ملخص
الواقع أن حرب أوكرانيا بدأت تحدث متغيرات جذرية في كل مكان: أوكرانيا وروسيا وأوروبا وأميركا والصين، فكيف تبدو نهايتها؟
لا شيء يوحي بأن الهجوم المضاد الأوكراني سيضع حرب أوكرانيا في مرحلة النهاية. ولا أحد يجهل أن "تجميد الصراع" الذي تريده موسكو من خلال وقف النار هو في نظر كييف والغرب تسليم بالاحتلال، ويمثل "حرباً مستقبلية" كما يرى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون. فالجنرال مارك ميلي رئيس الأركان المشتركة في أميركا يقول وسط كل ما تقدمه واشنطن وعواصم الغرب لأوكرانيا، "إن روسيا لن تربح الحرب، وأوكرانيا لا تستطيع إخراج روسيا من كل أراضيها". ومالك مرتزقة "فاغنر" يفغيني بريغوجين يطالب بمحاكمة وزير الدفاع الجنرال شويغو ورئيس الأركان الجنرال غيراسيموف بسبب الفشل في حسم الحرب، ويحذر من ثورة في روسيا على طريقة الثورة البلشفية عام 1917.
لكن الواقع أن حرب أوكرانيا بدأت تحدث متغيرات جذرية في كل مكان: أوكرانيا وروسيا وأوروبا وأميركا والصين.
فروسيا التي كانت إمبراطورية قبل الرئيس فلاديمير بوتين وبدت في بدايات رئاسته كأنها عادت دولة تعمل من جديد لأن تكون إمبراطورية أو "قوة أوراسية عظمى" عبر اتحاد روسيا والجمهوريات السوفياتية السابقة بما فيها أوكرانيا. أما العقيدة المقترحة لها فإنها "العقيدة السياسية الرابعة" التي يعتبرها المنظر ألكسندر دوغين البديل عن ثالوث "الليبرالية والاشتراكية والفاشية".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأوروبا التي سقطت إمبراطورياتها وصارت دولاً تحولها حرب أوكرانيا إلى "إمبراطورية ما بعد الإمبراطورية" كما كتب في "فورين أفيرز" أستاذ الدراسات الأوروبية في جامعة "هارفرد"، المؤرخ تيموتي آش غارتون، ولكن كيف؟
أوروبا في رأي غارتون في حاجة إلى خلق "إمبراطورية ليبرالية للوقوف ضد أنواع جديدة من الإمبراطوريات"، وأن تكون "قوية بما يكفي للدفاع عن مصالحها وقيمها". فهل هناك شيء اسمه إمبراطورية ليبرالية؟
الواقع أن الإمبراطوريات المؤلفة من قوميات وإثنيات متعددة محكومة عادة من قومية واحدة وحتى من أسرة واحدة ضمن القومية الواحدة. وهكذا كانت الإمبراطورية القيصرية ثم السوفياتية والإمبراطوريات النمسوية - المجرية والجرمانية المقدسة والبريطانية والفرنسية والهولندية والإسبانية والبرتغالية والألمانية، وهي تدار بالقوة والتمييز.
أما أميركا فإنها "إمبراطورية بالدعوة" من خلال "الناتو" كما يقول المؤرخ غير لوفدستاد، وأما الإمبراطورية الأوروبية الجديدة بعد الإمبراطوريات فإنها "ليبرالية تضم مجموعة مختلفة من الدول والإثنيات تدار بالقانون لا بالقوة".
لكن المسألة ليست بلا تعقيد أو صعوبة مع أن "الحرب أب كل الأشياء"، بحسب هيراقليطس. فالإمبرياليات الأوروبية القديمة التي انتهت لم تمت في عقول الناس وتصرفاتها. وشرق أوروبا لا يزال أسير النظرة الإمبريالية إليه في بريطانيا وفرنسا وألمانيا. ومدارس الصين لا تزال تعلم طلابها تاريخ "الإذلال الغربي" لها على أيدي الإمبرياليين الأوروبيين، فضلاً عن أن الطموحات الإمبراطورية ليست مقتصرة على الدول الأوروبية التي لها تاريخ إمبريالي، بل هي تعاود الظهور في الشرق الأوسط والشرق الأقصى.
فتركيا التي فصلها أتاتورك عن الشرق لتلتحق بالغرب تعود إلى أحلام السلطنة العثمانية على يد الرئيس رجب طيب أردوغان وحزب "العدالة والتنمية"، حيث التدخل العسكري في كل من سوريا والعراق وليبيا والقوقاز.
وإيران الشاهنشاهية التي أسقطها الإمام الخميني توظف الأيديولوجيا الدينية في خدمة مشروع إمبراطوري جديد يبدأ من العراق واليمن ولا ينتهي في سوريا ولبنان.
والصين توظف الأيديولوجيا الماركسية في خدمة طموح إمبريالي جديد، لا بالقوة العسكرية وسطوة القومية بل بالعلاقات الاقتصادية والتجارية والثقافية ورمزها مشروع "الحزام والطريق". وأميركا الخائفة من ذلك تمارس مع الصين وروسيا لعبة الحرب الإمبريالية.
حرب أوكرانيا ليست حرباً واحدة، وتحولاتها تقود إلى نوعين من الإمبريالية: واحد ليبرالي وآخر تسلطي، والعالم يدور داخل حضارات دائرية.