ملخص
تثير عمليات الغش وتسريب الامتحانات الوطنية إلى خارج القاعات هاجساً يؤرق السلطات في تونس، لا سيما بعد تسرب امتحان الفلسفة عقب دقائق من توزيعه على طلاب البكالوريا
تثير عمليات الغش وتسريب الامتحانات الوطنية إلى خارج القاعات هاجساً يؤرق السلطات في تونس، خصوصاً مع تسجيل تسرب امتحان الفلسفة بعد دقائق من توزيعه على طلاب البكالوريا (الثانوية العامة)، مما أعاد للواجهة معضلة التصدي لهذه الظاهرة.
ولم يتردد وزير التربية محمد علي البوغديري في اتهام شبكات ومهربين بالنشاط خلال فترة الامتحانات للمساهمة في عمليات الغش، وذلك بالتوازي مع الإعلان عن تفكيك شبكة تتكون من ستة أشخاص تعمل على تسهيل عمليات الغش عبر بيع أجهزة مثل "لاقط التنصت" الذي بات الأكثر شيوعاً في هذه العمليات.
وترشح هذا العام 112573 طالباً لاجتياز الاختبارات التي عادة ما تستقطب الأنظار في تونس باعتبار أنها تفتح آفاق الجامعة أمام الطلاب، لكن سلوك الغش فيها بات يؤرق التونسيين والسلطات على حد سواء في السنوات الماضية.
وانقسم الشارع بين الداعين إلى فرض أشد العقوبات على مسربي الامتحانات ومرتكبي الغش وآخرين اعتبروا أن الحل يكمن في قطع الإنترنت طيلة فترة اجتياز الامتحان.
مهربون ولوبيات
الجدل حول الغش في امتحانات البكالوريا في تونس ليس وليد اللحظة، إذ سبق أن أثير العام الماضي أيضاً وسط اتهامات آنذاك للأطباء بتسهيل زرع أجهزة مثل "لاقط التنصت" للطلاب، وهي أجهزة صغيرة الحجم من الصعب التفطن إليها، وتسمح للطالب بالتواصل مع شخص في الخارج حتى يمده بمعلومات حول الامتحان، لكن اللافت هذا العام هو اتهام وزير التربية لما سماها "اللوبيات والمهربين" بالمشاركة في عمليات الغش، لافتاً إلى أن "وحدات الحرس الديواني تصدت لمحاولات تهريب عديد من الأجهزة التي تستعمل للغش.
وتابع البوغديري في تصريحات نقلتها وسائل إعلام محلية أن "قوات الأمن والجيش تبذل جهوداً كبيرة من أجل حماية تنظيم امتحان البكالوريا، وأن السلطات وفرت كل الإمكانات لضمان نجاحها".
وأعلنت السلطات المحلية مقاضاة عدد من الطلاب بعد النجاح في عديد من محاولات الغش، ما من شأنه أن يضع صدقية امتحان البكالوريا على المحك في بلد تراهن فيه السلطات على التعليم من أجل تحقيق التقدم المنشود.
وجاء هذا الإعلان بعد أن أقرت وزارة التربية إجراءات عدة للحد من سلوك الغش من بينها منع اصطحاب الطلاب لأجهزة إلكترونية إلى قاعات الامتحان والقيام بحملات توعوية للتعريف بخطورة هذا السلوك، علاوة على نجاح السلطات الأمنية في إطاحة شبكات متخصصة في بيع إلكترونيات تستخدم في الغش بولايتي سوسة (شرق) وقفصة (جنوب).
ووضعت البلاد تشريعات تنص على معالجة حالات الغش، حيث يعاقب القانون التونسي مرتكب هذا السلوك من الطلاب بحرمانه من اجتياز امتحان البكالوريا لمدة خمس سنوات ومقاضاته إذا كان في حالة "تلبس" بالغش.
مصداقية الامتحانات
ولطالما تبادلت وزارة التربية الاتهامات مع النقابات وغيرها في شأن تأمين الامتحانات الوطنية والتصدي لحالات الغش التي تتفاقم بشكل سنوي على رغم رسائل الطمأنة التي توجهها السلطات إلى الأهالي بتوفير الإمكانات الكفيلة بوضع حد لذلك.
وقالت معلمة اللغة العربية في معهد العقبة بولاية منوبة المتاخمة للعاصمة بية المرزوقي، وهو اسم مستعار لحديثها مع "اندبندنت عربية" إن "ما نلحظه كمراقبين للامتحانات سنوياً أن عمليات الغش تتطور باستعمال أجهزة ذكية جداً، ومن الصعب كشفها".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأضافت المرزوقي أن "المشكلة تكمن في أن إجراءات مثل منع جلب الهاتف بالنسبة إلى الطلاب أو غيرها لم تعط بعد النتائج المرجوة، لأن حالات الغش في تصاعد، وهو ما يؤدي إلى ضرب صدقية الامتحانات الوطنية، لا سيما أنها لا تقتصر على البكالوريا، بل ما زال امتحان التاسعة أساسياً للدخول إلى المعاهد النموذجية".
وقال رئيس جمعية أولياء الطلاب رضا الزهروني إن "ظاهرة الغش ليست محلية أو استثنائية، فمعظم الامتحانات الوطنية والدولية تحدث فيها محاولات غش وتسريب، لكن وزارة التربية لها من الإمكانات والاستعدادات التقنية ما يكفي لضمان التصدي لها".
وتابع الزهروني بالقول إن "هناك محاولات غش استثنائية تتطلب إمكانات كبيرة، وهو ما يعكس مساعي من أطراف للتشويش على راحة المرشحين والتقليل من تركيزهم وضرب صدقية الامتحانات الوطنية"، مستدركاً "لكن يجب أن ندرك أن هناك جزءاً من الطلاب يبحثون عن النجاح، حتى وإن استلزم الأمر الغش لأنهم يجدون أنفسهم أمام الفرصة الأخيرة ما يجعلهم يبحثون عن ورقة أخيرة مهما كانت الكلفة، وهناك هواجس تثيرهم من بينها مغادرة مقاعد الدراسة حال الفشل في النجاح لذلك يلجأون إلى المخاطرة والمجازفة".
وأوضح رئيس جمعية أولياء الطلاب أن "فئة من الطلاب يضربها اليأس وتفقد الأمل في النجاح، فتلجأ إلى كل الإمكانات لتحقيقه، وبالتوازي هناك شبكات تستغل هذه الظروف وتروج لتقنيات وطرق تواصل متطورة جداً تجعل الطالب يعتقد أنها تستجيب لحاجاته".
حلول نهائية
واعتبر الزهروني أن "الحل النهائي لمعضلة الغش يكمن في الارتقاء بالمنظومة التربوية حتى لا نرغم الطالب على اللجوء لمحاولات الغش من خلال تمكنه من تحصيل معرفي كاف يجعله في غنى عن التضحية بمستقبله الدراسي وسمعته".
وشدد رئيس جمعية أولياء الطلاب على أن "هذا الارتقاء بالمنظومة التعليمية لا يمكن أن يكون مجرد عبارات أو شعارات، فهناك 10 سنوات الحديث فيها مستمر عن الإصلاح التعليمي، لكن لم يتحقق شيء"، مطالباً بوضع استراتيجية في أقرب وقت لأن "كل تأخير في الإجراءات ندفع مقابله آلاف الطلاب نحو المجهول، سواء من خلال تدني المستوى العام للمنظومة التربوية أو هجرة المدارس الحكومية، وكذلك ارتفاع أعداد المنقطعين عن الدراسة".
الإصلاح التربوي
ويعيد هذا الجدل إلى واجهة الأحداث في تونس السجالات في شأن ضرورة إصلاح التعليم، وهي مهمة من المنتظر أن يباشرها المجلس الأعلى للتربية بحسب نص الدستور الجديد، لكن لم يتم إنشاؤه بعد.
وكانت السنة الدراسية الحالية قريبة من الانهيار بسبب خلافات بين نقابات التعليم ووزارة التربية حول عديد من النقاط منها الإصلاح التربوي، لكن فيما تم حسمها مع جامعة التعليم الثانوي لا تزال نقابة التعليم الأساسي متمسكة برفض مد الإدارات بأعداد الطلاب.
وفي مارس (آذار) الماضي قال الرئيس التونسي قيس سعيد إنه "في القريب العاجل سيتم إدخال إصلاح جذري على المنظومة التربوية في تونس بجميع مراحلها"، لكن لم يتم بعد الإعلان عن أي خطوات.