ملخص
تمثل تحويلات المغتربين نسبة مهمة من تدفقات العملة الأجنبية إلى لبنان، وأصبحت أكثر أهمية بعد تراجع الناتج الوطني بسبب الأزمة الاقتصادية
علاقة لبنان مع تحويلات المغتربين ليست جديدة، إنما أصبحت أكثر وضوحاً مع الانهيار الاقتصادي الذي يشهده، حيث يتبيّن أن التحويلات تمثل مصدراً أساسياً لدعم مداخيل السكان وتعزيز تدفّق العملات الأجنبية إلى الاقتصاد، بالتالي يمكن اعتبار التحويلات المالية بمثابة اقتصاد رديف يؤمن مداخيل بالعملات الأجنبية تساعد في تأمين حاجات البلاد من الاستيراد.
في السابق كانت معظم تلك التحويلات تصب في القطاع المصرفي كودائع، ويستفيد منها الاقتصاد برمته عبر الاستثمار بها ومنح القروض المصرفية، أما اليوم ومع تراجع الثقة بالقطاع المصرفي بات دورها محصور بدعم ذوي المغتربين من خلال إرسالها عبر شركات التحويل من دون الاعتماد على القطاع المصرفي.
تاريخياً، ولا سيما بعد انتهاء الحرب الأهلية، اتسعت موجات الهجرة إلى مختلف بقاع العالم، فبرز مصطلح "أموال المغتربين" كرافعة للاقتصاد، إذ تشير تقارير غير رسمية أن عدد اللبنانيين المغتربين بلغ 1.3 مليون نسمة معظمهم من القوى المنتجة، مقابل 4.5 مليون لبناني مقيم، تعتمد نسبة كبيرة منهم على ذويهم في الاغتراب.
الأول إقليمياً
ويشير تقرير صادر عن البنك الدولي حمل عنوان "موجز الهجرة والتطوير رقم 38: التحويلات لا تزال قوية ولكنها تتباطأ"، وقدّر حجم تحويلات المغتربين الوافدة إلى لبنان بـ 6.4 مليار دولار في عام 2022، ليحلّ بذلك في المركز الثالث إقليمياً، بعد مصر (28.3 مليار دولار) والمغرب (11.2 مليار دولار).
وحجز لبنان المركز الأول في المنطقة والمرتبة الثالثة عالمياً (بعد طاجيكستان وتونغا) بالنسبة إلى مساهمة تحويلات المغتربين في الناتج المحلي الإجمالي، والتي بلغت 35.7 في المئة في عام 2022، تليه الضفة الغربية وقطاع غزة بنسبة 21.8 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، والأردن بنسبة 10.2 في المئة.
وأشار التقرير إلى أن متوسط كلفة التحويلات الوافدة إلى لبنان من بلدان ذات دخل مرتفع من ضمن دول "منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية" لا يزال عالياً جداً، بحيث برز لبنان في اثنين من ضمن أغلى خمسة ممرات لتحويل الأموال.
ثلث الاقتصاد
وفي هذا السياق أوضح الباحث الاقتصادي أنيس أبو دياب، أن "أرقام تحويلات المغتربين لم ترتفع عن معدلها الطبيعي منذ سنوات، وتتراوح عادةً بين 6 و 6.7 مليار دولار"، لافتاً إلى أن "ذروتها كانت في عام 2017 ووصلت حينها إلى حوالى 7.2 مليار".
وأشار إلى أن "المتغير هو تقلص الناتج الوطني الذي انخفض خلال الأعوام الماضية من حوالى 60 مليار دولار إلى 22 ملياراً خلال عام 2022، ما يعني أن نسبة التحويلات الخارجية التي كانت تشكل حوالى 12 في المئة من الناتج باتت تشكل بحدود 32 في المئة، أي ثلث الاقتصاد".
واعتبر أبو دياب أن "تلك الظاهرة تشكل خللاً كبيراً في الاقتصاد اللبناني، وهي نتيجة للانهيار الاقتصادي وصورة واضحة لتقلص حجم الاقتصاد"، مشيراً إلى أنه "من غير المنطقي اعتماد الاقتصاد اللبناني فقط على أموال المغتربين، على رغم أهميتها كونها تحرك الاقتصاد وتلعب دوراً في الاستهلاك".
ولفت إلى أن "لا علاقة بين غياب الثقة بالاقتصاد اللبناني والتحويلات كونها لا تعتبر استثمارات مباشرة أجنبية لكي تتوقف مع غياب الثقة بالاقتصاد"، مستنداً إلى "أرقام التحويلات منذ بداية الأزمة في عام 2019 والتي لم تشهد تراجعاً وبقيت العصب الأساس للاقتصاد وصمود المواطنين، حيث يحول المغتربون تلك الأموال على شكل دفعات شهرية لأهلهم وأقاربهم للإعانة على الإعالة بمتوسط شهري يتراوح بين 300 إلى 600 دولار".
وبرأي أبو دياب "يمكن لتلك التحويلات الضخمة أن تكون رافعة الائتمان للقطاع المصرفي حال استعاد الثقة فيه من جديد، مما يؤدي إلى زيادة في القاعدة النقدية من الموجودات الخارجية لأموال المغتربين".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
الاستقرار النقدي
بدوره، رأى رئيس الجمعية الاقتصادية اللبنانية منير راشد، أن "تلك التحويلات تدخل في ميزان الحساب الجاري، الذي يشمل الواردات والصادرات من سلع وخدمات"، مشيراً إلى أن "لبنان بلد يعتمد على الاستيراد وبالتالي فإن ما يدفعه من عملات صعبة لتمويل حاجاته من سلع مستوردة يفوق حجم التحويلات المالية الواردة إلى البلاد". وأوضح أن "أموال المغتربين التي يتم تحويلها إلى لبنان تسد 60 في المئة من العجز التجاري للبلاد ليتراوح بين 4 و5 مليارات دولار"، مشيراً إلى أنه "لولا تحويلات المغتربين لكان العجز تجاوز الـ 10 مليارات دولار". ولفت راشد الى أن "تحويلات المغتربين إلى لبنان عملت على الحد من تدهور العملة اللبنانية، وأسهمت أيضاً في الحد من عدم ارتفاع الدولار في السوق السوداء التي تشهد منذ أشهر استقراراً نسبياً".
ثلاثة مصادر
في السياق، اعتبر الباحث الاقتصادي والمالي إيلي يشوعي، أن "هذه التحويلات لم تعد تشكل عاملاً إيجابياً يسهم بالنهوض الاقتصادي، كونها لا تدخل ضمن النظام المصرفي"، معتبراً أنه "منذ بداية الأزمة باتت تلك التحويلات عبارة عن إعانة يرسلها مغتربون لدعم ذويهم في لبنان بعدما فقدوا أموالهم في عملية سطو ممنهجة على مدخرات اللبنانيين".
وقسم يشوعي "الواردات المالية طيلة السنوات الماضية إلى ثلاثة مصادر، الأول عبر الاستثمارات العربية والخليجية بلبنان التي كانت تُقدر بـ 5 مليارات دولار سنوياً. الثاني عبر الاقتراض الخارجي الذي كانت تقوم به الحكومات المتعاقبة لتمويل مشاريع لم تحقق أهدافها بالنهوض الاقتصادي، والثالث عبر تحويلات المغتربين لعائلاتهم"، مشيراً إلى أنه "بعدما جفت موارد المصدرَين الأولَين، لم يبقَ غير تحويلات المغتربين، التي تُصرف فقط على الاستهلاكات الفردية".
أستراليا أولاً
ومنذ بداية الانهيار وتفاقم أزمة المصارف في لبنان، بدأ المغتربون يعولون على شركات تحويل الأموال لعائلاتهم عبر المؤسسات غير المصرفية، وفي هذا السياق كشف رئيس مجلس إدارة إحدى شركات تحويل الأموال، توفيق معوض، أن "وتيرة التحويلات الشهرية ارتفعت خلال عام 2022 مقارنة بالعام 2021 بنسبة 25 في المئة، وباتت تقارب 140 مليون دولار شهرياً"، مشيراً إلى أن "المعدل الوسطي للحوالات يبلغ 450 دولاراً، و75 في المئة منها أقل من 500 دولار، وتبلغ قيمة نحو 15 في المئة من التحويلات أقل من 100 دولار".
ولفت إلى أن 265 ألف شخص شهرياً يستفيدون من التحويلات المالية التي تأتي من نحو 175 دولة يسكن فيها اللبنانيون، موضحاً أن "أكثر الدول التي يتلقى منها لبنان تحويلات مالية، هي بالترتيب كما يلي: أستراليا والولايات المتحدة ودول الخليج وكندا وألمانيا والسويد وفرنسا".