Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ما هي الرسالة التي يحملها الفيلم الوثائقي "نووي الآن"؟

أوليفر ستون: "أسوأ سيناريو ذري وقع في تشيرنوبل، لكن كم عدد الذين ماتوا بالفعل؟"

أوليفر ستون: "وثقت في كلمات جين فوندا وبروس سبرينغستين، إنهم أبطال، لذا انضممت إلى وجهات نظرهم" (غيتي)

ملخص

يؤكد كل من مخرج ومنتج الفيلم الوثائقي أن الطاقة النووية هي الطريق العملي الوحيد نحو مستقبل صديق للبيئة وبقاء جنسنا البشري

يتردد دائماً أن العالم سينتهي لو وقعت حادثة نووية، لكن أوليفر ستون يقول إن هذا هراء. يركز أحدث عمل لـ ستون، وهو فيلم وثائقي بعنوان "نووي الآن" Nuclear Now على موضوع الطاقة النووية الضخم والمرهق. بنى المخرج الحائز على جوائز أوسكار عدة سمعته على عنصري المفاجأة والإفراط: ككاتب سيناريو في فيلم الجريمة العنيف الملحمي "سكارفيس" Scarface، وكمخرج في فيلم الدراما الدموي عن حرب فيتنام "فصيلة" Platoon، وفيلم "وول ستريت" Wall Street الذي يهجو الجشع في فترة الثمانينيات؛ وفيلم "جون أف كيندي" JFK الذي يبلغ طوله 3 ساعات والذي يروج لنظرية المؤامرة. على كل حال، فإن مشروعه الأخير هو عمل تحقيقي من دون أي إضافات كمالية.

التقيت بـ ستون وفرناندو سوليتشن، منتج "نووي الآن" في أحد الفنادق في وسط لندن. كانا في زيارة إلى إنجلترا من أجل حضور بضعة عروض خاصة للفيلم وبدآ الحديث بالبحث في فعالية الليلة السابقة. على خلاف العادة، لا يتعلق أي جزء من حوارنا حقاً عن مدى استمتاع الحضور بالفيلم كعمل سينمائي، ولكن عن كيفية تلقي الجمهور لجدلية الفيلم. إنه أمر منطقي، إذ إن "نووي الآن" هو عبارة عن بيان بصيغة سينمائية. يحمل الوثائقي رسالة قوية، ولا يضيع كثيراً من الوقت في التطرق إلى وجهات نظر بديلة. يؤكد الرجلان أن الطاقة النووية هي الطريق العملي الوحيد نحو مستقبل صديق للبيئة وبقاء جنسنا البشري.

يوضح ستون: "كنت شاباً في السبعينيات والثمانينيات... صدقت ما كانت تقوله جين فوندا، ورالف نادر، وبروس سبرينغستين. لقد كانوا أبطالاً – لذلك وافقتهم الرأي. لكن مع تعمق الوضع ومرور السنين... مر أكثر من 20 سنة منذ حلول عام 2000، وما زالت 84 في المئة من طاقة العالم تأتي من الوقود الأحفوري". لم يعد ستون شاباً بالطبع – إنه في الـ 76 تحديداً – ويمكنك الشعور بأن العالم قد أرهقه. لكنه عندما يتحدث، تكون نبرته تشاؤمية. يتابع: "من الواضح أنني لن أكون هنا في عام 2050... لكن أبنائي، وأحفادي كما آمل، سيكونون موجودين".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

يؤكد المدافعون عن الطاقة النووية على الكلفة الرخيصة نسبياً للتكنولوجيا وقابليتها للتوسع وموثوقيتها - على عكس طاقة الرياح أو الطاقة الشمسية، فإن ناتجها لا يخضع لتغيرات الطقس أو دورات النهار والليل. يؤكد لي سوليتشن: "نحن لا نقول إن [هذه الطاقات النظيفة] سيئة... ولكن من أجل تشغيل الشبكة الكهربائية في إنجلترا بالرياح الموجودة هنا أنت بحاجة عملياً إلى إحاطة جزيرة بريطانيا العظمى بأكملها بالتوربينات".

ليس هذا الكلام دقيقاً تماماً. بفضل كونها جزيرة في شمال المحيط الأطلسي، تمتلك بريطانيا أفضل الموارد الطبيعية لتوليد طاقة الرياح والأمواج والمد والجزر في أوروبا. وهي توفر بالفعل حوالى ربع حاجاتها من الطاقة من الرياح، كما أنها ملتزمة برفع قدرتها إلى 50 غيغا واط بحلول عام 2030 (تزيد ذروة الطلب في الوقت الحالي على 60 غيغا واط). لكن المملكة المتحدة ليست بلداً قياسياً بأي حال من الأحوال.

يرسم سوليتشن الجالس بجوار ستون ابتسامة مؤدبة ويبدو بشكل ملحوظ كشخص أقل ترويعاً من محارب قديم من حرب فيتنام. لكن اهتمامه بالجدلية النووية لا يقل عن رفيقه. يقول: "نأمل في أن نحدث تأثيراً طفيفاً في آراء الناس... يتغير المناخ [في كل مكان]. الجو حار جداً الآن، هناك فيضانات في إيطاليا، أعاصير... إنه هنا وهناك، بينما الناس لاهون مثل ركاب تيتانيك الذين كانوا يواصلون الرقص وهي تغرق".

هذا ليس أول تعاون بين سوليتشن وستون، حيث انضم المنتج الأرجنتيني إليه سابقاً في مشاريع حول إدوارد سنودن وهوغو تشافيز وفيدل كاسترو والأكثر شهرة - فلاديمير بوتين (سنتطرق إلى هذا بعد قليل). يقول: "أنا ذلك الشخص الذي يجب أن يؤيد رؤية أوليفر ويحققها".

انجذب ستون إلى القضية النووية بعد قراءة كتاب "مستقبل مشرق" لـ جوشوا غولدشتاين وستيفان كفيست، وهو كتاب غير خيالي تم تحوليه في النهاية إلى "نووي الآن". تساءل في البداية ما إذا كان تحويله إلى عمل درامي ممكناً، ووصل بالفكرة إلى مرحلة الاتفاق مع الجهات المنفذة. يقول: "كانت فكرتي أن أجعله يدور حول عالمة، لأن العالمات يحظين بشعبية هذه الأيام - عالمة أنثى لديها تابع رجل أو شيء من هذا القبيل". يرسم ستون ابتسامة مجنونة قبل أن يتابع: "ومن أجل الحفاظ على الطاقة النووية، يتعين عليها بشكل أساسي أداء حيل كتلك التي يقوم بها توم كروز".

بشكل غير مفاجئ، لم تثمر هذه الفكرة. في حين أثبتت نهاية العالم النووية نجوعها كأداة في الحبكات الدرامية الساخنة في أفلام الكوارث مثل "دكتور سترينجلاف" Dr Strangelove أو "متلازمة الصين" The China Syndrome (يشار إليهما بشكل خاطف في ’نووي الآن’)، فإن حقيقتها المجردة والواقعية ليست مادة سينمائية ترفيهية حقاً.

لذا في النهاية، اختار صانعا الأفلام ما يسميه ستون فيلماً وثائقياً "غير تقليدي... لأننا نستخدم كثيراً من اللقطات غير المتقنة والقبيحة من الأرشيف. كان علينا القيام بذلك، إذ لا يوجد شيء آخر، لا لقطات أخرى. وهكذا، حاولنا دمج المقابلات وأجزاء من اللقطات القديمة الرائعة، لكن مشاهدة بعضها كانت صعبة جداً". يتضمن "نووي الآن" أيضاً إضافات تصويرية متواضعة، وظهوراً موزعاً على مدار الفيلم لـ ستون نفسه، ودراسات حالة - بما فيها نظرة مباشرة على البنية التحتية النووية لروسيا.

بعد مضي بعض الوقت من مقابلتنا، تضايق ستون من محادثة آتية من طاولة قريبة ("أكره صوت ذلك الرجل!"). لذلك، هربنا إلى غرفة أكثر خصوصية. هنا، الأرائك بعيدة من بعضها بعض الشيء؛ يتحرك من جلسته ويمد رقبته إلى الأمام في محاولة لسماع أسئلتي. أنا، وكما يقول جيري ساينفيلد، "متكلم منخفض الصوت" نوعاً ما. أفكر للحظة في سؤال ستون عن مسلسل "ساينفيلد" Seinfeld – العمل الذي سخر من فيلمه "جون أف كيندي" بشكل لا يُنسى – لكنني أتراجع عن الفكرة، فالأجواء السائدة في الغرفة جادة، ويخشى جزء مني من أنه قد ينفجر غضباً في وجهي.

أضطر نوعاً ما إلى الصراخ لطرح سؤالي التالي: ماذا عن أخطار الانهيار النووي؟ أسوأ السيناريوهات؟ هل هذه مخاطر نحتاج إلى التصالح معها ببساطة؟ يجيب: "السيناريو الأسوأ حدث بالفعل. لقد حدث انفجار نووي في تشيرنوبيل، وتسرب إلى جميع أنحاء شمال أوروبا. لكن كم عدد الأشخاص الذين ماتوا بالفعل من جراء ذلك؟". الرقم الذي قدمه هو حوالى 4000. (بعض التقديرات أعلى بكثير؛ حيث تحسب الضرر طويل المدى عبر القارة، وبطبيعة الحال فإن تضمين العدد الذي لا يحصى من العوامل الأخرى هو عمل ضبابي). يجادل بأن الرقم ضئيل مقارنة بالخسائر الناجمة عن صناعة الفحم.

في هذه الأثناء، يحرص سوليتشن على إبعاد صورة الطاقة النووية عن فكرة القنابل وسحب الفطر. يقول: "يخلط الناس بين الطاقة النووية والأسلحة النووية – هما شيئان لا علاقة لهما ببعض. إنهما يأتيان من الأصل نفسه، لكنهما شيئان مختلفان. يستخدم أحدهما للطاقة والآخر لخلق دمار شامل".

يشيد ستون بالاستثمار النووي الروسي، والتزام روسيا ببناء مفاعلات جديدة وتصديرها إلى "دول العالم الثالث". بالنسبة لـ ستون، فإن "المشكلات السياسية" التي يواجهها الغرب مع روسيا (والصين التي تظهر أيضاً علامات على وجود نيات نووية) تشكل عقبات أمام التقدم. يتابع: "كل الخلافات السياسية في العالم معقدة... كنا ننظر حقاً إلى الصورة الأوسع هنا. نحاول القول، انظروا، نحن في القارب نفسه". في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، تعهدت المملكة المتحدة بتقديم دعم بقيمة 700 مليون جنيه استرليني لمحطة "سايزويل سي" النووية الرئيسة الجديدة على ساحل بحر الشمال، ما دفع الصين، التي كانت مالكة أسهماً كبيرة في السابق، إلى الخروج من الصفقة.

بعد إصدار وثائقي "مقابلات بوتين" The Putin Interviews في عام 2017، وُصف ستون بأنه مدافع عن بوتين، حيث أشاد بالزعيم الروسي الدكتاتوري في مناسبات عدة، على رغم أنه انتقد بعض أفعاله منذ الحرب مع أوكرانيا. يقول ستون: "في ذلك الوقت، كان بوتين العدو المزعوم، وكانت نظريتنا ’دعونا نعرف العدو’". ووصفت السلسلة المكونة من أربعة أجزاء، والتي أنجزت بعد اختزال مقابلات مدتها 30 ساعة مع الرئيس الروسي، كمصدر "لا يقدر بثمن" لدراسة الرجل.

يقول ستون بنبرة صاحب الإنجاز: "كنا أول سلسلة ناطق باللغة الإنجليزية تسمح بالفعل لـ (بوتين) بالتحدث بصوته... إذا نظرت إلى الأعمال الأميركية التي تصنع عنه، فإنها دائماً ما تقارن بالسينما الإيطالية الرديئة من الخمسينيات. يستعينون بممثل يتحدث بصوت مثل دب روسي أجش وفظ، بينما هو ليس هكذا. على العكس، إنه شخص راق للغاية يتحدث بهدوء ومنطق".

كان العثور على التمويل الأولي، ثم التوزيع لاحقاً لـ "نووي الآن" شاقاً. كان الضرر الذي ألحقته "مقابلات بوتين" بسمعة ستون في الغرب كبيراً. من المنطقي افتراض أن هذا كان جزءاً من السبب الذي جعل ستون وسوليتشن يواجهان صعوبة في تمويل "نووي الآن". لكنه لم يكن السبب الوحيد بأي حال من الأحوال. يجادل الرجلان بأن هيمنة سلاسل "الجريمة الحقيقية" على غرار ما تقدمه "نتفليكس" تخنق بيئة الوثائقيات وتجنب مزيداً من العروض غير الخيالية الثقيلة.

يقول ستون: "القتلة هم المادة الرائجة... على نمط سلسلة تايغر [تايغر كينغ Tiger King]. لكنها لا تتناول المواضيع المهمة من الناحية الجيوسياسية. أعتقد أن هناك تحيزاً، وأعتقد أنهم قلقون حيال الجانب الترفيهي في القضايا النووية. كما تعلم إنهم يتساءلون ’أين هو النجم؟’".

لكن بالنسبة إلى المدافعين عن الطاقة النووية، هناك بوادر تفاؤل. يشير سوليتشن إلى موجة جديدة من المشاهير المهتمين بالبيئة والذين يبدون معادين بدرجة أقل للقضايا النووية، مثل ليوناردو دي كابريو. يقول: "أعتقد أن الرأي العام بدأ يتبدل... لما كنا نصنع الفيلم، كان تمويله صعباً جداً، بسبب السمعة السيئة للطاقة النووية ونقص المعلومات. لم يرغب الناس حتى في الاستماع إلى ما نقوله. لكن الآن، وبسبب الأدلة العلمية، بدأت الأمور تتغير".

"نووي الآن" عمل مقنع، لكن المشككين من الواقفين على طرفي الطيف البيئي السياسي عارضوا بعض تأكيداته. بالنسبة لشرائح سكانية واسعة، عندما يتعلق الأمر بالطاقة النووية، ما زالت غير قادرة على اتخاذ قرار. لكن وقت المداولات يتسرب مثل الماء من بين أصابعنا.

سيعرض "نووي الآن" على الجمهور في المملكة المتحدة في وقت لاحق من هذا العام.

© The Independent

المزيد من سينما