Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

نساء غزة انتظرن تغير عادات المجتمع لتعلم قيادة السيارات

نحو 19 في المئة من إجمالي المتقدمين للرخصة من السيدات

خلال السنوات الخمس الماضية تغيرت عادات مجتمع غزة وبات يتقبل قيادة المرأة للسيارة (اندبندنت عربية - مريم أبو دقة)

ملخص

تغير واضح في عادات مجتمع غزة وقد زادت ثقافة تقبل المرأة ورؤيتها تقوم بمهام كانت مخصصة للذكور فقط

"ماذا تريدين... تعلم القيادة؟ هل تعتقدين أنك رجل، الفتيات لا يقدن سيارات"، هكذا رد والد سمية على ابنته المدللة، عندما طلبت منه السماح لها بتعلم القيادة. فكرتها لاقت رفضاً تاماً خشية انتقاد الجيران، على رغم أنها أقرب أفراد أسرته إلى قلبه، فإنه رفض تحقيق حلمها تباعاً لعادات وتقاليد مجتمع غزة.

منذ صغرها تحب سمية (60 سنة) قيادة السيارات، تقول "دائماً ما كنت أحلم أني أقود مركبة بسرعة كبيرة تحت المطر، وأوقفها أمام بحر غزة، أشم الهواء الذي يلفحني من شدته"، لكن الحلم هذا بقي مجرد تخيل بالنسبة لها من الصعب تحقيقه في فترة شبابها.

 

متمردة

"حلم بسيط، لكن تحقيقه كان شبه مستحيل في محيط عائلتي" تضيف سمية التي حاولت إقناع الجميع، حتى لجأت إلى أخوالها ليتوسطوا لها عند والدها، لكن وقتها جاءها رد أقسى من موقف أبيها، تستذكر حديث خالها حينها "هذا مستحيل، تريدين الجلوس إلى جانب رجل يعلمك، الدنيا آخر زمن".

عندما كانت سمية في عمر العشرينيات، أخبرت عائلتها بشغفها في تعلم القيادة، لكن الجميع رفض فكرتها، وحينها تعرضت للنبذ ووصفت بالمتمردة على عادات المجتمع المحافظ، لكن على رغم ذلك، لم تتخل السيدة عن حلمها وظل حاضراً في قلبها وعقلها حتى حققته.

مرت سنوات كثيرة على تلك المواقف، وما إن بلغت السيدة الطموحة سن الـ50، حتى أعادت إحياء حلمها من جديد، وسجلت في مدرسة لتعليم قيادة السيارات، وبالفعل حصلت على رخصة قيادة.

تغير المجتمع

أن تتعلم النساء قيادة سيارة مع مدرب أو حتى مدربة وأن تقود مركبة في شوارع غزة العمومية، كان يعني انتهاكاً واضحاً لعادات المجتمع المحافظ وتقاليده، وبقي الأمر كذلك حتى قبل خمس سنوات، إذ بدأت أفكار الناس تتجدد، وأخذ سكان غزة في الانفتاح وتقبل أن يكون هناك دور للمرأة في جميع النواحي.

تؤكد سمية أن هناك تغيراً واضحاً في عادات مجتمع غزة، وبات الناس أكثر انفتاحاً وزادت ثقافة تقبل المرأة ورؤيتها تقوم بمهام كانت مخصصة للذكور فقط، وهذا ما ساعدها في الحصول على رخصة القيادة.

وبحسب الناشطة النسوية عندليب عدوان، فإن عوامل عدة أثرت على انفتاح المجتمع، ومنها حملات التوعية التي نفذتها المؤسسات الحقوقية، إضافة إلى دور الحكومة في وصول نساء إلى مراكز قيادية سياسياً واجتماعياً ووظيفياً.

صبرن سنوات

في عام 2002، كانت نسرين تجلس إلى جانب أخيها أثناء حفظه إشارات المرور تمهيداً لتعلمه القيادة، ما فتح عيونها إلى تعلم القيادة، لكن اعتبار المجتمع أن ذلك عيب دفعها إلى إخفاء رغبتها وعدم مصارحة أهلها بذلك.

نسرين (55 سنة)، حاولت أن تتعلم القيادة من أخيها، وكانت تطلب منه الجلوس إلى جانبه عند ركوبه سيارة والدها، ورد حينها قائلاً "ماذا سيقول الناس عنا... هذا مستحيل".

وبمرور الأعوام، تزوجت نسرين وربت أسرة، ولم تنس حبها للسيارات، وبعد أن بدأت ترى انفتاحاً وتقبلاً من المجتمع، قررت التقدم لأخذ رخصة القيادة، تضيف "بدأت بتعلم السواقة بعمر 52، في ليلة ما قلت لنفسي لمَ لا؟ لنتوجه نحو الحلم القديم، وفي الصباح سجلت لتلقي الدروس".

وفقاً لبيانات وزارة النقل والمواصلات، ففي عام 2018 حصلت 1317 طالبة على رخصة قيادة من بين 8714 متقدماً. وفي عام 2019 حصلت 1379 متقدمة على شهادة قيادة من أصل 8675 متقدماً، وانخفض العدد عام 2020 إذ حصلت عليها 1160 فتاة من بين 7580، أما عام 2021 فحصلت 2154 امرأة من بين 12730، والعام الماضي اجتازت 2240 سيدة من بين 13 ألف متقدم.

إلى جانب مدرب

داخل مدرسة لتعليم قيادة السيارات، كانت إلهام التي شارفت على الـ60، جالسة أمام المدرب الذي يشرح لها معنى إشارات المرور، ويحاول أن يفهمها ميكانيكا السيارات.

تضحك إلهام وتقول "سأتعلم القيادة بهذا العمر، لقد صبرت كثيراً حتى تغيرت نظرة المجتمع، وتحسنت ظروفي المادية، واليوم متحمسة لأركب خلف المقود وأدير العجلات، الحلم يتحقق".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

انتهت إلهام من درس الإشارات، وإلى جانب مدربها سارت نحو السيارة، بيدها فتحت الغطاء الأمامي وأخذت تتفحص ماء الردياتور قبل أن تنتقل إلى الجلوس خلف المقود. إلى جانب السيدة كان يجلس مدربها عماد، ويلقي عليها بالإرشادات، قبل أن تضغط على دواسة البنزين، تضيف "قبل 10 سنوات كان من العيب أن أجلس إلى جانب رجل غريب يعلمني القيادة، الانفتاح والثقافة أمران مهمان".

تزايد

 ومثل إلهام، تعلمت أنيسة (51 سنة) قيادة السيارات، لكنها فضلت أن تدربها مدربة، تؤكد أن المجتمع على رغم تطور عاداته، فإنه ما زال يتحفظ على أن تخالط المرأة رجلاً غريباً.

في زاوية أخرى داخل مدرسة تعليم قيادة المركبات، كانت تجلس راما (25 سنة)، وتقول ضاحكة "جيل اليوم لا يتحمل عادات المجتمع القديمة، لو كنت في زمنهم لمت من القهر بسبب نظرات الناس وتقاليدهم".

من جهته يقول نائب مدير التواصل مع الإعلام الدولي في وزارة النقل والمواصلات أنيس عرفات، إن التغير الملحوظ في ثقافة المجتمع تجاه المرأة وتحول دورها الوظيفي من ربة بيت إلى مشاركة في الحياة المجتمعية، شجع النساء على تعلم القيادة.

ويضيف عرفات "أعداد النساء اللاتي حصلن على رخصة قيادة في تزايد ملحوظ، إذ كانت النسبة عام 2013 تقدر بنحو 7.9 في المئة وباتت عام 2023 نحو 19 في المئة".

اقرأ المزيد

المزيد من منوعات