Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

حقيقة إصلاح مجلس الأمن

"لقد أحدثت الحرب الأوكرانية شقاً مميتاً في الدبلوماسية المتعددة التي خدمت البشرية خلال العقود الثمانية الماضية ولم يعد بمقدور العالم تجاهل ذلك"

تقترح أميركا في أفكارها المعروضة إضافة ستة مقاعد إلى العضوية الدائمة في مجلس الأمن لتصير 11 دولة عضواً دائماً (أ ف ب)

ملخص

إن تغيير الصيغة الحالية لعمل مجلس الأمن يتطلب تغييراً في الوضع الدولي الناشئ عن ظروف ما بعد الحرب العالمية الثانية

خلال عشرات السنين تواصل الحديث دون جدوى في الجمعية العامة للأمم المتحدة حول إصلاح وتوسيع مجلس الأمن. والإصلاح الذي كثر الحديث حوله لا يتصل بإصلاح آليات العمل لتحقيق نجاعة أكبر في أداء المجلس لمهمته المكلف إياها وفق ميثاق الأمم المتحدة، وهي صون السلم والأمن الدوليين، بل مدفوع بالتململ بين أوساط الدول الأعضاء، وعدم الاعتراف بأن الهيكل الحالي يعكس الحقائق الجيوسياسية للقرن الـ21، وبروز بعض الدول المطالبة بتعزيز وجودها في المجلس بما تعتقد أنه يتوافق مع نفوذها الدولي. وعاد الحديث أخيراً عن توسيع المجلس بدفع أميركي، فيما لا ترى دول أخرى أي جدوى له في ظروف تزايد الاستقطاب الدولي.

ومن أجل الفوز بمقعد تمييزي ضمن نادي الدول دائمة العضوية، تتحجج بعض الدول مثل ألمانيا واليابان بمساهماتها المالية الكبيرة، فيما تتحدث دول مثل البرازيل والهند وجنوب أفريقيا عن حقها في تمثيل دول الجنوب، وباعتبارها قوى إقليمية وازنة، حتى إن دولة مثل الهند تتحدث عن الوزن السكاني للانضمام لنادي الكبار في الأمم المتحدة.

وفكرة الإصلاح في مجلس الأمن التي نوقشت لسنوات طويلة في الجمعية العامة للأمم المتحدة، لا تقتصر على التوسعة العددية، بل تشمل معالجة قضية ممارسة الدول الخمس دائمة العضوية لحق النقض (الفيتو) وكيفية تقييده، والتمثيل الجغرافي للإصلاح، وحجم التوسعة المقترحة، وآليات العمل، والعلاقة بين مجلس الأمن والجمعية العامة، والتي كانت وما زالت علاقة إشكالية من حيث إن الجمعية العامة للدول الأعضاء هي الهيئة الرئيسة في الأمم المتحدة، ولكنها تحولت إلى جهاز شكلي وتنفيذي تابع لإرادة الدول الخمس دائمة العضوية كما هو حال التوظيف، والمناصب العليا المهمة، وكل شيء في مكاتب الأمم المتحدة حول العالم.

وفيما يتسابق الجميع في قضم نصيبه من كعكة الأمم المتحدة، يتجدد السؤال الكبير الذي يسمع صداه في أورقه المبنى، حول جدوى بقاء الأمم المتحدة، وهل حققت هذه المنظمة التي قد تتجاوز ميزانيتها، وموارد برامجها وصناديقها الخاصة الـ50 مليار دولار، ما وعدت به يوماً، وهنا أقصد الوعود في كل الملفات وليس في ملف السلم والأمن الدوليين فحسب، فهناك التنمية، ومكافحة الفقر، والإغاثة الإنسانية التي أهدرت تريليونات الدولارات حتى اليوم لمعالجتها، وما زادت العالم إلا فقراً، وتصاعداً للأزمات، بينما مئات الآلاف من الموظفين الدوليين يعيشون حياة مرفهة في أفقر دول العالم لرفع تقاريرهم حول الحالة المأسوية لعالم اليوم، طلباً لمزيد من الموارد.

وهنا إني أختلف مع المندوب الدائم لكينيا لدى الأمم المتحدة، السفير مارتن كيماني، الذي قال في كلمة العام الماضي أمام مجلس الأمن في معرض تناوله أخطار شبح الغزو الروسي لأوكرانيا، "إن الدبلوماسية متعددة الأطراف ترقد على فراش الموت هذه الليلة"، وهو يدرك أن الأمم المتحدة لم تكن يوماً متحدة، كما يدرك أنها قد ماتت منذ حين، ولم تجد من النافذين إلا إصراراً على عدم دفنها، وتركت تتعفن على ضفاف النهر الشرقي في مانهاتن.

واشنطن تجدد المساعي

وكان الرئيس بايدن قد أعاد إثارة الموضوع خلال كلمته في الجمعية العامة للأمم المتحدة العام الماضي، لاعتقاده أن توسيع مجلس الأمن سيعيد بعض الثقة المفقودة للمجلس والمنظمة الدولية، ضمن محاولة للإقرار بفسيفساء خريطة العالم المتغيرة اليوم. وبعد بيان الرئيس بايدن تحركت مندوبة أميركا لدى المنظمة الدولية السفيرة غرينفيلد لإجراء مشاورات مع كثير من الدول الأعضاء الـ193 لالتماس رأيها حول التوسعة المفترضة لمجلس الأمن، والمتوقع جاهزيتها في دورة الجمعية العامة لهذا العام، في الجزء رفيع المستوى الذي يحضره رؤساء الدول في شهر سبتمبر (أيلول) للتصوير المراسيمي.

وتقترح أميركا في أفكارها المعروضة إضافة ستة مقاعد إلى العضوية الدائمة في المجلس لتصير 11 دولة عضواً دائماً، ولكن دون منح الأعضاء الجدد حق النقض (الفيتو)، كما اقترحت أميركا على الدول دائمة العضوية تقييد استخدامها لحق النقض على "الحالات الاستثنائية النادرة"، ولم تحدد المقترحات الأميركية ماهية الطبيعة الاستثنائية ولا النادرة، ولكن حقيقة عودة الاهتمام الأميركي مرده إلى الغزو الروسي لأوكرانيا وفشل مجلس الأمن بالقيام بمهامه لصون الأمن والسلم الدوليين، وعدم قدرته على وقف الحرب الروسية على أوكرانيا، بفعل ممارسة روسيا حق النقض، وبموازاة ذلك يرى آخرون أن الأمر ينطبق على استمرار أميركا بممارسة هذا الحق لتعطيل القرارات الدولية، وردع العدوان الإسرائيلي المتواصل ضد الفلسطينيين.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وعلى رغم تغير المشهد الدولي كثيراً منذ عام 1945 حينما تم تأسيس سابقة الانفراد بحق النقض لكل من الولايات المتحدة، وفرنسا، وبريطانيا، والصين، والاتحاد السوفياتي، فإن الدول الخمس ما زالت تتشبث بهذا الحق الذي منحته لنفسها على رغم تغير الظروف الدولية، فلا أحد يقبل بالتخلي عن نفوذ اكتسبه إلا بالقوة. واليوم تواجه الأفكار التي تطرحها الولايات المتحدة لتوسعة المجلس صعوبة في تحقيق إجماع داخل الأمم المتحدة في ظل عالم متغير. ومع هذا تعتقد أميركا أن بقاء الأمم المتحدة على رغم عجزها هو أفضل من تفكيكها بعد موتها، لأن انهيار المنظمة الدولية، بالتالي غياب الدبلوماسية متعددة الأطراف، سيفسح المجال لعالم أكثر تشظياً، وأكثر إقليمية، وأكثر عنفاً في صراعاته.

ومنذ وقت مبكر جمعت ألمانيا التي كانت الخاسر الأكبر في الحرب العالمية الثانية، حولها كلاً من الهند، والبرازيل، واليابان وشكلت المجموعة الرباعية، للمطالبة بالحصول على مقاعد دائمة في المجلس، باعتبار أنها دول ذات قوة اقتصادية كبيرة، ويجب أن يكون لها رأي أكبر في صنع القرار العالمي، ولتأثيرها الاقتصادي، وقدرتها لتوفير التمثيل الإقليمي، ومع ذلك أثير كثير من المخاوف في الأمم المتحدة في شأن الهيمنة المحتملة لهذه البلدان، ولتقديمها لمصالحها الوطنية على المصالح الجماعية، فترشيح الهند مرفوض من قبل باكستان ودول أخرى، ولا تحظى جنوب أفريقيا، ولا البرازيل بالدعم نفسه في مجموعتيهما الإقليميتين، أما ألمانيا فهي في نظر كثيرين زيادة غير عادلة لحصة أوروبا في المجلس، وهي واليابان باتتا في قائمة محظورات روسيا، والصين أيضاً.

وكانت الدول الأفريقية قد وضعت ضمن المبادئ التأسيسية لمنظمة الوحدة الأفريقية في عام 1963، مطلب التمثيل العادل لأفريقيا في مجلس الأمن، وطالبت لاحقاً بمقعدين دائمين، وخمسة مقاعد غير دائمة، من زاوية أن أفريقيا غير ممثلة بما يليق بحجمها، ونفوذها المتزايد، وصراعاتها المتعددة. فمنذ وقت مبكر اصطفت نيجيريا مع المجموعة الرباعية، فيما بقيت السنغال والجزائر متمسكتين بـ"تفاهمات ايزولويني" التي تم التوصل إليها في عام 2005، بتحديد الحق ومن دون تسمية المرشحين. وفي الواقع ما زال المقترح الأفريقي يحدث تباينات بين الدول الأفريقية حول من هو الأجدر بالمقعد، فجنوب أفريقيا تعتقد أنها ضمنت مقعدها، فيما تطالب نيجيريا ومصر بالمقعد.

ويتشتت الموقف العربي بين المجموعتين الآسيوية، والأفريقية، فلا وجود لتصنيف عربي ضمن المجموعات الإقليمية في الأمم المتحدة، وموقف العرب الموحد من هذه القضية يطالب بمقعد للعرب ضمن العضوية الدائمة في مجلس الأمن، وتمثيل عربي متناسب في العضوية غير الدائمة، ولكن هذا الموقف العربي لا يسمي المرشح العربي، سواء من المشرق العربي أو مغربه، أو هل تكون مصر أو السعودية في المقعد الدائم مثلاً؟

هل يمكن إصلاح ما أفسدته الحرب؟

الموقف ضمن ما يسمى في مجلس الأمن مجموعة الثلاث دائمي العضوية (أميركا، وبريطانيا، وفرنسا) كان ولا يزال داعماً لمجموعة الدول المذكورة، وهذا الدعم يأتي ضمن مساعي هذه الدول لتقوية تحالفاتها الدولية ضد الحرب الروسية، ولكن الحقيقة التي تدركها واشنطن، وباريس، ولندن تماماً هي أن علاقاتها مع مجموعة الدول التي يتفق على تسميتها الدول ذات التحالفات المتأرجحة، لا يمكن أن يخدم وحدة الأداء ورفع فاعليته في مجلس الأمن، بل ربما سيزيد من تعقيده، لأن هذه الدول باستثناء ألمانيا، واليابان، تحتفظ بالقدر نفسه، بعلاقات مميزة مع روسيا، وليست معنية بالعقوبات الأميركية والأوروبية المفروضة على موسكو.

لقد أحدثت الحرب الأوكرانية شقاً مميتاً في الدبلوماسية المتعددة التي خدمت البشرية خلال العقود الثمانية الماضية، ولم يعد بمقدور العالم تجاهل ذلك، ولا ينفع معه الترقيع. ومع اتساع الخرق على الراتق، يبقى أمام مجلس الأمن خيار وحيد على رغم مرارته، وهو الحفاظ على الهياكل الحالية، لأن أي تغيير سيخل بالتوازن الدقيق للقوى، بالتالي بعملية صنع القرار داخل مجلس الأمن المترنح الذي يواجه عالماً يزداد تشظياً وشللاً وإخفاقاً. إن تغيير الصيغة الحالية لعمل مجلس الأمن يتطلب تغييراً في الوضع الدولي الناشئ عن ظروف ما بعد الحرب العالمية الثانية. وبانتظار متغيرات المرحلة الانتقالية التي تمر بها البشرية وما يتمخض عنها من بروز لأقطاب دولية جديدة سيكون لكل حادث حديث.

اقرأ المزيد

المزيد من آراء