Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ماذا طلبت إدارة بوش من صدام حسين مقابل إطلاق سراحه؟

تلقى حكم الإعدام برحابة صدر ورفض تناول المهدئات

صدام حسين خلال إحدى جلسات محاكمته (غيتي)

ملخص

التحليلات حول سرعة تنفيذ قرار إعدام صدام حسين تبقى متباينة ومتضاربة وتخفي خلفها الكثير من الحقائق والأسرار التي لم تتمكن التحقيقات والتحريات من فك شيفرتها بعد
 

على رغم مرور 17 عاماً تقريباً منذ أن أعدم الرئيس العراقي الراحل صدام حسين، 30 ديسمبر (كانون الأول) 2006، إلا أن إعدامه يبقى محط جدل ونقاش، ولا يزال هناك من يعتقد أن صدام حسين حي يرزق. ولا تزال التفاصيل المحيطة بظروف اعتقاله غامضة إلى اليوم، في حين أن التحليلات والتأويلات حول سرعة تنفيذ قرار الإعدام تبقى متباينة ومتضاربة وتخفي خلفها الكثير من الحقائق والأسرار التي لم تتمكن التحقيقات والتحريات من فك شيفرتها بعد. وسيبقى حدث الإعدام "المفاجئ" وحبل المشنقة يلف عنقه عالقاً في الذاكرة العراقية والعربية لرجل أحدث جدلاً خلال حياته وبعد رحيله. 

قال الكثير من المحللين والمراقبين إن عملية اعتقال صدام حسين لم تكن مفاجئة، وذلك بسبب تخلّي كل الأطراف وكل المقربين عنه، حتى من عائلته وعشيرته. وتحدثت العديد من المصادر والتحقيقات، عن مفاوضات سرية بين جنرالات وقادة أميركيين مع صدام حسين خلال فترة اعتقاله من قبل عناصر الاستخبارات الأميركية. ويذكر العراقيون والعالم العربي إلى اليوم، جلسات محاكمة صدام حسين وكلماته وخطاباته الشهيرة خلالها التي ختم بها مسيرته السياسية. ووصف البعض إعدامه صباح عيد الأضحى أنه "سيبقى وصمة عار". 

الإعدام

وكان القاضي منير حداد الذي حضر تنفيذ الإعدام قال عنه في أبريل (نيسان) الماضي، "لقد تحلى برباطة جأشه حتى النهاية. لم يبد أي شحوب على وجهه إلا في اللحظة الأخيرة". وكشف أن العملية بالكامل استغرقت 35 دقيقة، لافتاً إلى أن عدداً من القضاة امتنع حينها عن التوقيع على تنفيذ حكم الإعدام. وكان حداد رئيس اللجنة المشرفة على تنفيذ حكم الإعدام ونائباً لرئيس محكمة الاستئناف في المحكمة العراقية العليا للجرائم، وشهد في قاعة بمنطقة الكاظمية بالعاصمة بغداد على عملية الإعدام بعد مرور أكثر من ثلاث سنوات على إلقاء القبض عليه. وأوضح أنه بعد امتناع عدد من القضاة عن التوقيع على تنفيذ حكم الإعدام، فأرسل مجلس القضاء الأعلى من يمثله. كذلك قال "تم نقل صدام حسين إلى سجن لغرض تنفيذ حكم الإعدام فيه. السجن المذكور كان مقر مديرية الاستخبارات العسكرية في السابق، وكان نظام صدام حسين ينفذ فيه أحكام الإعدام بحق المناوئين له". وأوضح أن صدام كان الشخصية السياسية الأولى التي جرى إعدامها في ذلك المكان بعد 2003، والشخص الـ64 الذي يجري إعدامه هناك فقد تم قبل ذلك إعدام 63 من أعضاء تنظيم "القاعدة" بتهمة الإرهاب في ذلك الموقع.

وفي جديد تفاصيل الحقبة الأخيرة من حياته قبل اعتقاله، ما كشفه خليل الدليمي، رئيس هيئة الدفاع سابقاً عن الرئيس الراحل، وعلى مدى أربع حلقات من برنامج "الذاكرة السياسية" والذي يبث عبر قناة "العربية"، عن أبرز ما سمعه من صدام حسين في سجنه وأثناء محاكمته. وقال إن صدام حسين تلقى حكم الإعدام برحابة صدر ورفض تناول أي مهدئات، وحين سمع الحكم: قال "أنا طلقت الحياة منذ 1959". 

"عروضات" الإدارة الأميركية

وكشف أن الإدارة الأميركية قدمت عرضاً لصدام حسين مقابل إطلاق سراحه واعتزاله السياسة، وهو أن يكتب رسالة للشعب العراقي يطلب فيها وقف القتال والتفاوض مع القوات الأميركية، مقابل ذلك يطلق سراحه فوراً إلى خارج العراق، وأكدوا عليه أن لا يحمل هم الأمور المالية والمعيشية لأنهم أجروا اتصالاً بالخزينة العراقية. ومن الشروط أن لا يكتب مذكراته وأن يعتزل السياسة، ولا يلتقي أحداً، لكنه رفض ذلك. وتحدث الدليمي عن أول لقاء له مع صدام حسين وأن طلبات الأميركيين كانت صارمة وتتجاوز حدود الجوانب الأمنية قبل اللقاء، منها أنه عليه أن يصافحه فقط ولا يسلم بالطريقة الشرقية، "لا تحترم الرئيس (المجرم)، ومجموعة أخرى من الشروط" وهو ما رفضه الدليمي بحسب تعبيره. ولم يقبل بأي شكل أن يقلل من هيبة واحترام صدام حسين، وتوجه إلى الضابطة الأميركية قائلاً "أنتم أتيتم بي إلى هنا كي تحطوا من قدر الرئيس وأفضل العودة من حيث أتيت". عندها وافقت الضابطة الأميركية على طلبات الدليمي. وأدخلوا معه إلى القاعة حيث سيلتقي صدام، أحد العناصر الذي يرتدي زي المارينز وقالوا له إنه أحد الجنود. ولكنه، بحسب الدليمي، أحد ضباط الاستخبارات الأميركية. وهذا ما اعترض عليه لأن اللقاء بين المحامي وموكله يجب أن يحاط بالسرية التامة. 

وقال عند دخول الرئيس صدام حسين كان مُنحني الظهر بسبب ظروف الاعتقال وشعره طويلاً وذقنه أيضاً، وبعد التحية بادره صدام ببيت شعر "إن لم تكن رأساً فلا تكن آخره... فليس الآخر سوى الذنب" وعند استيضاحه ما إذا كان بيت الشعر هذا مبني على حدث ما قال "نعم". وعن هذا "الحدث" يقول الدليمي إن صدام أخبره أن الأميركيين فاوضوه واقترحوا عليه أن يرشح أي أحد من جانبه ليعين نائباً لرئيس الجمهورية العراقية، لكن من دون صلاحيات رئيسية مقابل فك أسره. كما اشترطوا عليه وقف القتال في الفلوجة ضد القوات الأميركية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وينقل الدليمي محادثة بينه وبين ضابطة أميركية قالت له "نحن قواتنا في وضع حرج جداً في الفلوجة حيث تقاتل التنظيمات المسلحة ولا يمكن أن نسمح لأميركا أن تهان، إما أن نبيد الفلوجة عن بكرة أبيها بسلاح نوعي أو أن تهان أميركا، ولا يمكن أن نقبل بهذا". كما أضاف الدليمي أن عرضاً قدم إلى صدام مقابل إطلاق سراحه والاختيار بين ثلاث دول عربية للذهاب إليها، في حال كتب بخط يده رسالة وقرأها عبر الإعلام يطلب فيها التوقف عن القتال. وتم اختيار تلك الدول واتفقوا معها، وهي الأردن ومصر وقطر. وأضاف: "عرض علي أيضاً أنني إذا أقنعت الرئيس سأكون معه وأخرج أنا وعائلتي"، مضيفاً "العرض المادي كان لي وللرئيس ولمن يختار الرئيس أن يخرج معه". 

حرك "المقاومة العراقية" من داخل سجنه 

وتحدث الدليمي عن كيف كان يتواصل الرئيس العراقي الراحل مع "المقاومة العراقية" وينقل رسائل مشفرة إليها وللشعب العراقي بشكل عام من معتقله الأميركي. وقال الدليمي إنه مع آخرين كانوا حلقة الوصل بينه وبين قيادات "المقاومة العراقية"، من بينهم بعض قادة الجيش العراقي، حيث كان يقوم بتقديم المعلومات إليه بطريقة مشفرة خلال جلسات محاكمته. كما أوضح أن معظم هذه الرسائل كانت تمرر بطريقة مشفرة وغاية في السرية، مؤكداً أنه كان يستخدم بعض المصطلحات التي تدعوهم إلى الصمود، مثل "القوات المسلحة المجاهدة"، ومصطلحات أخرى بعضها معلن والآخر سري. وأضاف أن الرئيس العراقي الراحل كان يعلم جميع التفاصيل عن عمل "المقاومة العراقية" وكيفية عملها وإدارتها وقادتها، ويقوم في بعض الأحيان بتوجيه رسائله وتعليماته لها أثناء استجواباته العلنية بطريقة مباشرة أحياناً وبطريقة غير مباشرة أحياناً أخرى. وينقل الدليمي عن صدام حسين رده على مقولة أن لديه أكثر من شبيه، لدرجة أن خليل الدليمي نفسه كان يشك في أن يكون الشخص الذي أمامه هو شبيه صدام حسين، وليس الرئيس العراقي السابق نفسه.

لحظة الاعتقال 

عملية "الفجر الأحمر" أو القبض على صدام حسين وهي العملية العسكرية التي قامت بها الولايات المتحدة وألقت القبض على صدام حسين. كان ذلك في 13 ديسمبر 2003 في بلدة الدور بالعراق. سميت العملية على اسم فيلم "الفجر الأحمر" الذي صدر عام 1984. نفذت المهمة من قبل فرقة العمليات المشتركة 121 بدعم من فريق اللواء القتالي الأول من فرقة المشاة الرابعة بقيادة اللواء ريموند أوديرنو. وكان عثر على صدام حسين مختبئاً في ملجأ صغير تحت الأرض في شمال مدينة الدور في الساعة 20:30 بالتوقيت المحلي العراقي وأٌلقي القبض عليه من دون مقاومة. وكان صدام حسين قد توارى عن الأنظار بعد فترة وجيزة من غزو العراق عام 2003. ووصفه الجيش الأميركي بأنه "الهدف رقم واحد الأعلى قيمة" وبدأت إحدى أكبر عمليات البحث في التاريخ. ولكن بحسب ما نقل الدليمي عن صدام قوله إنه تم تخديره بعدما تم اعتقاله لأنه رفض الصعود إلى الطوافة. ويؤكد الدليمي أن صدام حسين لم يكن مختبئاً في حفرة كما أشيع، إنما في ملجأ محصن يحتمي فيه من القصف. 

بكاء القذافي؟

وينقل أن الرئيس الليبي الراحل معمر القذافي بكى ثلاث مرات حين علم بوضع صدام في السجن قبل إعدامه. 

وتحدث الدليمي أيضاً عمن كان يزور صدام في السجن، مُشيراً إلى أنه كان يرفض لقاء أسرته في المعتقل ليبقى محافظاً على رباطة جأشه.

عملية "غوغائية"

وكشف الدليمي أن الرئيس صدام رفض تناول المهدئات أو وضع كيس على رأسه لحظة تنفيذ حكم الإعدام بحقه شنقاً. وأشار إلى لحظات إدخال صدام حسين غرفة الإعدام، قائلاً: "أجهشت بصوت عالٍ جداً بالبكاء حين رمقني بنظرة أبوية وداعية"، مؤكداً أنه لم يكن متوتراً. وقال إن مريم الريس (مستشارة سابقة لرئاسة الحكومة العراقية) وموفق الربيعي (مستشار الأمن القومي سابقاً في العراق) هما من قاما بتصوير عملية الإعدام. مؤكداً أن عدد عُقد حبل المشنقة، كانت نفس عدد الصواريخ التي ضربها صدام على إسرائيل. أما عن التشكيك في موته شنقاً، فرأى الدليمي "أن عملية إعدامه كانت غوغائية بلا شك وتتجاوز الشنق". 

حضور إيراني

كذلك أوضح أن ضابطين من الاستخبارات الإيرانية حضرا عملية تنفيذ الإعدام، وكأنها رسالة بأن طهران هي من أعدمته، وفق تعبيره. أما عن اللحظات التي تلت الإعدام، فكشف أن جثمان صدام نقل إلى منزل نوري المالكي للتشفي منه في يوم زفاف ابنه. وأوضح أنه بعد دفن جثة الرئيس السابق، نقلت إلى مدفن آخر بسبب تسرب المياه إليه، نافياً أن يكون سبب النقل التنكيل بقبر صدام، لأنه كانت تتم حراسته من قبل أقاربه.

يذكر أن 20 عاماً مرت على إعلان الرئيس الأميركي جورج بوش في 20 مارس (آذار) 2003، غزو العراق، أو "عملية حرية العراق"، كما تسميها الولايات المتحدة بحجة وجود أسلحة دمار شامل لم يتم العثور عليها حتى الآن. وانتشر إثر تلك العملية نحو 150 ألف جندي أميركي، و40 ألف جندي بريطاني على الأراضي العراقية. وبعد ثلاثة أسابيع أي في التاسع من شهر أبريل (نيسان) من العام نفسه، أعلن سقوط النظام البعثي، فتوارى صدام عن الأنظار لمدة ثمانية أشهر، قبل أن تعثر عليه القوات الأميركية، ويحاكم ثم يعدم في نهار 30 ديسمبر 2006.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير