Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"فاغنر" و"داعش"... تجنيد "افتراضي" وخراب "على الأرض"

ربما لم يطرأ على بال أحد قبل عقدين أن يصبح التمكين الرقمي أداة لإشعال ميادين القتال وغسل الأدمغة

ملخص

قدان من الزمن في عمر الشبكة العنكبوتية ليستا بالأمر الهين لا سيما أنها معترك يحتوي على مئات أو آلاف الجماعات منها ما يحض على العنف والإرهاب.

رحلة البحث عن عمل باتت محفوفة بالمخاطر، لكنها ليست مخاطر التعرض لحادثة أثناء عملية البحث، ولا التقاط عدوى أو فيروس أثناء الاصطفاف مع العشرات أو المئات أمام مكتب التوظيف، ولا حتى التحايل والاحتيال، لكنها مخاطر التورط في وظيفة تتطلب عضلات قوية وقدرات قتالية ومواهب في الكر والفر مع قليل من الدق على الأوتار الأيديولوجية.

لم يطرأ على بال المعنيين بمفهوم التمكين العنكبوتي قبل ما يزيد على عقدين (أو ربما طرأ) أن يساء استخدام هذا التمكين ليصبح أداة من أدوات التجنيد للالتحاق بالحروب وإشعال ميادين القتال والدق على أوجاع الفقر والعوز تارة، وعلى أوتار الدين والعقيدة تارة أخرى ليصبح الأثير الرقمي ساحة صيد وتجنيد وتوظيف وغسل أدمغة ونقطة التقاء الباحثين عن المال الغائب أو العقيدة التائهة أو كليهما.

حين احتفى الكوكب بمبدأ التمكين الرقمي قبل نحو عقدين كان السائد هو إتاحة الأدوات الرقمية المطلوبة التي تمكن فئات بعينها، لا سيما في الدول الفقيرة والفئات المهمشة، من البيانات والمعلومات وخدمات الذكاء الاصطناعي والاتصال بشبكة الإنترنت عبر الهواتف المحمولة وغيرها من أجهزة الاتصال، وذلك لاكتساب المهارات الحياتية وقدرات البقاء على قيد الحياة.

تمكين رقمي أم إرهابي؟

لكن 20 عاماً كانت كفيلة، لا بتحقيق حلم التمكين الرقمي فقط، ولكن بتحويل جزء من حلم هذا التمكين إلى كابوس يؤدي إلى نشر العنف والتطرف وجر الكوكب إلى مزيد من الحروب والصراعات، المؤدلج منها والغارق في بحور صراعات السياسة والاقتصاد.

اقتصاد الحروب والصراعات ليس هو الكلفة العسكرية وما ينجم عنها من فواتير إعادة إعمار فقط، لكنه يحتوي كذلك على اقتصاد غير معلن وهو كلفة تجنيد مقاتلين –وفي أقوال أخرى مرتزقة- ودفع رواتبهم وسداد مصروفات نقل جثامينهم حين يقتلون في أرض المعركة، أو في الأقل مواراتها التراب أو حرقها حيث قضوا، ناهيك بكلفة تجنيدهم واختبارهم حتى وإن تم ذلك افتراضياً.

دور المرتزقة أو المقاتلين المستعان بهم في حروب لا تعنيهم ليس اختراع الأمس، لكن اصطيادهم افتراضياً وتجنيدهم عبر الأثير بل وإخضاعهم لاختبارات للتأكد من مدى قدرتهم على القتال واستعدادهم للموت إن لزم الأمر عن طريق منصات التواصل الاجتماعي، هو الجديد "نسبياً".

عشرات التغريدات بلغات مختلفة، أبرزها الإنجليزية والإسبانية والفرنسية وحتى الفيتنامية، تناثرت قبل أشهر على أثير "تويتر" بدت وكأنها إشارات لنشاط المجموعة "الأمني" مع كثير من السرد للمميزات التي يحصل عليها "الموظفون".

تحركات مماثلة تسلط الضوء على نشاط "المجموعة" شهدته منصة "فيسبوك" عبر فيديوهات "وثائقية" لقدرات المجموعة في التأمين الذي بدا كأنه قتال، وشهادات إيجابية لمميزات العمل تحت مظلة المجموعة ظهرت وكأنها أموال يتم جنيها عبر قتل وتدمير وتفتيت "العدو" الذي يتم تحديده من قبل "المجموعة".

شركة عسكرية خاصة

مجموعة "فاغنر" لم تظهر اليوم أو أمس أو حتى قبل 484 يوماً هي عمر الحرب الروسية على أوكرانيا حتى الآن، وبعيداً من التغير المذهل والمفاجئ والعنيف في موقف المجموعة من كونها "جيشاً روسياً موازياً ومحققاً لأهداف الكرملين ومخططات الرئيس الروسي وطموح أو أطماع روسيا الجيوسياسية والعسكرية" من دون الإعلان عن ذلك جهراً، إلى قوة عسكرية متمردة على النظام الروسي، وبعيداً من علامات الاستفهام والتعجب من هذا التحول المفاجئ الذي ربما ينبئ بأن "أحدهم" دفع أكثر فتم تحويل الدفة، تبقى مجموعة "فاغنر" منذ تأسيسها نموذجاً متفرداً في عوالم التجنيد والتوظيف والتنظيم.

ربما تكون أيام الحرب في أوكرانيا هي التي سلطت الضوء بشكل أكبر على مجموعة "فاغنر بي أم سي" وعملها، لكنها ومقاتليها وأنشطتها تعود إلى عام 2014. يشار إلى أن "بي أم سي" هي اختصار "Private military company" أي "شركة عسكرية خاصة".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

في ذلك العام، تأسست المجموعة التي توصف بأنها "شبكة مرتزقة" أو "ذراع غير معلنة للجيش الروسي"، على يد زعيمها أو مؤسسها وهو يفغيني بريغوجين (62 سنة) الذي أصبح في الأشهر القليلة الماضية أشهر من نار على علم.

ولأن اسم بريغوجين ارتبط قبل "فاغنر" بشركات تملك مطاعم وتوريد الأطعمة، لا سيما في المناسبات الرسمية في الكرملين حتى إن بعضهم وصفه بـ"طباخ بوتين"، لذا فإن ارتباط اسمه بالمجموعة القتالية جاء غريباً بعض الشيء.

لكن الرجلين (بوتين وبريغوجين) ارتبطا منذ تسعينيات القرن الماضي. وكان بوتين وقتها عمدة سان بطرسبورغ، وكان كثير التردد على مطعم يحظى بشعبية بين المسؤولين الروس، وهذا المطعم يملكه بريغوجين.

ثم علا نجم الرجل وكذلك حساباته المصرفية، إذ توسعت أعماله وأبرم عديداً من العقود لتوريد الطعام إلى مدارس وشركات وكذلك مؤسسات عسكرية. وتشير تحقيقات صحافية غربية إلى أن قيمة هذه العقود تعدت ثلاثة مليارات دولار أميركي.

البداية في القرم

أولى المهام العلنية للمجموعة القتالية كان في شبه جزيرة القرم عام 2014. فمقاتلوها –الذين كانوا يرتدون ملابس عسكرية رسمية- ساعدوا القوات الانفصالية التي تدعمها روسيا للسيطرة على المنطقة. وعلى ما يبدو فإن الحاجة وقتها لتجنيد مقاتلين أجانب لم تستدع طرق أبواب منصات التواصل الاجتماعي للبحث عنهم.

لكن الحاجة إلى أعداد أكبر من المقاتلين وغير المقاتلين في الجانب الروسي ظهرت مع استمرار حرب أوكرانيا. في البداية ملأ المسجونون الفجوة القتالية، ولعب بريغوجين دور "مكتشف المواهب" في السجون، وعرض عليها مميزات الالتحاق بصفوف المقاتلين بدءاً باكتساب المكانة في المجتمع، مروراً بالمال، وانتهاء بالعودة إلى بيوتهم (إن لم يقتلوا) بصحف جنائية بيضاء.

لكن ظلت الحاجة إلى مزيد من المقاتلين قائمة، لذلك لم يكن هناك أفضل من الأثير العنكبوتي ساحة لصيد الكوادر الواعدة وتجنيد أصحاب المهارات والراغبين في القتال لغرض القتال.

تجنيد المقاتلين عبر منصات الـ"سوشيال ميديا" ليس بالأمر السهل. لأن قواعد الاستخدام وأدوات الإبلاغ تمكن المستخدمين العاديين من تكثيف الشكوى حتى يتم النظر فيها وإزالتها من قبل شركات مثل "فيسبوك" وغيرها.

لذلك فإن "فاغنر" اقتحمت منصات الـ"سوشيال ميديا" بكل قوتها ولكن بطرق ملتوية وغير مباشرة. صحيفة "بوليتيكو" الأميركية أجرت بحثاً استقصائياً اكتشفت من خلاله أن المجموعة تستخدم "تويتر" و"فيسبوك" للعثور على أصحاب المواهب والمهارات القتالية، لا سيما ممن يبحثون عن فرصة عمل أو المتعطشين لتأمين دخول كبيرة ولو موقتاً، إضافة إلى أطباء ومشغلي طائرات مسيرة وعلماء للمساعدة في شن العمليات القتالية التي تقوم بها المجموعة.

وجد البحث أن إعلانات "الوظائف" تم الاطلاع عليها في عديد من الدول بلغات عدة. أما صيغة الإعلانات فقد اتخذت طابعاً وثائقياً لأعمال المجموعة "التي تدعو إلى الفخر" تارة، ومبهماً تارة أخرى حيث "لو كنت تجد في نفسك مواهب كذا، وتمتلك معارف ومهارات في كذا، وترغب في الحصول على راتب شهري يبلغ 240 ألف روبل (نحو ثلاثة آلاف دولار أميركي) وتأمين صحي، فيمكنك الاتصال بنا عبر (تيليغرام) أو (في كي)، وهي منصة توصل اجتماعي روسية، أو على (واتساب) على أرقام كذا".

مزرعة الترول

اللجوء إلى الـ"سوشيال ميديا" لم يكن معضلة لـ"فاغنر". ويكفي أن بريغوجين هو كذلك الأب المؤسس لـ"وكالة بحوث الإنترنت" أو "مزرعة الترول"، وهي مؤسسة هدفها استخدام الـ"ترولز" للتدخل في وتوجيه الآراء السياسية واتخاذا القرارات والانتخابات. والترول أو المتصيد هو من يسهم برأي أو تعليق لا يعبر عنه بالضرورة، بل هو صميم عمله الذي يهدف إلى توجيه الرأي العام أو قلب دفة التعليقات أو تسيير التوجه العام في اتجاه بعينه.

بريغوجين الذي يعتقد أنه العقل المدبر لتجنيد وتوظيف المقاتلين عبر إعلانات غير مباشرة ومكتوبة بحنكة وحرفية على "فيسبوك" و"تويتر" لانتقاء العناصر اللازمة لتغذية "فاغنر" في الآونة الأخيرة، لم ينكر "صلته" بمزرعة "الترول"، إذ قال في بيان شهير عقب مطالبة جهات إعلامية عديدة له بالتعليق على صلته بالوكالة التي يعتقد بشدة ضلوعها في التأثير في نتائج الانتخابات الرئاسية الأميركية التي أتت بدونالد ترمب رئيساً عام 2017 "لم أكن ممولاً لوكالة أبحاث الإنترنت من قبل. لقد اخترعتها، صنعتها، تمكنت من إدارتها لفترة طويلة. وتم تأسيسها لحماية فضاء المعلومات الروسي من الدعاية العدوانية الفاضحة للرواية الغربية المعادية لروسيا".

مطلوب لاعبين مهرة

"الرواية الغربية المعادية لروسيا" توقفت كثيراً عند إعلانات "فاغنر" غير المباشرة لتجنيد مقاتلين عبر الـ"سوشيال ميديا". جهود عديدة أسفرت عن إزالة غالبية هذه الإعلانات من على "فيسبوك" و"تويتر"، لكن على "تيليغرام" و"VKontakte" (منصة السوشيال ميديا الروسية)، فإن الإعلانات تتواتر بشكل معتاد. وأحدث هذه الإعلانات نشر قبل أيام يطلب فنيين وتقنيين لتسيير طائرات من دون طيار. ويشترط في المتقدمين أن تتراوح أعمارهم بين 21 و35 عاماً، ويتمتعون بلياقة بدنية جيدة وإلمام باستخدامات الكمبيوتر.

الجديد في الإعلانات هذه الأيام هو البحث عبر المنصات العنكبوتية أيضاً عن لاعبين ماهرين متخصصين في ألعاب الكمبيوتر من تلك الفئة التي تمضي ساعات طويلة مثبتة فوق مقاعدها، وحبذا لو يتمتعون بمهارات عالية في استخدام "عصا التحكم" "Joystick"، مع إشارة إلى أن المشاركة في العمليات العسكرية ليس إجبارياً.

أنشطة "فاغنر" على منصات التواصل الاجتماعي لم تولد من رحم حرب أوكرانيا، لكنها تعود إلى سنوات تدخل المجموعة في عديد من دول عربية وأفريقية، لكن عمل المرتزقة في هذه الدول لم يلفت انتباه العالم بالقدر الكافي، أو يقابل بالانزعاج الذي يليق بطلب مقاتلين وفنيين يقتلون بحسب الطلب.

فمن سوريا إلى ليبيا ومنها إلى السودان، حيث تشابهت مهام مقاتلي "فاغنر" لتأمين المصالح وقتل من يقف حجر عثرة أمام تحقيقها، إلى عديد من الدول الأفريقية مثل أفريقيا الوسطى ومالي وغيرهما، تنتشر أنشطة "فاغنر" القتالية وغير القتالية عبر موظفيها، سواء المتعاقد معهم بصفة دائمة أو "بالقطعة"، حيث حرب هنا أو صراع هناك، والعبرة بحجم الدمار، والمكافأة بحسب الخراب.

"دمار وخراب وقتال" كانت كذلك الشروط الوظيفية التي بحث عنها تنظيم "داعش" وقت كان في أوج نشاطه وانتعاشه. وسيكتب التاريخ أن هذا التنظيم استغل شبكة الإنترنت كما لم تستغل من قبل، واستخدم منصات التواصل الاجتماعي استخداماً يمكن اعتباره نبراساً تسير على هديه الجماعات والمجموعات والتنظيمات التي تعتمد في عملها على القتال المموه بأهداف "سامية"، والعنف المزين بنعوت "الحق" و"الخير" و"العدل" و"الكرامة".

فراغات الـ"سوشيال ميديا"

نفذ تقنيو "داعش" من فراغات تركتها شركات الـ"سوشيال ميديا"، أو ربما فات عليها ضبطها. وكان للتنظيم مسؤولون مهمتهم التجنيد والتوظيف عبر التغريد والتدوين ونشر الصور ومقاطع الفيديو وحتى أناشيد "داعش" وأشهرها "أنشودة صليل الصوارم".

لم يترك التنظيم منصة "سوشيال ميديا" إلا وطرق أبوابها واستغل إمكاناتها ونجح في تجنيد شباب وشابات من مشارق الأرض ومغاربها عبرها. ومر "داعش" بما مرت به "فاغنر" في ما يختص بمشارق الأرض. فحين كان التجنيد والقتال والحرب والصراع والقتل في المشارق دون المغارب، كانت صيحات التحذير وموجات التنديد ومطالب التطويق في أضيق الحدود، لكن حين امتد الأثر إلى المغارب عبر نجاح النشاط العنكبوتي لـ"داعش" في تجنيد آلاف الشباب والشابات من الدول الأوروبية للانضمام إلى صفوفه، تغيرت المواقف وأعيد ترتيب أوراق المواجهة.

يشار إلى أنه في الوقت الذي كان عديد من الدول العربية يجري تفتيتها والعبث بشعوبها وأمنها من قبل منصات التواصل الاجتماعي، كانت المنظمات الحقوقية الغربية تدافع بكل ما تملك من قوة عن حريات الإنترنت غير المحدودة، وحق الجماعات والمجموعات في "حرية الإبداع" و"حرية التفكير" على أثيرها.

شميمة وقديرة وأميرة

قضية "شميمة" و"قديرة" و"أميرة" –فتيات "داعش" البريطانيات الثلاث اللاتي سافرن من بريطانيا إلى تركيا ومنها إلى سوريا حيث أصبحن عرائس داعشيات- مثال ضمن آلاف الأمثلة. فالبريطانية شميمة بيغوم الملقبة بـ"عروس داعش المراهقة" تظل هي الأشهر بسبب حلقة القضايا المفرغة التي خاضتها أمام بريطانيا التي جردتها من جنسيتها ورفضت عودتها إليها.

تبحر تقرير حكومي أميركي عنوانه "مواجهة سفر الإرهابي والمقاتل الأجنبي"، صدر قبل سنوات قليلة، في كيفية استخدام التنظيم لتكنولوجيا القرن الـ21 ليس فقط للترويج لأفكاره، ولكن في جذب وتجنيد "مقاتلين" انضموا لصفوفه على مدار سنوات "عمله" في دول عدة أبرزها سوريا والعراق وليبيا وغيرها. ويشار إلى أن "داعش" نجح بفضل آلته الإعلامية الكبيرة وحنكة أذرعه العنكبوتية في جذب ما يزيد على 25 ألف إرهابي أجنبي، ربعهم تقريباً من دول أوروبا وأميركا الشمالية.

يمكن القول، إن الأمور اشتعلت أو انتعشت طردياً مع اشتعال وانتعاش حملات تجنيد الشباب والشابات سواء عبر منصات التواصل الاجتماعي أو من خلال الرسائل المباشرة الخاصة عبر منصات مثل "واتساب"، ولكن بعد اصطياد الإرهابيين عبر الأثير المفتوح.

تدوينات جذابة بالإنجليزية والفرنسية والإسبانية وغيرها عن قرب ظهور الحق، وإعلاء كلمة الله والإسلام، صداقات فيسبوكية تتدرج من التعارف والتصادق إلى الحديث عن قرب سقوط دول الكفر ومعابد الزنادقة وإعلان دولة الخلافة، تغريدات تحمل وعوداً "مؤكدة" بإمكانية تحقيق حلم الجنة لمن أراد، ولمن رفض ظلم الأرض وفسق من عليها واختار طريق الحق، طريق الدولة التي اختزلت عقوداً من التطرف والعنف والقتل والدمار في نحو عقد من الزمان هو عمر تأسيسها.

مواصفات الداعشي لم تختلف كثيراً عن مقاتل "فاغنر" من حيث القدرات الجسدية، وحبذا لو أن هناك مهارات قتالية. أما المميزات فمتطابقة، بدءاً بحفنة الدولارات وانتهاء بوعد الدفن بكرامة. ربما الاختلاف يكمن في وعد "داعش" بالجنة، واختفاء هذا البند من "فاغنر".

عصر الذكاء الاصطناعي

إنه عصر الذكاء الاصطناعي والـ"سوشيال ميديا" الذي قلب الموازين واختصر عديداً من الطرق والسبل. 10 سنوات في عمر الإنترنت والـ"سوشيال ميديا" ليست بالأمر الهين، لا سيما أن الشبكة العنكبوتية معترك يحتوي على مئات وربما آلاف الجماعات والمجموعات، منها ما يحض على العنف أو التطرف أو التشدد، ومنها ما يبحث عن مقاتلين وفنيين مستعدين للضلوع في حروب بالوكالة أو قابلين لغسل الدماغ وخوض معركة يسمونها "معركة السماء على الأرض".

وكلما خطت منصات التواصل الاجتماعي خطوة، فإنها (الجماعات) تخطو معها وربما تسبقها. وليست إعلانات التجنيد غير المباشرة إلا أداة ضمن أدوات عدة لمجابهة سبل الإبلاغ والسيطرة على خطاب التطرف والتشدد والعنف.

يشار إلى أنه مع تشكيل "داعش" في العراق، وصف التنظيم نفسه بأنه حركة جهادية "إبداعية". وتشير الباحثة في شؤون التطرف روبين توروك في ورقة عنوانها "تنظيم داعش ومؤسسة تجنيد الإرهابيين عبر الإنترنت" (2015) إلى أن الـ"سوشيال ميديا أصبحت وسيلة لمأسسة الشبكات الاجتماعية وتنميتها وجذب مجندين للجماعات عبر نشر قصص وروايات تتسم بقوة الإقناع والقدرة على التأثير بلغات عدة. ولا يمكن وصف حملات التجنيد وصيد من يلتمس فيهم القدرة أو الرغبة أو التركيبة النفسية المؤهلة للتطرف أو خوض مضمار الإثارة والمغامرة، وهي الحملات التي اتبعها داعش على مدار سنوات، إلا بالنجاح الكبير".

ومن نجاح "داعش" الكبير في تجنيد الإرهابيين عبر الـ"سوشيال ميديا" إلى نجاح "فاغنر" الكبير في تجنيد المقاتلين، تظل الجماعتان أو المجموعتان مختلفتين ومتشابهتين في الوقت نفسه. ربما تختلفان في الغاية من القتال والكلمات والعبارات المستخدمة لدغدغة المشاعر الملتهبة والجيوب الخاوية، لكن يبقى النجاح واحداً، وباب التجنيد مفتوحاً، حتى وإن خفت نجم "داعش" لأسباب ما، أو تقلص نشاط "فاغنر" إلى حين.

اقرأ المزيد

المزيد من تحقيقات ومطولات