ملخص
المسألة برمتها محكومة بفكرة مفادها بأن زيادة العدائية والقسوة في المواقف حيال الهاربين من الحرب والاضطهاد ستكبح مساعيهم لإيجاد ملاذ آمن في بريطانيا
خلال هذا الأسبوع، عدنا لنسمع أخباراً مريعة عن أشخاص قضوا في عرض البحر، بينما كانوا يبحثون عن ملاذ آمن يلجأون إليه. الحصيلة المؤكدة للقتلى قبالة سواحل اليونان مأساوية وهي مرشحة حتماً للارتفاع.
جميعنا يتمنى التوصل إلى حلول إنسانية، تضمن عدم اضطرار الأفراد اليائسين إلى خوض رحلات خطرة كهذه ليحظوا بالحماية التي ينشدونها. لكن هذه الفاجعة حلت بالتزامن مع مناقشة "مشروع قانون الهجرة غير الشرعية" في مجلس اللوردات الذي سيفشل في الحد من كوارث الموت [غرقاً] التي غالباً ما تحصل في عرض القنال الإنجليزي.
سبق أن توقعت، شأني شأن كثيرين في مجلس اللوردات أياً كانت توجهاتهم، أن يتسبب مشروع القانون المذكور في منع أي كان من تقديم طلب لجوء في المملكة المتحدة، ما لم يلجأ إلى الطرق القانونية المزعومة لدخول البلاد. وبالتالي، سيكون اللجوء ممنوعاً على أطفال آتين من السودان، وعلى أشخاص تعاونوا مع طاقم العمل البريطاني في أفغانستان، وعلى أشخاص منكوبين جراء الحرب في سوريا. ويعود السبب إلى أن المقيمين في هذه البلدان وفي بلدان أخرى لا يجدون أمامهم إلا قلة قليلة من الطرق الآمنة لبلوغ شواطئنا. وباستثناء اللاجئين الوافدين من أوكرانيا وهونغ كونغ، تكاد تكون جميع الطرق القديمة للوصول إلينا مسدودة، علماً أن مشروع القانون لم ينص على أي خطوة للتطرق إلى هذه المسألة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
في المقابل، نرى إجراءات تستهدف الضحاياً بدلاً من أن تساعدهم. والمسألة برمتها محكومة بفكرة مفادها بأن زيادة العدائية والقسوة في المواقف حيال الهاربين من الحرب والاضطهاد ستكبح مساعيهم لإيجاد ملاذ آمن في بريطانيا. وبالنظر إلى قائمة السياسات المجحفة والطويلة بحق اللاجئين، يعكس "مشروع قانون الهجرة غير الشرعية" مستويات جديدة من الانحطاط، و"ربما يكون بمثابة حظر للحق في اللجوء"، وفق ما أكدت مفوضية شؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة.
عائلتي كانت طلبت اللجوء إلى المملكة المتحدة في أعقاب الثورة الإيرانية، عندما تعرضت الجالية الأنغليكانية الصغيرة [في البلاد] للهجوم. وآنذاك، نجا والدي الذي كان أسقفاً في إيران من محاولة قتل. أما شقيقي، فاغتيل وعمره 24 سنة. وببساطة، يشير واقع الحال إلى أن الهاربين من الحرب والمجاعة والاضطهاد يجدون أنفسهم مضطرين إلى إيجاد ملاذ آمن بأي طريقة ممكنة. واليوم، وبعد مرور 43 عاماً، أراني أتساءل إن كنا سننجح اليوم في إيجاد الأمان والترحيب اللذين حظينا بهما حينها واللذين سمحا لنا بإعادة بناء حياتنا.
في حال إنفاذ "قانون الهجرة غير الشرعية"، سيكون السجن مصير طالبي اللجوء الهاربين من ويلات مريعة يصعب تصورها الذين لم يتسنَ لهم الوصول إلى المملكة المتحدة إلا على متن قوارب صغيرة، بينما تسعى الحكومة إلى استبعادهم في المقابل، من دون أن تنظر حتى في طلبات اللجوء التي قدموها.
ويعني ذلك أيضاً أن دولتنا ربما تحتجز نحو 45 ألف طفل في الأعوام الثلاثة التالية لإنفاذ القانون، فينطبق السجن الجماعي على الأطفال بغض النظر عما إذا كانوا مع عائلاتهم أو بمفردهم، من دون فرض أي حاجز زمني على فترة احتجازهم، فيزجون خلف القضبان في أي مكان يراه وزير الداخلية مناسباً في البلاد. ونعرف من تجربتنا السابقة في مجال احتجاز الأطفال في بريطانيا، ومن ممارسات سابقة في دول كأستراليا واليونان - مدى الأذية الجسدية والعقلية التي سيلحقها ذلك بالأطفال، فيترك لديهم ندوباً ترافقهم لمدى الحياة.
يواجه "مشروع قانون الهجرة غير الشرعية" معارضة شديدة من قبل جميع الأطراف السياسية، على اختلاف توجهاتها وأطيافها، كما أثار حفيظة الهيئات الطبية والمجموعات الدينية والجمعيات الخيرية المعنية بالأطفال وأكثر من 500 مجموعة وطنية ومحلية من جميع الأطياف، فقررت جميعها الاتحاد ضمن تحالف "معاً مع اللاجئين" Together With Refugees الذي يعكس الشعور المتزايد بالصدمة بين الناس. وفي حين ننعى كل من لقي حتفه من الجانب الآخر من القارة الأوروبية، دعونا نحشد التعاطف والتضامن البشري، ونوظفهما لإيجاد طريقة جديدة أفضل [للتعاطي مع اللاجئين] في المملكة المتحدة. وكم أتمنى أن تمعن الحكومة النظر مجدداً في الموضوع، وأن يخضعوا مشروع القانون برمته للمساءلة، وأن يراجعوا بالكامل هذا الإجراء الظالم والقاسي.
*د. جولي فرانسيس دهقاني هي أسقف مدينة تشيلمسفورد وعضو في مجلس اللوردات البريطاني
© The Independent