمين بالفكر الإسلامي، أم أن كل ما قيل لهم يومها، هو أن حسين مروة، عدو لطائفته، خارج عن إجماعها لمجرد أنه صاحب فكر مختلف عما "تفكر" فيه؟

حكاية الشيخ والفنان

والحقيقة أننا هنا، وقبل التوقف عند الجريمة التي أجهزت على حسين مروة على يد جاهلين، قد يكون من المفيد التوقف عند حكاية ثالثة تتعلق هذه المرة بالفنان عادل إمام كان فيها كاتب هذه السطور طرفاً. فقبل سنوات وبعد زمن من حكايتي مروة ومحفوظ، شن المتطرفون في مصر، وربما خارجها أيضاً، حملة عنيفة على الفنان عادل إمام متهمينه بالكفر بسبب واحد من أفلامه. حينها دعتني إحدى محطات التلفزة للمشاركة في حوار حول القضية قيل لي إن الطرف الآخر فيه شيخ معمم ومعتدل، لكن الاعتدال الموعود سرعان ما ذهب أدراج الرياح حين راح الشيخ يزعق مكيلاً التهم والشتائم للفنان واصفاً أفلامه بالإباحية والمروق وبكل ما هنالك من عبارات كان من الممكن مناقشتها بهدوء لو أن الكاميرا التي كانت تصور كلاً من المتحاورين، الشيخ وكاتب هذه السطور، في مكانين بل مدينتين مختلفتين، لم تنقل إلى صورة الشيخ على غير توقع وتحديداً فيما كان يمعن في وصف "مشاهد الفسق والرذيلة" في أفلام هذا "المهرج" التي "تفقأ النظر بقبحها ومروقها"، بحسب تعبيره. على الفور أسقط في يدي كمحاور إذ تبين لي أن الشيخ ضرير! سألته وقد استبدت بي الدهشة عما إذا كان قد شاهد الفيلم الذي يتحدث عنه ويندد به فزعق أنه ليس في حاجة لأن يرى الكفر والرذيلة حتى يدرك وجودهما ويحاربهما! والحقيقة أنني في تلك اللحظة بالذات وأمام الشيخ ومنطقه ولعدم رغبتي في الحديث عن عماه، فضلت الانسحاب من الحوار وأنا أتذكر عميان القلب الذين لم يبتلوا ببصرهم كحال ذلك الشيخ وإنما، وذلك أخطر، ببصيرتهم هم الذين يسيرهم في جهلهم عميان أشد منهم بأساً وبؤساً وإغراماً.

قتل مفكر كبير

ونعود هنا إلى سؤالنا المتعلق بالراحل حسين مروة واغتياله الذي كان في لبنان على أي حال فاتحة لسلسلة اغتيالات طالت مفكرين ومناضلين كباراً في موجة استبقت تلك الموجة التالية التي لا يتوقف لبنان وشرفاؤه عن التعرض لها في تاريخه الحديث. وهنا مهما يكن الجواب عن هذا السؤال، فإن القتلة المجرمين الذين كلفتهم قيادتهم بالإجهاز على حسين مروة، قضوا في ذلك اليوم على مفكر كبير كان يشعر، على رغم تقدمه في العمر، أن أمامه صفحات كثيرة لا يزال بإمكانه أن يكتبها، هو الذي كان يحلو له أن يقول "لقد ولدت رجلاً وسأموت طفلاً". وكان يفرحه أن الظروف، على صعوبتها، كانت تتيح له تحقيق أحلامه ومشاريعه الكتابية. والدليل على ذلك أنه كان قد أربى على الـ65 حين بدأ ينجز كتابه "النزعات المادية في الفلسفة العربية – الإسلامية" الذي أثار حين صدر ضجة كبيرة واعتبر، بالنسبة إلى البعض، من الكتب التي تؤسس لنظرة جديدة إلى تاريخ الفكر العربي - الإسلامي، وبالنسبة إلى البعض الآخر مادة سجالية كتبها عقل موسوعي شاء من خلالها أن يسقط بعض أفكار اليوم السياسية والأيديولوجية على الماضي. والحال أنه مهما كان رأينا في ذلك العمل الضخم الذي أنفق حسين مروة سنوات طويلة من حياته لإنجازه، وكان ينوي أن يواصل العمل في أجزاء تالية له، حتى موته، فإن مما لا شك فيه أن ذلك العمل كان من أبرز الكتابات العربية في مجاله، وكان -في الوقت نفسه- إعلاناً مهماً وانعطافياً عن بدء اهتمام الماركسيين العرب -وحسين مروة كان من أبرزهم- بالتراث الفكري العربي- الإسلامي بعد أن أهملوه طويلاً.

الحرمان من متع الطفولة

ولد حسين مروة خلال العشرية الأولى من القرن الـ20، ابناً لعائلة تقليدية من تلك العائلات التي كانت الأبرز في جنوب لبنان، والتي اشتهرت بانكباب أبنائها على العلم. وهو بعد أن رافق أباه سنوات طويلة أنضجته وحرمته من متع الطفولة، أرسل في عام 1924 إلى النجف ليتلقى دراسة دينية تقليدية، وبقي حسين مروة في النجف وفي العراق طوال أكثر من عقدين من السنين، تلقى خلالهما الدراسة التقليدية بالفعل، لكنه تفتح في الوقت نفسه على الأفكار الأخرى وسط مناخ كان في ذلك الحين زاخراً بالانبعاث الوطني والفكري في العراق. وهكذا، إلى قراءاته الدينية راح يقرأ الأدب بشغف ثم راح يقرأ الكتب الفلسفية، ثم أتى إعدام ثلاثة من قادة الحزب الشيوعي العراقي ليقربه من الفكر الماركسي، مما مهد لانخراطه لاحقاً في لبنان، في الحزب الشيوعي اللبناني حيث سيصبح واحداً من أبرز مفكريه، إضافة إلى انكبابه على النقد الأدبي ليتزعم فيه خط دافع طويلاً عن "الواقعية" وتفرعاتها، لكن هذا كله سيكون لاحقاً، إذ قبل ذلك سيكتب في الصحف والمجلات، وسيخوض الشعر والأدب والنقد، هو الذي ذات يوم في عام 1938 ترك الدراسة الدينية في النجف وخلع العمامة، وصار جزءاً من الحياة الأدبية العراقية، حتى كان عام 1949 حين طردته سلطات نوري السعيد من العراق بسبب مشاركته في "الوثبة"، فعاد إلى لبنان حيث راح يعمل في الصحافة، وتحديداً في صحيفة "الحياة" التي كان يملكها قريبه كامل مروة. واشتهرت كتابات حسين مروة في "الحياة" في ذلك الحين، خصوصاً أن اتجاهاته الفكرية والسياسية كانت تتناقض والتوجه العام للصحيفة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

مفكر رسمي

وفي تلك الفترة انضم حسين مروة رسمياً إلى الحزب الشيوعي اللبناني وصار، بشكل من الأشكال، مفكره الرسمي وناقده كما صار جزءاً أساسياً من الحياة الفكرية والثقافية في لبنان. واللافت هنا، أن الحنين إلى المدرسة والتزود من العلم لم يفارقا حسين مروة، لذلك، بدلاً من أن يرتقي في مناصبه الحزبية، وهو الذي كان مؤهلاً لذلك، آثر عند أواسط الستينيات أن ينصرف إلى وضع مؤلفه الضخم، وهو عبارة عن أطروحة دكتوراه استثنائية، فسافر إلى الاتحاد السوفياتي حين أتيح له أن يطلع على ألوف المخطوطات والوثائق التي استخدمها في وضع "النزعات المادية في الفلسفة العربية الإسلامية" ذلك الكتاب الذي صدر في بيروت، أواسط سنوات الـ70 فكان مساهمة أغنت السجال حول التراث الإسلامي - العربي. وكان للكتاب من النجاح ما جعل حسين مروة يأمل استكماله، بل انصرف إلى ذلك بالفعل، لكن القتلة كانوا في انتظاره وقضوا عليه، هو الذي كان من أكثر المفكرين اللبنانيين شجباً للقتال ولاستخدام السلاح، وللقتل العشوائي الأحمق الذي ساد الحياة السياسية والاجتماعية اللبنانية في ذلك الحين.

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة