Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

عاصمة مصر الإدارية... خطوة بـ60 كيلومترا في الزمن

مدينة ذكية بالكامل تنتقل إليها الحكومة في غضون أيام وتعقد عليها الآمال لرقمنة الخدمات وإلغاء الروتين

تأمل الحكومة بألا يكون الانتقال إليها تغييراً في المكان فقط بل طفرة حقيقية في الأداء (أ ف ب)

ملخص

صور المقار الحكومية في العاصمة الإدارية الجديدة تظهر اختلافاً كبيراً عن المكاتب المغلقة التي اعتاد عليها المصريون في دواوين الحكومة، وتلك أبرز تحديات الانتقال.

أيام قليلة تفصل الحكومة المصرية عن الانتقال الكامل من مقارها التاريخية بقلب القاهرة إلى العاصمة الإدارية الجديدة، مع إعلان رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي أن من المقرر إنهاء عملية نقل جميع الوزارات والهيئات الحكومية قبل نهاية يونيو (حزيران) الجاري، في نبأ يهم نحو 50 ألف موظف في الهيئات والوزارات المختلفة سينتقلون إلى مقر العمل الجديد، وكذلك ملايين المصريين من المتعاملين يومياً مع دواوين الدولة.

وتحمل رحلة الانتقال إلى المقار الحكومية الجديدة التي تبعد 60 كيلومتراً شرق القاهرة وجهين، يتعلق أولهما بحلم تغيير صورة العمل الحكومي الذي يغلب عليه الروتين عبر استخدام التكنولوجيا لتسهيل الخدمات، والآخر هو العناء الذي سيقاسيه الموظف يومياً في الانتقال كل هذه المسافة من منزله وحتى العاصمة الجديدة.

فكرة العاصمة الجديدة أطلقها الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي خلال المؤتمر الاقتصادي في مارس (آذار) 2015، وحدد موقعها في منتصف المسافة بين القاهرة والسويس، لكنها تظل ضمن الحدود الإدارية لمحافظة القاهرة. وتبلغ مساحتها نحو 714 كيلومتراً مربعاً أو ما يعادل أربعة أضعاف مساحة العاصمة الأميركية واشنطن.

مشقة الانتقال

في مارس الماضي بدأت المؤسسات الحكومية في الانتقال إلى الحي الحكومي بالعاصمة الجديدة، وشملت تلك المرحلة 14 وزارة وجهة، وفي منتصف مايو (أيار) الماضي انتقلت 19 وزارة وجهة أخرى، على أن تكتمل ثالث وآخر المراحل قبل نهاية يونيو الجاري بانتقال باقي الوزارات والمؤسسات للعمل من مقارها الجديدة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

صور المقار الحكومية الجديدة في العاصمة تظهر اختلافاً كبيراً عن المكاتب المغلقة التي اعتاد عليها المصريون في دواوين الحكومة، تقول نسرين إبراهيم التي تشغل وظيفة قيادية بإحدى الوزارات، إن "المقر أصبح عبارة عن صالة مفتوحة ومقسمة إلى مكاتب متجاورة وفق الشكل الذي نراه في الشركات الخاصة"، موضحة أنها اعتادت طيلة سنوات عملها التي تجاوزت الـ30 حالياً أن تكون في مكتب مغلق مع عدد من الزملاء، وبعد ترقيها لوظيفة قيادية أصبح يجمعها مكتب مع اثنين من الزملاء.

في حديثها إلى "اندبندنت عربية" لم تخف الموظفة صاحبة الـ55 سنة أن بيئة العمل أصبحت أحدث وأنظف كثيراً من المقر القديم للوزارة، لكنها ركزت على مشقة الطريق الذي يستغرق ساعة ونصف الساعة في الأقل للوصول إلى مقر العمل، بعد أن كان منزلها يبعد عن المقر القديم نحو 20 دقيقة فقط.

وأوضحت أنها منذ الانتقال إلى العاصمة الجديدة تستيقظ في الخامسة والنصف صباحاً لتبدأ في السادسة والثلث رحلتها عبر أربع مواصلات حتى مقر إدارتها بالحي الحكومي.

قطار كهربائي

كانت الحكومة أقرت في أبريل (نيسان) الماضي صرف بدل انتقال للموظفين يبلغ 2000 جنيه (64.72 دولار)، ويرتفع إلى 2500 (نحو 81 دولاراً) لشاغلي درجة مدير عام فما فوقها. وحتى نهاية مايو (أيار) لم تكن الوزارة قد صرفت لنسرين وزملائها بدل الانتقال مما جعلهم يدفعون تلك الكلف مقدماً.

 

 

تعاقدت وزارة النقل مع تسع شركات قطاع خاص لتشغيل خطوط الانتقال إلى العاصمة الإدارية من خلال 48 مساراً لأتوبيس نقل جماعي يربط مناطق القاهرة الكبرى بالعاصمة الجديدة عبر 369 سيارة، كما تم تشغيل 24 مساراً داخل العاصمة لربط مناطقها بخطوط القطار الكهربائي والمونوريل، وفق بيانات سابقة للوزارة.

وتنص ضوابط صرف بدل الانتقال التي أعلنتها الحكومة قبل أسابيع على وقف الصرف للموظف الذي يتسلم الوحدة السكنية المخصصة له ضمن مشروع إسكان الموظفين، سواء في حي الموظفين بالعاصمة أو مدينة بدر القريبة منها.

الوحدات السكنية

أسست الحكومة مساكن للموظفين المنتقلين إلى العاصمة الإدارية في مدينة بدر على بعد 15 كيلومتراً من العاصمة، ويضم المشروع نحو 20 ألف وحدة سكنية ضمن مرحلتين، وقد تم الانتهاء من المرحلة الأولى وفق تصريحات صحافية لرئيس المدينة عمار مندور، الذي أضاف أن نسبة تنفيذ العمارات في المرحلة الثانية تخطت 88 في المئة، ومن المقرر بدء التسليم بنهاية يوليو (تموز) المقبل.

يصل سعر الوحدة السكنية إلى 450 ألف جنيه (14562 دولاراً) مع تسهيلات كبيرة في السداد، كما خصصت الدولة عدداً من الوحدات في الحي السكني الثالث بالعاصمة للموظفين المنتقلين، ويمتد المشروع على مساحة ألف فدان، ويضم نحو 20 ألف وحدة سكنية، إضافة إلى 328 فيللا و624 تاون هاوس.

على رغم إعلان وزارة الإسكان منذ مطلع العام الحالي الانتهاء من كثير من الوحدات السكنية وبدء تسليمها، فإن يحيى عبدالعليم، الموظف في إحدى الهيئات الحكومية، لم يتسلم الوحدة التي حرص على التقدم لامتلاكها باعتبارها "فرصة" بسبب التيسيرات الكبيرة في السداد عبر التقسيط على سبع سنوات، مما اضطره إلى قطع رحلة تستغرق أكثر من ساعتين من منزله في حي الهرم بمحافظة الجيزة إلى العاصمة الجديدة.

 

 

يوضح يحيى أن الوزارة ستوفر الأتوبيس الذي كانت تخصصه لنقل موظفيها من مناطق إقامتهم إلى المقر القديم ليتجه إلى العاصمة الجديدة طوال شهر يونيو فقط، كما وفرت عروضاً عبر شركات خاصة لنقلهم من مناطق القاهرة المختلفة إلى العاصمة الإدارية، ولكل مجموعة من الموظفين أن يختاروا العرض الأنسب لهم.

لكن يبدو أن تلك الحال ستتواصل، فالوحدة السكنية المخصصة ليحيى (48 سنة) ضمن المرحلة الثالثة في مدينة بدر لم يبدأ بناؤها، وقد كان من أوائل الموظفين الذين اختيروا لتلقي تدريبات خاصة على النظام الإلكتروني الذي أعد للحلول محل نظام العمل الورقي السائد في الحكومة.

يشير يحيى إلى أنه خلال الأيام الأولى لانتقاله إلى المقر الجديد في مطلع الشهر الجاري كانت النظم الإلكترونية غير مكتملة في بعض الإدارات، لكن يبدو أن الرغبة الحكومية في الانتقال الكامل تنفيذاً لتعليمات رئيس الوزراء دفعت جميع الهيئات إلى نقل أعمالها إلى العاصمة الإدارية مع استكمال أية نواقص تظهر في عملية التجهيز لاحقاً.

بحسب المتحدث باسم الحكومة المصرية السفير نادر سعد، فإن الموظف المتقدم للحصول على وحدة سكنية في مدينة بدر سيتم صرف بدل سكن له يبلغ أربعة آلاف جنيه (129.4 دولار) حتى تتم عملية تسلم الوحدة، مشيراً في تصريحات تلفزيونية إلى أن سعر الوحدة يقل كثيراً عن سعر السوق، ويسددها الموظف بالتقسيط شهرياً بقيمة تساوي بدل السكن، على أن تكون الوحدة السكنية كاملة التشطيب والمرافق.

وفي شأن معايير اختيار المستحقين للوحدات السكنية، قال رئيس الجهاز المركزي للتنظيم والإدارة صالح الشيخ في تصريحات تلفزيونية إنه تم الاعتماد على معايير، مثل عمر الموظف والبعد الجغرافي والحال الاجتماعية وطبيعة السكن الحالي.

تغيير الثقافة

مستشار رئيس الوزراء المصري للإصلاح الإداري سابقاً هاني محمود، وصف انتقال موظفي الجهاز الإداري للدولة بأنه تغيير لثقافة العمل الحكومي في مصر عن طريق عملية الرقمنة الإدارية. وقال لـ"اندبندنت عربية" إن جميع خطوات نقل الموظفين وإنشاءات مباني الوزارات وبدء عمل الحكومة من العاصمة جاءت وفقاً لتوجيهات الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، الذي تابع كل المراحل الانتقالية بنفسه.

وأضاف محمود، الذي شغل سابقاً منصب وزير التنمية الإدارية وكان عضواً في اللجنة الحكومية المشرفة على عملية نقل الحكومة إلى العاصمة الجديدة، أن "الرئيس السيسي قال لنا قبل بدء أولى مراحل نقل الموظفين إننا لا ننتقل من مقر لآخر لكننا نغير ثقافة العمل الحكومي، والحكمة ليست بتغيير الأماكن بل بصنع نموذج لعمل إداري مستحق للدولة المصرية".

 

 

وأشار إلى أن جميع الموظفين الذين وقع عليهم الاختيار للانتقال إلى العاصمة الجديدة وعددهم يقترب من 50 ألفاً خضعوا لاختبارات في اللغتين العربية والإنجليزية بجانب المهارات الشخصية، إذ تعاقدت الحكومة مع شركات تدريبية لتأهيل موظفيها قبل انتقالهم إلى المقار الجديدة، كما عملت وزارة الاتصالات على أرشفة جميع الأعمال الورقية للوزارات إلكترونياً بما يقرب من مليار مستند بدلاً من الأرشيف الورقي، بجانب شراء نظام إلكتروني عالمي لإدارة الموارد البشرية.

استثمار بشري

يشدد محمود على أن العاصمة الإدارية الجديدة هي مدينة ذكية بالكامل، وانتقال الحكومة إليها ليس تغييراً في المكان فقط، لكنها طفرة حقيقية في الأداء الحكومي سيشعر بها المواطن مستقبلاً، وهي بداية لتطبيق هذا النموذج على جميع هيئات الدولة، مشيراً إلى أنه كان هناك حرص على عدم اختيار الموظفين الذين تقترب أعمارهم من سن التقاعد (60 سنة) لضمان أن يكون الاستثمار في العنصر البشري مستداماً قدر الإمكان.

وأكد محمود أن الحكومة درست بشكل كبير كيفية التسهيل على موظفيها في الانتقال من وإلى العاصمة الإدارية، مشيراً إلى أن وزارة النقل وفرت شبكة مواصلات، بجانب إقامة حي حكومي في مدينة بدر بأسعار بسيطة وبالتقسيط على سبع سنوات وأقل من نصف سعرها السوقي، إضافة إلى أتوبيسات لنقل الموظفين وصرف بدل انتقالات لغير الراغبين منهم في تغيير محال إقامتهم.

وحول مقاومة الموظفين للتحديث، قال محمود إن الموظف عندما بدأ عمله في مكانه الجديد ورأى الفارق اختلف رأيه، مشيراً إلى أن اللجنة العليا المشرفة على عملية الانتقال تدرس كل خطوة لصنع بيئة عمل صحية.

وأضاف أن الموظف ارتفعت كفاءته بعد الدورات التدريبية الأخيرة، وأصبح مدركاً لتحسن أدائه وزيادة سعره السوقي مقارنة بالماضي، كما تم استثناء أي موظف يتعامل مع الجمهور من النقل في المرحلة الأولى، وسيبقى بمقر عمله القديم.

المزيد من متابعات