ملخص
أسباب عدة تدفع شباناً عرباً أو حتى مسنين لركوب قوارب الموت من أجل الوصول إلى أوروبا
منذ سنوات شهد البحر الأبيض المتوسط محاولات من عشرات الآلاف من جنسيات مختلفة سواء سورية أم عراقية أم لبنانية أم ليبية أم سودانية أم غيرها للعبور نحو أوروبا، في إطار حركة لجوء وهجرة جماعية مدفوعة بالاضطرابات التي عرفتها دول هؤلاء سواء بسبب انتفاضات ما يسمى بالربيع العربي أو حتى قبلها.
في الواقع لا توجد أرقام محددة حول أعداد هؤلاء اللاجئين الذين عانوا الويلات في طريق العبور نحو أوروبا، وكثير منهم لقي حتفه في عرض البحر، لكن أوساطاً حقوقية تقدرهم بعشرات آلاف، بخاصة أن هذه الحركة لم تتوقف.
وشهدت دول المنطقة أحداثاً كبرى بينها حروب أهلية أو ثنائية مع دول أخرى قادت إلى حركة اللجوء هذه، من بينها ما شهده العراق منذ السبعينيات من موجات للجوء سواء خلال جولات الصراع مع إيران، أو الغزو الأميركي والإطاحة بنظام الرئيس صدام حسين، أو العمليات ضد تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) أو غيرهم.
مقبرة للاجئين والمهاجرين
وشهد لبنان عديداً من الأحداث الدامية، أبرزها الحرب الأهلية من عام 1975 حتى 1990، واجتياح إسرائيل لجنوب البلاد قبل أن ينسحب منه عام 2000، وغيرهما من الأزمات التي قادت إلى لجوء آلاف من اللبنانيين إلى أوروبا، فيما شهد السودان عديداً من الأزمات، مما ألقى بآلاف في عرض البحر في مسعى إلى تحصيل طوق نجاة من الأزمات.
في سياق متصل شهدت سوريا حرباً أهلية منذ 2011 بسبب انتفاضة شعبية على حكم بشار الأسد، فيما شهدت ليبيا هي الأخرى موجات لجوء بسبب الحرب الأهلية التي قادت إلى سقوط العقيد معمر القذافي، وما تلاه من تحول البلاد إلى وجهة للمهاجرين واللاجئين من دول أفريقيا جنوب الصحراء الذين يقدر عددهم بمئات آلاف الذين يطمحون إلى العبور نحو الضفة الأخرى من المتوسط.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
يقول مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان رامي عبدالرحمن، إن "ما حصل ويحصل في المتوسط هو كارثة حقيقية، إذ تحول البحر بالفعل إلى مقبرة للاجئين والمهاجرين سواء من البلدان العربية أم الأجنبية أفريقية أو غيرها".
ويتابع في تصريح خاص لـ"اندبندنت عربية"، "بالنسبة إلى السوريين الأمر بدأ منذ الإعلان الكردي الذي يعود لسنوات خلت، وحتى قبله كان هناك لاجئون ومهاجرون سوريون يبحثون عن ملاذ آمن يلقون بأنفسهم في البحر وينتهي بهم المطاف غرقى هناك، لكن خلال السنوات الماضية المعضلة تصاعدت حتى أنه لم يعد بالإمكان إحصاء الضحايا، لا المرصد ولا غيره من مؤسسات الهجرة واللجوء اليوم يملك إحصاءات دقيقة حول عدد ضحايا موجة الهجرة واللجوء".
وشدد على أنه "نحن نرى الناس وهم يموتون في البحر ولا نرى الناس كيف تركب البحر أولاً، يبيعون ما يملكون في سبيل صعود مركب للبحث عن ملاذ آمن أو وضع اقتصادي أفضل في أوروبا، الوضع كارثي سواء بالنسبة إلى السوريين أو غيرهم أيضاً في ليبيا".
الاضطرابات والحروب
أسباب عدة تدفع شباناً عرباً أو حتى مسنين لركوب قوارب الموت من أجل الوصول إلى أوروبا على غرار أنها تمثل لهم أملاً في مستقبل مشرق حيث تتوفر وظائف وغير ذلك، لكن السبب الأهم وفقاً لمراقبين وأوساط حقوقية يبقى الاضطرابات التي شهدتها دول المنطقة التي أضحت بؤراً للصراعات في السنوات الماضية.
وعرف عديد من الدول العربية على غرار اليمن وسوريا وليبيا انتفاضات في عام 2011 في سياق الربيع العربي، وهي انتفاضات تطورت إلى حروب أهلية في هذه الدول، وهو ما أعاد موجات لجوء آلاف من العرب إلى الواجهة، وهو كذلك خلق أزمة لدى هؤلاء والأوروبيين على حد السواء الذين لم يخفوا انزعاجهم بسبب هذه الموجات.
واعتبر رئيس اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان في ليبيا أحمد حمزة أن "انعدام الأمن والاضطرابات يعدان المحرك الرئيس لموجات اللجوء في الدول العربية، والمشكلة أن الفوضى الأمنية لا تقتصر على هذه الدول بل حتى بعض الدول الأفريقية التي أصبحت ليبيا على سبيل المثال ملاذهم كنقطة عبور نحو أوروبا وهو ما حول المتوسط بالفعل إلى مقبرة حقيقية للاجئين".
وأوضح حمزة في تصريح خاص أن "ما تعرضت له ليبيا من انعدام الأمن والاستقرار وانتشار السلاح والفوضى الأمنية وهشاشة الجهود في مكافحة الاتجار بالبشر وغيره أدى إلى تضاعف وتفاقم الهجرة واللجوء نحو إيطاليا وأوروبا، وذلك نتيجة غياب استراتيجية وطنية لمكافحة نشاط عصابات الاتجار بالبشر وغير ذلك".
وشدد على أنه "يجب تأمين الحدود ومراجعة الاتفاقات المشتركة حول الهجرة لوقف النزف في السواحل الليبية، هناك جهود لكن بعض النقائص على غرار غياب التنسيق وانعدام الأمن تؤدي إلى غياب حلول حالياً لمعضلة اللجوء والهجرة حيث يوجد عشرات آلاف من المهاجرين الآن ومنهم آلاف ممن لقوا حتفهم في عرض البحر منذ عام 2011".
وبين أنه "يوجد الآن ما لا يقل عن 700 ألف مهاجر ولاجئ في ليبيا يسعون إلى العبور نحو أوروبا، هؤلاء تدفقوا عبر الحدود الجنوبية لليبيا غير المؤمنة، وذلك بسبب الاضطرابات التي تعانيها دولهم، وليبيا نقطة عبور نحو أوروبا بالنسبة إليهم باعتبارها الحلقة الأضعف في شمال أفريقيا لغياب الأمن والاستقرار''.