ملخص
ترتبط مصر مع الأردن وفلسطين وليبيا والسودان بشبكة كهربائية ولديها خطة للربط مع السعودية، إلا أن القاهرة لا تزال تحلم بتصدير الكهرباء لأوروبا عبر اليونان وقبرص وإيطاليا.. إليكم التفاصيل
لسنوات عدة ظل ملف الربط الكهربائي بين مصر وأوروبا حديث الإعلام المصري، وبنداً دائماً في محادثات القاهرة مع شركائها في شمال البحر المتوسط، وبعدما كانت الآمال بأن يمتد الربط برياً عبر دول شمال أفريقيا حتى إسبانيا، في عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك تحولت الأنظار إلى تنفيذ مشروع لمد كابلات بحرية تصل قبرص واليونان وإيطاليا، وقد يتم إيصال الطاقة في ما بعد عبر الشبكات الأوروبية لدول أخرى في الاتحاد الأوروبي، لكن حديث وزير الكهرباء المصري محمد شاكر حول الحاجة إلى ما بين خمس إلى سبع سنوات لإنشاء الخطوط الخاصة بالربط الكهربائي كشف عن أن المشروع الذي تأمل مصر في أن يدر عملة أجنبية ربما يكون "حلماً مؤجلاً".
تصريح وزير الكهرباء المصري جاء أمام مجلس الشيوخ خلال جلسة خصصت بناء على طلب عدد من النواب لبحث سياسة الحكومة في مجال الربط الكهربائي، إذ أكد أن فترة إنشاء الخطوط الخاصة بتصدير الكهرباء تحتاج من خمس إلى سبع سنوات، مما يعني أن جلب العملة الصعبة ليس بعد عام كما يتصور بعضهم.
وأوضح أن تصدير الكهرباء إلى قبرص سيمر عبر اليونان لأن خطوط التيار الكهربائي القبرصية لا تتحمل عملية التصدير مباشرة.
فائض الكهرباء
وازداد الحديث خلال السنوات الأخيرة عن ضرورة فتح أسواق لتصدير الكهرباء المصرية، في ظل تحقيق فائض يصل إلى 13 ألف ميغاواط يومياً، وفق تقرير صادر عن مجلس الوزراء في يونيو (حزيران) 2020، فيما تشير تقارير صحافية إلى أن الفائض يتجاوز 25 ألف ميغاواط في أوقات الذروة، على عكس العجز الذي كان يصل إلى 6 آلاف ميغاواط يومياً في 2014.
وبعدما كانت مصر تعاني انقطاعات متكررة للتيار الكهربائي عام 2013، بدأت في العام التالي خطة لمضاعفة قدرات شبكتها الكهربائية، اعتمدت في الأساس على إنشاء ثلاث محطات عملاقة بالتعاون مع شركة "سيمنس" الألمانية، أضافت 14.4 ألف ميغاواط بكلفة 6 مليارات يورو، كما تم تنفيذ مجمع بنبان للطاقة الشمسية في محافظة أسوان جنوب مصر بكلفة بلغت أكثر من ملياري دولار، بقدرة توليد 1465 ميغاواط.
وبلغ إجمال القدرات الكهربائية التي أضيفت بين 2014 و2020 نحو 28 ميغاواط بما يعادل ضعف ما كان متوافراً قبل تلك الفترة.
المتحدث باسم وزارة الكهرباء المصرية أيمن حمزة أوضح لـ "اندبندنت عربية" أن الوزير لم يقصد تحديد موعد بقدر ما كان يريد الدلالة على أن العمل جار على ملف الربط الكهربائي، مشيراً إلى أن المشروع يحتاج إلى وقت نظراً لحاجته إلى مناقشات وتقديم عروض استثمارية وهو ما يتم حالياً، ولفت إلى أن الفترة الماضية شهدت توقيع مذكرة تفاهم مع قبرص واليونان وشركة نرويجية أخرى، مؤكداً أن الملف يحظى باهتمام كبير من حكومات مصر واليونان وقبرص وإيطاليا والاتحاد الأوروبي، وكذلك عدد من المستثمرين الكبار.
ووقعت مصر واليونان في أكتوبر (تشرين الأول) 2021 اتفاقاً يمهد لمد كابل تحت سطح البحر ينقل الكهرباء المولدة من الطاقة المتجددة في شمال أفريقيا إلى أوروبا، هو الأول والأضخم والأكبر من نوعه في البحر المتوسط بطول يصل إلى 900 كيلومتر.
تغير الأوضاع
وبحسب رئيس جمعية المهندسين الكهربائيين فاروق الحكيم فإن الربط الكهربائي مع أوروبا يبدأ بقبرص واليونان، إذ قاربت مرحلة دراسات الجدوى على الانتهاء ومن المنتظر أن تبدأ مرحلة التشغيل، ووصف المدة المعلنة من قبل وزير الكهرباء المصري بأنها كبيرة وتحتاج لإعادة تقييم لتقليلها، موضحاً أن طول المدة وامتدادها إلى سبع سنوات للبدء في توصيل الكهرباء المصرية لأوروبا يضع الاتفاقات التي أبرمتها مصر في خطر، لأن الظروف قد تتغير وتمتلك أوروبا فائضاً من الكهرباء يغنيها عن الطاقة المصرية، مما يهدد التعاقد ذاته إلا إذا كانت هناك دراسة تكشف غير ذلك.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأشار الحكيم إلى أن مشروع تصدير الكهرباء لأوروبا من خلال قبرص واليونان دخل حيز التنفيذ خلال الخمسة أشهر الماضية على رغم الإعلان عنه في 2019، موضحاً أن الكلفة الكبيرة قد تكون سبباً رئيساً لتأخر المشروع هذه السنوات، مؤكداً أنه لا صحة لإستحالة تنفيذ المشروع بسبب الأعماق الكبيرة في البحر المتوسط، لأن التكنولوجيا والإنفاق الضخم يحلان أي عوائق، مشيراً إلى وجود كابلات الإنترنت تحت سطح البحر.
ظهر مقترح الربط الكهربائي بين مصر واليونان للمرة الأولى عام 2008، لكن توقفت الدراسات الخاصة به بعد ثورة 25 يناير (كانون الثاني) 2011، بحسب وكالة "بلومبيرغ".
الاحتياج الأوروبي
وقبل اندلاع الحرب الروسية - الأوكرانية في فبراير (شباط) 2022 كانت أوروبا تعتمد على موسكو في تأمين 40 في المئة من حاجاتها النفطية ونحو 27 في المئة من واردات الغاز الطبيعي، لكن الحرب والعقوبات التي أعقبتها لحرمان روسيا من العوائد أجبرت المفوضية الأوروبية على إعادة النظر في تلك الأوضاع، وكشفت في مايو (أيار) عن خطة بقيمة 210 مليارات يورو لتقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري الروسي بحلول نهاية العقد الحالي، وتشمل الربط الكهربائي بين الدول الـ 27 الأعضاء في الاتحاد بما لا يقل عن 15 في المئة من الطاقة، وذلك بحلول عام 2030، مما يعني إتاحة الفرصة لتصدير الكهرباء المصرية في حال توصيلها إلى دول أخرى أبعد من المواجهة لها على البحر المتوسط (قبرص واليونان) إضافة إلى إيطاليا القريبة.
وأشارت تقارير دولية إلى أن 60.7 في المئة من الطاقة الإجمالية المتاحة في الاتحاد الأوروبي عام 2019 جاءت من دول خارج الاتحاد، علماً بأنه منذ عام 2013 أصبحت الدول الأعضاء الـ 27 مستوردة صافية للطاقة.
مشاريع مقترحة
ولتنفيذ الربط الكهربائي بين مصر وأوروبا فهناك خمس مشاريع مقترحة آخرها ما اقترحته شركة الطاقة المتجددة النرويجية "سكاتك"، والذي يربط بين مصر وإيطاليا بقدرة ثلاثة غيغاواط ويركز على تصدير الطاقة المتجددة تحديداً، إذ وافق مجلس الوزراء المصري على توقيع مذكرة تفاهم مع الشركة لبدء دراسات المشروع في مايو الماضي، كما اقترحت روما مشروعاً آخر بقدرة ثلاثة غيغاواط في يناير الماضي، وطرحت توقيع مذكرة تفاهم للبدء في إعداد دراسات جدوى المشروع الذي ينتظر أن تصل كلفته إلى 3.5 مليار دولار، توفرها إيطاليا من بنوكها ومؤسسات التمويل الأوروبية.
وبين مصر واليونان وقبرص اقترحت ثلاثة مشاريع، الأول باسم "يورو أفريكا إنتركونكتور" الذي يتم التخطيط له منذ عام 2018، باستثمارات تقدر بنحو 4 مليارات دولار، يهدف إلى الربط بين الدول الثلاث عبر كابل بحري بقدرة 2 غيغاواط، إذ تعمل القاهرة وأثينا على اختيار شركة استشارية لإجراء دراسات جدوى للربط الكهربائي، ويرجح توقيع الاتفاقات مع الشركة الفائزة خلال النصف الثاني من العام الحالي، وفق تقارير صحافية.
وجذب الربط الكهربائي استثمارات أميركية، إذ وقعت شركة "ماكديرموت" المتخصصة في خدمات الهندسة والبناء تحت سطح البحر والمياه العميقة مذكرة تفاهم مع شركة "يونيس إنرجي غروب" اليونانية لتنفيذ خط ربط كهربائي بقدرة 2 غيغاواط يمر من مرسى مطروح على الساحل الشمالي الغربي لمصر إلى جزيرة كريت اليونانية.
الطاقة المتجددة
ويركز خط الربط الكهربائي مع اليونان على نقل الطاقة المتجددة المنتجة في مصر بقدرة ثلاثة غيغاواط بكابلات يصل طولها إلى 1500 كيلومتر عبر البحر المتوسط إلى البر الرئيس لليونان.
وذكرت وكالة "بلومبيرغ" أن شركة تشغيل الكهرباء اليونانية والشركة المصرية لنقل الكهرباء يتعاونان في المشروع، فيما تقدمت شركة "إليكا" اليونانية للطاقة المتجددة بطلب للحصول على التمويل من الاتحاد الأوروبي، كما وقعت مواطنتها شركة "كوبلوزوس" المتخصصة في البنية التحتية مذكرة تفاهم مع شركة "انفينيتي باور" للطاقة المتجددة المصرية في مايو الماضي لبحث تطوير عدد من مشاريع الطاقة المتجددة في مصر لمصلحة مشروع الربط الكهربائي المخطط له.
ويحظى ملف تصدير الكهرباء باهتمام الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي الذي عقد اجتماعاً في سبتمبر (أيلول) 2022 مع رئيس اتحاد شركات "كوبيلوزيس" اليونانية للكهرباء لمتابعة التعاون مع اليونان لتنفيذ مشاريع إنتاج الكهرباء من مصادر الطاقة المتجددة في مصر، ونقلها إلى أوروبا عبر اليونان من خلال إنشاء كابل بحري للربط الكهربائي بين البلدين.
وخلال الاجتماع قال وزير الكهرباء المصري إن المخطط المصري اليوناني يهدف لإنتاج 9.5 غيغاواط من الكهرباء المولدة من طاقة الرياح والشمس، مؤكداً أن القاهرة تمتلك بنية أساسية حديثة من محطات إنتاج وخطوط نقل وشبكات توزيع وتحكم.
وتهدف مصر للوصول إلى توليد 60 في المئة من طاقتها الكهربائية من مصادر الطاقة المتجددة عام 2040.
ربط إقليمي
وترتبط الشبكة القومية للكهرباء في مصر مع الأردن وفلسطين وليبيا والسودان، ولديها خطة للربط مع السعودية عبر خط بقدرة ثلاثة غيغاواط بحلول عام 2025.
وكشف تقرير صادر عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء ارتفاع صادرات الطاقة الكهربائية إلى 108.9 مليون دولار خلال عام 2022 في مقابل 71.3 مليون دولار خلال العام السابق عليه، بزيادة بلغت قيمتها 37.5 مليون دولار بنسبة ارتفاع 52.7 في المئة.
وأكد التقرير أن الأردن يأتي في المرتبة الأولى للدول الأكثر استيراداً للطاقة من مصر، تليها ليبيا ثم الأراضي الفلسطينية إضافة إلى السودان.
وارتفع ترتيب مصر في المؤشر الدولي للحصول على الكهرباء إلى المركز 77 عام 2020 ارتفاعاً من 145 عام 2014، نتيجة زيادة قدرات التوليد التي بلغت أكثر من 59 ألف ميغاواط وفق أرقام رسمية لوزارة الكهرباء أعلنتها في ديسمبر (كانون الأول) 2020، إضافة إلى تحسين قدرات محطات المحولات للجهد الفائق والجهد العالي.