ملخص
المشهد الأول لهذه المسرحية أعد للمرة الأولى في لندن ومع وصول باراك أوباما إلى الإدارة الأميركية أعطى هذه التوجهات قوة أكبر وربما أفضل عنوان لتلك المسرحية هو "النهب الدولي".
هل نشهد قريباً عرض مسرحية اتفاق نووي جديد من إعداد روبرت مالي والمرشد الإيراني علي خامنئي لتعرض في دور العرض قريباً.
يبدو أن ما يجري في إيران مهما كان حجمه يثير دائماً السخرية. الاتفاق النووي يعد للمرة الثالثة بجهود أميركا وعملائها في طهران لفرض استعمار جديد في عهد النظام الإيراني.
المشهد الأول لهذه المسرحية أعد للمرة الأولى في لندن. وكان وزير الخارجية الأسبق جاك سترو قد أكد لي في لقاء عام 2020 أنه طرح فكرة الاتفاق النووي على كوندليزا رايس وزيرة الخارجية الأميركية وكان المضمون الكلي لهذا الاتفاق أن يساعد الغرب الإصلاحيين من خلال مساعدات اقتصادية وتحفيزات أخرى لتقديمه كقوة فاعلة. وفي المرحلة الثانية يعمل التيار الإصلاحي على تقوية مكانته الشعبية بسبب الانتعاش الاقتصادي ليلغي التيار المحافظ أو كما يسميهم جاك سترو "كوريا الشماليين في طهران" ليسير النظام الإيراني على خطى التعاون وفي الأمد البعيد يصل إلى اتفاق مع "الديمقراطية الغربية".
هذا السيناريو سرعان ما كسب مناصرين مثل المنتدى الاقتصادي الدولي في دافوس ومنظمة "الديمقراطية المنفتحة" التابعة للملياردير الأميركي جورج سوروس ومجموعة "العمل من أجل الدمقراطية" وأندري لوي الفيلسوف المناضل الفرنسي وجزءاً كبيراً من أعضاء الحزب الديمقراطي الأميركي و"نيويورك تايمز" و"واشنطن بوست" وعدداً من الباحثين الأميركيين والأوروبيين المنتمين إلى التيارات اليسارية في أوروبا وإسرائيل.
ومع وصول باراك أوباما إلى الإدارة الأميركية أعطى هذه التوجهات قوة أكبر، حيث رفع راية العولمة و"اليسار المعتدل" لكنه كان يعلم أن سيناريو سترو لا يمكن تنفيذه بسهولة حتى بعد إعادة صياغته مراراً، إذ لا يمكن فرض الوصاية على بلد مستقل من دون مصادقة الأمم المتحدة. كما كانت تركيبة مجلس الشيوخ الأميركي يصعب معها المصادقة على أي قرار في شأن إيران فطرح أوباما هذا السؤال: كيف يمكن إزالة هذه العوائق؟
بعد سنوات من البحث والمفاوضات وصلت إدارته إلى نتيجة هي أولاً: أن يقبل النظام الإيراني الوصاية مباشرة حتى لا تكون هناك حاجة إلى التنسيق مع الأمم المتحدة، وفي المرحلة الثانية يعمل الجانبان على الوصول إلى اتفاق لا يحتاج إلى توقيع الجانبين والمصادقة في مجلس الشيوخ الأميركي وبقية البرلمانات الأوروبية.
كما أن الاتفاق لم يكن بحاجة إلى آلية معينة لتنفيذه أو التخلي عنه، وعلى أساسه إذا ما تخلت الولايات المتحدة الأميركية وحلفاؤها عن الاتفاق فإن النظام الإيراني يقدم على رفع نسبة تخصيب اليورانيوم وهذه العملية لا تخدم أياً من المجالات التي تدعيها طهران، منها البحوث الطبية أو الحصول على الوقود كما أنه لا يؤدي إلى إنتاج رأس نووي.
وفي المقابل تخضع أجزاء كبيرة من الصناعات والعلوم في إيران إلى إدارة الولايات المتحدة وحلفائها. والأهم من ذلك تحصل هذه القوى على موارد إيران من صادرات النفط من خلال التعاون معها.
أخذ هذا المشروع منحى تصاعدياً بعد انتخاب حسن روحاني رئيساً لإيران وتعيين جواد ظريف وزيراً للخارجية الإيرانية وتشكلت مجموعة أطلق عليها "أولاد نيويورك" إذ سعت كثيراً للانتهاء من الطبخة قبل فوات الأوان وقدموا وعوداً بالانتعاش الاقتصادي لإلغاء منافسيهم المحافظين من الساحة.
وكانت ثمرة هذه المحاولات "الاتفاق النووي" الذي شكل اتفاقاً سريعاً بين النظام الإيراني والولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا وفرنسا وألمانيا والصين وروسيا والاتحاد الأوروبي في بعض الأحيان. وكان ظريف يتردد كثيراً إلى نيويورك ونشر مقالاً في "نيويورك تايمز" وشكل مجموعات دعم للنظام الإيراني في واشنطن ليرسل رسالة واحدة هي: ساعدونا لإلغاء المتشددين في الانتخابات المقبلة.
عرض الجزء الأول من مسرحية الاتفاق النووي بدعم من خامنئي لكن سرعان ما شاهدنا أنه لا توجد أية بوادر للانتعاش الاقتصادي أو قبول النظام الإيراني كعضو محترم في المجتمع الدولي.
الأموال المجمدة
أطلقت الولايات المتحدة كل شهر 700 مليون دولار من أموال إيران المجمدة لكن مع وصول دونالد ترمب إلى الإدارة الأميركية تعطل مسرح الاتفاق النووي من دون أن تحصل إيران على أي نفع من خضوعها لوصاية "مجموعة خمسة زائد واحد".
تطرق ظريف أخيراً إلى أدوار خامنئي وأعلن دعمه للإجراءات التي اتخذتها حكومة روحاني في الاتفاق النووي ومن خلال تشبيه الاتفاق مع معاهدة تركمانجاي التي أدت إلى تنازل إيران عن إقليمين في العهد القاجاري لمح بأن "أولاد نيويورك" أنقذوا البلاد من إبرام اتفاق مثل معاهدة كلستان التي فقدت إيران بموجبها عديداً من الأقاليم الشمالية لمصلحة روسيا خلال العهد القاجاري. وأراد ظريف في الواقع من خلال هذا التشبيه التلميح بأن التيار المحافظ يواجه خطر إبرام اتفاق يشبه معاهدة كلستان.
هنالك نكتة كلاسيكية في المحافل السياسية تقول إن الدبلوماسي هو الذي يكذب لمصلحة حكومته. ويبدي ظريف هذه الأيام التزاماً بهذه النكتة. يدعي ظريف في خطاباته ومقابلاته خارج البلاد أن إيران لا تضم أي سجين سياسي وأن النظام الإيراني يقدم نموذجاً ديمقراطياً وأنه لا يقتل المحتجين السلميين في الشوارع ولا يعذب أحداً في السجون.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
إلى جانب هذه الأكاذيب التي يطلقها لمصلحة حكومته أي النظام الذي يمثله خامنئي كان ظريف قد كذب عندما وعد بأن تحصل إيران على أموال متعددة بعد الاتفاق النووي، وكذب حتى على نظامه عندما أدعى أن جون كيري وأوباما وعدا بأن تكون إيران شرطياً في الشرق الأوسط.
رفضت الولايات المتحدة تحرير أموال إيران المجمدة كما كان من المقرر أن تعمل على إصلاح مركز المياه الثقيلة في أراك لكنها تذرعت بانهيار شركة "وستينغهاوس". أما التنازل الوحيد الذي قدمه أوباما فهو منح 1500 تأشيرة لأبناء بعض قادة النظام الإيراني وبعض المسؤولين.
كما أن روسيا كانت قد تعهدت بشراء أكثر من 20 في المئة من اليورانيوم المخصب لكن بعد شراء نصف الذخائر المذكورة أوقفت كل شيء.
وكان من المقرر أن تعمل الصين على إنشاء مركز للمياه الثقيلة في أراك بعد تخلي الأميركيين لكنها لم تفعل أي شيء. كما كانت قد تعهدت ببناء محطتين نوويتين في إيران لكنها تخلت عنهما.
أما الاتحاد الأوروبي فكان وعد بتسهيل وصول إيران إلى الأسواق المالية والاستثمارات العالمية لكنه لم يفعل.
وبريطانيا كانت وعدت بالسماح لبنكين إيرانيين في الدخول إلى بورصة لندن لكنها تخلت عن ذلك.
وكانت فرنسا قد تعهدت بتفعيل قانون COFACE لضمان التجارة مع إيران لكنها تخلت عن ذلك.
الطرف الوحيد الذي أبدى التزاماً بالاتفاق النووي لفترة أربع سنوات هو النظام الإيراني.
أقدمت مجموعة "5+1" على خدعة دبلوماسية من خلال التمسك بخطر حصول إيران على السلاح النووي لفرض وصايتها على طهران. وكانت أنغيلا ميركل المستشارة الألمانية السابقة قد أعلنت بوضوح: "ليس من واجباتنا أن نثبت أن إيران لا تهدف إلى إنتاج سلاح نووي، بل على إيران أن تثبت بأنها لا تعمل ولا تريد أن تعمل لإنتاج سلاح نووي".
مسرحية الاتفاق النووي لم تحقق أي من الحقوق الشرعية لإيران، بل حرم الاتحاد الأوروبي إيران من حق الاستفادة من أموالها في البنوك العالمية أو الحصول على قروض من صندوق النقد الدولي، أما الصين فتخلت عن دفع أموال النفط الإيراني وأرغمت النظام على الخضوع إلى أسواق التنين الأصفر والتعامل بالعملة الصينية وهو خيار تمسكت به اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني.
كما أن روسيا هيمنت على 60 في المئة من الأسواق التقليدية الإيرانية في أسواق النفط.
ربما أفضل عنوان للتعبير عن مسرحية الاتفاق النووي هو "النهب الدولي" الذي قادته الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا في التعامل مع إيران.
الاحتجاجات الأخيرة هزت خامنئي بشدة والبلد على موعد مع موجة جديدة منها، لذلك يسعى من خلال إعداد مسرحية جديدة للاتفاق النووي وارتشاف كأس السم بذريعة "الليونة البطولية" والسير على خطى الحسن بن علي، إطالة عمر النظام الذي مآله الفناء حتماً.
مثل هذه الإجراءات صدرت مراراً من أنصار نظام الخميني إذ لجأوا خلال الفترات المختلفة إلى نهج الخضوع للأجانب لقمع الشعب الإيراني.
جواد ظريف كان صادقاً عندما قال إن الاتفاق النووي الذي عمل عليه كان يشبه معاهدة تركمانجاي لكن خامنئي مرغم على قبول اتفاق يشبه معاهدة كلستان.
ظريف وخامنئي لا يؤمنان بأن الشعب يستطيع قبول معاهدة تشبه تركمانجاي وليس كلستان. إلى جانب هذه الخدع السياسية التي يؤديها اللاعبون هناك مراقب ثالث هو الشعب الإيراني الذي بإمكانه قلب الطاولة لإرغام المخادعين على الفرار.
نقلا عن اندبندنت فارسي