ملخص
يأمل ترمب في أن يتمكن من الخروج من المأزق الراهن من خلال التهويل والترهيب، تماماً كما استخدم نفوذه السياسي ومنصبه السابق، لتجاهل محاولات آنفة للتحقق من سلوكه
إذا قمتم بالاستماع لدونالد ترمب وهو يصف وضعه الراهن كرئيس سابق متهم مرتين، ويواجه تهماً جنائية من سلطتين قضائيتين منفصلتين، فستسمعون بالتأكيد صيحات إنكاره المعهودة، وادعاءاته بتعرضه لعملية "مطاردة الساحرات" [اضطهاد سياسي].
فلطالما دأب ترمب منذ فترة طويلة على وصف أي محاولة لمحاسبته على أي شيء، بعبارات مماثلة، سواء كان ذلك بقبول ضمني من حملته لتدخل روسيا في انتخابات عام 2016، أو جهوده للضغط على زعيم أجنبي للتحقيق في ملف خصمه المحتمل في انتخابات عام 2020 [مارس ترمب ضغوطاً على الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي لفتح تحقيق في تهم فساد ضد ابن جو بايدن]، أو محاولاته البقاء في منصبه ضد إرادة الناخبين الأميركيين.
وقد نجح السيد ترمب حتى الآن في التهرب من العواقب السلبية التي كان يأمل معارضوه بأن تلاحقه، وذلك بفضل الامتيازات التي يحظى بها من خلال منصبه السابق رئيساً للولايات المتحدة، إضافةً إلى دعم مؤيديه له في الكونغرس وعلى وسائل الإعلام التلفزيونية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
فقد أخفقت محاولتان من إجراءات العزل - إحداهما بعد أعمال شغب دامية تمثلت في هجوم على مبنى الكابيتول للمرة الأولى، منذ أن أحرقته القوات البريطانية عام 1814 - في الحصول على ثلثي أصوات مجلس الشيوخ المطلوبة لإقالته من منصبه، أو منعه من العودة إلى السلطة.
في المقابل، لقي تحقيق جنائي دام 18 شهراً في أحداث عام 2016 تعثراً عندما واجهت وزارة العدل الأميركية حظراً دام عقوداً ضد محاكمة الرؤساء الموجودين في السلطة. وعلاوةً على ذلك، فإن رفض بعض المؤيدين المتعصبين لترمب وشديدي الولاء له إلى حد الجشع، التفكير في إمكان ارتكابه أي خطأ على الإطلاق، أسهم في إبقائه على رأس أجندة "الحزب الجمهوري" السياسية، وفي بقائه المرشح الأوفر حظاً لحمل راية الحزب في الانتخابات الرئاسية المقبلة.
مع ذلك، وعلى رغم استمرار السيد ترمب في أداء دور الضحية واتهام وزارة العدل بتنفيذ مهمة سياسية نيابةً عن الشخص الذي هزمه قبل نحو ثلاث سنوات، يبقى الواقع أن احتمالات بقاء الرئيس السابق شخصاً حراً ضئيلة للغاية، ما لم يقدم على عقد صفقة مع النيابة العامة.
كان مثوله الأخير أمام المحكمة في فلوريدا مساء الثلاثاء، هو المرة الأولى يواجه فيها رئيس سابق محاكمة فيدرالية. وقد قدم دفوعه بأنه غير مذنب في 37 تهمة تتعلق بسوء التعامل مع معلومات سرية. ونشأت هذه التهم بعد اكتشاف مجموعة من الوثائق، بما فيها بعض المستندات التي عثر عليها في حمام منزله في منتجع مارالاغو في فلوريدا.
أشار ترمب إلى أن دفاعه سيعتمد على حكم محكمة غامض يعود إلى عقد من الزمن، مؤكداً أنه يمتلك سلطةً واسعةً لتحويل أي وثيقة رسمية حصل عليها أثناء أدائه مهام منصبه الرئاسي، إلى ممتلكاته الشخصية.
كما كثف محاولاته للتأثير على مجموعة محلفين محتملة في ولايته المفضلة، من خلال شن هجمات شخصية على المدعي العام المسؤول عن توجيه التهم إليه، والمدعي الخاص جاك سميث، وحتى استهداف زوجة السيد سميث، وهي مخرجة أفلام وثائقية تتضمن سيرتها المهنية إخراج فيلم عن السيدة الأولى السابقة ميشيل أوباما. وعلى رغم عدم وجود أي دليل إثبات، اتهم ترمب مراراً عدة السيد سميث بالعمل بتأثير من البيت الأبيض.
وعلى رغم كل ما يحاول ترمب القيام به، تبرز مشكلة واحدة فقط، وهي أن أياً منها لن تكون لها أهمية عندما يقدم المدعون أدلةً ضده في المحاكمة.
فقبل نحو 10 أشهر، وعلى أثر تفتيش "مكتب التحقيقات الفيدرالي" ممتلكات الرئيس السابق بتفويض من المحكمة، تحدثت مع شخص كنت أعرفه منذ الجامعة، وقد عمل ضابطاً بحرياً في خدمة سلاح الغواصات الأميركي.
عندما سألته عن تقارير تفيد بأن بعض الوثائق التي وجدت ضمن ممتلكات السيد ترمب، تضمنت سجلات تحتوي على بيانات عن القدرات النووية - سواء الأميركية أو تلك المتعلقة ببعض الدول الأخرى - كان رده في ذلك الوقت بسيطاً. أخبرني بأن الرئيس الـ 45 للولايات المتحدة "سيدخل السجن" بلا أدنى شك. ووصف القانون الذي ينظم مثل هذه المعلومات الحساسة المرتبطة بالدفاع الوطني، بأنه من حيث المفعول، هو أشبه بالحظر على حيازة مواد إباحية تتعلق بالأطفال. وأضاف "إذا كانت تلك الوثائق في حوزته أو في ممتلكاته، فسيدخل السجن".
بعد مرور نحو عام، تمكنا من معرفة المزيد عن أفعال دونالد ترمب خلال فترة الثمانية عشر شهراً تقريباً، عندما حاولت الحكومة التي كان يقودها في وقت سابق، بشدة، استعادة تلك الوثائق منه.
لم يكتفِ بامتلاكه الوثائق داخل منزله فحسب، بل إذا ما كنا لنصدق المدعين العامين، فقد بذل ترمب جهوداً قوية لمنع الحكومة حتى من معرفة وجود عدد من الوثائق الأكثر حساسيةً في حوزته.
وبحسب لائحة الاتهام ضده، فقد أمر مساعده الشخصي السابق الذي أصبح شريكه في صفة المدعي عليه، وهو ضابط كبير سابق في البحرية يدعى والت ناوتا، بنقل الصناديق من غرفة التخزين حيث أبلغ محاميه أنه يمكن العثور على الوثائق أثناء سعيهم للامتثال لأمر استدعاء أمام هيئة محلفين كبرى، ومواقع أخرى في ممتلكاته في فلوريدا حيث لم يكن من المحتمل أن يبحث محاموه.
لذا لم يكتفِ بتمسكه بوثائق حساسة لفترة طويلة بعدما سمح له بالحصول عليها، لا بل رفض إعادتها عندما طلب منه ذلك، وزعم أنه ضلل محاميه في شأن الأمر برمته، وجعل آخرين يكذبون على الحكومة لحمايته.
في المقابل، يأمل السيد ترمب في أن يتمكن من الخروج من المأزق الراهن من خلال التهويل والترهيب، تماماً كما استخدم نفوذه السياسي ومنصبه السابق، لتجاهل محاولات آنفة للتحقق من سلوكه.
إنه يريد إقناعكم بأن نظريته القانونية الغامضة - التي اقترحها في ما يبدو متحدث غير قانوني باسم مجموعة رقابية يمينية - ستكون بمثابة الحل المعجزة لتجنب السجن. ويريدكم أن تصدقوا أنه ضحية اضطهاد بأوامر من الرئيس الأميركي الراهن بايدن.
لكن هذه المرة، لن تعمل أي من هذه التكتيكات لمصلحته، لأنه من جهة لم يعد رئيساً للبلاد، ومن جهة ثانية كانت في حوزته وثائق عندما لم يكن من المفترض أن تكون في جعبته. إن مشكلة ترمب تتمثل في أنه من العناد بمكان، بحيث لا يعرف متى أصبح مهزوماً.
© The Independent