ملخص
تزيد معدلات من يختارون التعليم المنزلي كبديل عن المدرسة، ولعبت الأزمة الاقتصادية في لبنان دوراً، لكن عوامل أخرى عديدة قد تشجع على هذا النوع من التعليم، فما هي؟
التعليم المنزلي في الدول الأجنبية معتمد منذ سنوات عديدة ويفضله كثير من التلاميذ وأولياء أمورهم، خصوصاً أن ثمة مناهج محددة تشرف عليها الدولة كما تتوافر القوانين والأنظمة التي ترعى هذا النمط التعليمي، وتتعدد قصص النجاح في دول أوجدت نمطاً تعليمياً خارج إطار المدرسة، لذلك ارتفعت نسب الأطفال الذين لجأوا إليه في السنوات الأخيرة كبديل.
في لبنان يبدو أن هذه الظاهرة بدأت تحقق انتشاراً ملحوظاً أخيراً مع ازدياد أعداد مؤيديها، مما يدعو إلى التساؤل حول ما إذا كان من الممكن أن يحدث هذا النمط تغييراً في وجه التعليم بالبلاد.
الواقع يقول إن العشوائية لا تزال غالبة على التعليم المنزلي في لبنان، ويرتبط نجاحه بوعي الأهل وحرصهم على الالتزام بالأهداف التي يسعون إليها من ورائه، إذ تنجح التجربة في حالات معينة تعتمد مناهج محددة ضمن برنامج كامل، لكن هل يمكن القول إن هذا النظام التعليمي يخلو من السلبيات كما يؤكد مؤيدوه؟
في المدارس فقط
لا تعتبر فكرة التعليم المنزلي مستجدة حتى في لبنان إذ طالما كانت موجودة طوال الوقت، لكن بما أن القانون لم يتناولها يوماً أو يرعاها فلم يكن من الممكن أن تحقق انتشاراً واسعاً مثلما الحال الآن، وبحسب الباحث التربوي نعمة نعمة أجاز القانون اللبناني التعليم المنزلي لأسباب صحية حصراً، إذا كانت تعوق انتقال الطفل إلى المدرسة، كما بالنسبة إلى من هم من ذوي الاحتياجات الخاصة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
لكن يبدو أن ظاهرة التعليم المنزلي زادت في السنوات الأخيرة، إذ لعب وباء كورونا الدور الأول في ذلك، ثم أتت الأزمة الاقتصادية لتزيد من هذا الاتجاه، بعد أن أصبحت الطبقة الوسطى عاجزة عن إرسال أطفالها إلى المدارس في ظل الارتفاع الهائل بالأقساط المدرسية.
يقول نعمة "في مثل هذه الحالات، يستعين بعضهم بأستاذ يتفقون معه على عدد معين من ساعات التعليم بكلفة أقل. وقد تتفق عائلات عدة في بلدة معينة أو في أية منطقة على تعليم الأطفال على يد أستاذ معين فتكون الكلف أقل على كل منها، مما يساعد في الحد من الأعباء المترتبة عن التعليم في المدرسة".
جاء التعليم المنزلي كحل لكثيرين أمام التحدي الاقتصادي بشكل خاص، لكن كثيرين يلجأون إليه لأسباب غير اقتصادية، فربما يرفضون التعليم في المدارس والخضوع لأنظمتها، أو بسبب تعرض أطفالهم للتنمر المتواصل، أو لصعوبات تعليمية تفشل المدرسة في التعاطي معها.
من جهة أخرى يختار بعض منهم أحياناً عدم التعلم في المدرسة، ويفضلون التركيز على تنمية المهارات اليدوية للأطفال في مجالات معينة لتتحول إلى مصدر رزق في المستقبل، وهو ما لا توفره المدارس عادة.
بين المدرسة والمنزل
لا يقتصر دور المدرسة على تعليم الطفل، إذ إن لديها دوراً مهماً في تنمية مهاراته الاجتماعية أيضاً، وهو ما لا يتوفر له في حال اللجوء إلى التعليم المنزلي. وحول ذلك يشير نعمة إلى أن التفاعل الاجتماعي ممكن من خلال أنشطة يقوم بها الطفل في الحي مع رفاقه، فالأمر لا يتقصر على أصدقاء المدرسة.
مع التخلي عن فكرة التعليم في المدرسة حصراً التي يفرضها القانون اللبناني، تتوافر اختيارات أمام المواطن بحسب رغبته وكذلك حاجات المجتمع، لكن من المفترض بالطفل أن يحصل على المعارف الأساسية في التعليم المنزلي أياً كانت اختياراته في الحياة لتؤهله وتصقل مهاراته، مثل القراءة والكتابة والحساب والثقافة العامة، وهو ما يفتح له مزيداً من المجالات.
قصص النجاح موجودة فعلاً في التعليم المنزلي في لبنان، حتى مع غياب القوانين التي تساعد في تنظيمه وتوفير الدعم له، وفق تجربة المتخصص في التربية والتعليم وسام عبدالصمد، الذي وضع نموذجاً مبتكراً للتدريس في المنزل.
يؤكد عبد الصمد أنه لا يسمح لنفسه بتوجيه طفل نحو التعليم المنزلي، لكنه يشير إلى أنه أشرف على تجارب مماثلة مع أطفال حققوا النجاح في حياتهم بعد اعتماد هذا النوع من التعليم، مضيفاً "يعتبر الالتزام والانضباط من أصعب التحديات التي يمكن مواجهتها في التعليم المنزلي لضمان تجربة ناجحة لمصلحة الأطفال ومستقبلهم. وهنا يبرز دور الأهل في توجيه أطفالهم حتى يتعاملوا مع التعليم المنزلي بجدية والتزام ولا يركنوا إلى التهاون والاستهتار".
لا ينكر عبدالصمد أنه لا يمكن التغاضي عن مجموعة من العناصر المهمة في المدرسة، لكن ثمة أموراً كثيرة يمكن تعلمها أيضاً في الحياة لتحقيق النجاح شرط تلقي التعليم المنزلي المناسب مع التوجيه الصحيح والالتزام والتعامل مع الأمور بجدية، وعندها يمكن القول إن المدرسة ليست الطريق الوحيد للتعليم، وقد يكون التعليم المنزلي بديلاً أفضل.
حسنات وسيئات
يتخذ التعليم المنزلي في الدول الغربية شكلاً مختلفاً بوجود قوانين ترعاه وإشراف من الدولة فلا تغلب عليه العشوائية، أما بغياب التنظيم فستزيد الصعوبات والتحديات.
بحسب المتخصصة في المعالجة النفسية للأطفال والمراهقين بالمركز الطبي للجامعة الأميركية في بيروت لارا جلول، فإن لكل من النظامين حسنات وسيئات، لكن مهما حقق التعليم المنزلي من انتشار في لبنان، فإن الدراسات تؤكد أن التلاميذ الذين لجأوا إليه كانوا أقل كفاءة في التعليم الجامعي وأقل قدرة على التأقلم بالمقارنة مع من تعلموا في المدرسة.
توضح جلول أن الطفل يميل بطبيعته إلى الروتين، ويفضل دائماً ما هو متوقع. وفي فترة انتشار وباء كورونا اعتمدت تجربة التعليم المنزلي بشكل أو بآخر، لكن كثرت فيها التحديات والضغوط على الأهل أيضاً. حتى إن هذا النوع من التعليم أسهم في تغيير ديناميات العلاقة بين الطفل وأهله، الذين أخذوا دور الأساتذة أيضاً، وكان لذلك أثر سلبي.
وتضيف "أياً كان نوع المدرسة فإن الطفل لا ينمي فيها مهاراته الاجتماعية ويتعلم كيفية التأقلم مع الروتين فقط، بل إنه يتعلم كل ما يلزم عن الانضباط وإدارة الوقت وأهمية التقيد بمواعيد التسليم والمشاركة والأخذ والعطاء، وهذه المهارات كلها يتعلمها ولا تولد معه، ولن تنمو لديه ما لم يذهب إلى المدرسة".
توضح جلول أن "من يختارون التعليم المنزلي لتجنب التنمر الذي قد يتعرض له الطفل في المدرسة أو التسلط والنظام الصارم، يعلمون أطفالهم في الواقع كيفية تجنب التحديات بدلاً من مواجهتها، وهذا ما لن يساعدهم إيجاباً في الحياة ليحسنوا التعامل مع مختلف التجارب".