ملخص
لم يخيب العمل الظنون بفعل اللهفة والحنين العاطفي نحو بيروت، بل جاء واحداً من أبسط وأفضل الأفلام التي عرضت بالمهرجان حتى الآن بشهادة الجميع، ونجح العمل في أن يضفي السعادة وسط المعاناة، حتى وصفه البعض بأنه أيقونة تستحق أن تمثل لبنان.
لم يكن الفيلم اللبناني "أرزة" الذي عرض بمهرجان القاهرة السينمائي منذ ساعات مجرد شريط سينمائي، بل رسالة من لبنان عبر المهرجان العريق في وقت شديد الحساسية بالنسبة إلى الجميع.
منذ المشاهد الأولى لـ"أرزة" عانق الجميع الاشتياق إلى بيروت وشوارعها وحكاياتها التي طغت عليها أحزان الحرب والخطر، ولم يخيب العمل الظنون بفعل اللهفة والحنين العاطفي نحو بيروت، بل جاء واحداً من أبسط وأفضل الأفلام التي عرضت بالمهرجان حتى الآن بشهادة الجميع، ونجح العمل في أن يضفى السعادة وسط المعاناة، حتى وصفه البعض بأنه أيقونة تستحق أن تمثل لبنان.
الفيلم من إنتاج المخرج المصري علي العربي، وبطولة دياموند بو عبود وبيتي توتل وبلال الحموي، بالاشتراك مع ضيوف شرف مثل فادي أبي سمرة، جنيد زين الدين، فؤاد يمين، إيلي متري، طارق تميم، هاغوب درغوغاسيان، جويس نصرالله، شادن فقيه، ومحمد خنسا. وكتبه فيصل سام شعيب ولؤي خريش، وأخرجته ميرا شعيب في أولى تجاربها السينمائية الطويلة.
دراجة مفقودة أم وطن؟
وسط هذا الانتقال السلس بين بطلة الفيلم "أرزة" وابنها "كينان" يمر لبنان بأحداثه وشوارعه البكر من دون تزيين أو تزييف، ونتعثر بمشكلاته العويصة التي تتفجر من دون أن نشعر بالرسالة المباشرة أو الخطابية التي قد يقع فيها معظم من يريدون إبراز قضية من هذا النوع.
يدور العمل حول "أرزة" وهي أم لبنانية لها ابن واحد وتعيش مع شقيقتها في هدوء، ولا يوجد لها زوج أو عائل، حيث تعمل في بيع الفطائر المنزلية، وتحاول كسب عيشها بالتعاون مع ابنها، فتقوم بشراء دراجة بخارية بالتقسيط لتزيد من حجم انتشار مخبوزاتها، لكن الدراجة تسرق منها فتصطحب "أرزة" الجمهور في رحلة مداها 90 دقيقة عبر شوارع بيروت وأزقتها وسطوحها ومناطقها الفقيرة والفارهة، في رحلة للعثور على دراجتها المسروقة.
يسيطر على الأحداث حلم الهجرة والنزوح لدى الشباب، فلا أمل لأحد إلا الخروج للبحث عن مستقبل أكثر أماناً ورفاهية، بخاصة أن الوطن لم يعد يبشر بالتقدم.
وفي الوقت نفسه، هناك اتجاه آخر تمثله "أرزة" المتمسكة بالعيش في بلدها مهما كانت الظروف والصعوبات، فهي تريد أن تعيش وتموت تحت شمس وطنها.
تلح الأحداث على كثير من القضايا، مثل الواقع الطائفي الذي تضطر "أرزة" للتعامل معه من أجل إعادة الدراجة، أو جلب مزيد من التعاطف والتعاون من بعض المتشددين طائفياً، وكانت المشاهد على رغم دسامة المحتوى تعرض بطريقة خفيفة وكوميدية من دون ضغط أو توجيه ملحوظ.
النجاة من فخ المباشرة
يتسلل العمل برفق إلى قضايا نسائية مهمة، مثل الأم الوحيدة التي يهجرها الزوج والسند ومصدر الرزق، فـ"أرزة" هجرها زوجها من دون أن يترك عنواناً بينما كانت تحمل طفلها الرضيع ولا تزال صبية لم تبلغ 18 سنة، ما اضطرها لتربيته وحدها من دون عون، وكان عليها أن تراعي صحته النفسية بجانب كل مسؤولياتها الأخرى، فاضطرت لتجميل صورة الوالد الغائب إلى أن يتم اكتشاف كل تلك الأكاذيب في لحظة كاشفة تصدم الابن.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
جاء الفيلم لتعزيز كفاح المرأة اللبنانية ونضالها على كافة الأصعدة وسط ظروف حرب وفقر، وفي أعقاب ثورة وانقسامات. وتعددت الإسقاطات السياسية في كثير من المشاهد والجمل الحوارية مع التلويح بمآسي اللبنانيين الذين نُهبت ودائعهم في المصارف، وما ترتب على ذلك من تداعيات دمرت كثيراً من الأسر بأحلامها وأمانها.
كل نساء العالم
وقالت مخرجة الفيلم ميرا شعيب لـ"اندبندنت عربية"، إن رحلة الفيلم صاحبتها منذ سنوات طويلة تقترب من 8 سنوات، "وكانت بداية المشروع فيلم قصير في 2015 تم تحويله في 2017 إلى فيلم طويل، حتى وصلنا إلى 2022 فاستحال (أرزة) إلى فيلم روائي يرتكز على قصة مشوقة، وقد تعاونا مع المخرج المصري علي العربي الذي تحمس لإنتاجه على رغم أن الموضوع لبناني، وأصر على أن يكون الإنتاج عربياً لحبه للمشروع والفكرة بوجه عام".
وتابعت ميرا، "كان يشغلني تقديم لبنان بصورة طبيعية ومن دون تجميل أو رسائل مباشرة أو توجهات في صالح أي تيار سياسي أو ديني أو طائفي، وحتى المشكلات السياسية والاقتصادية الخانقة لم أرد أن أجعلها بطل الأحداث بل أحببت أن أعرض قصة الأم ومعاناتها والمشاعر الإنسانية التي تربط الأسرة والأصدقاء بالبلد والحياة الاجتماعية والشوارع والبيوت، وجعلتهم الأبطال الحقيقيين، وهم أشخاص قد نجدهم في كل دول العالم يمرون بالظروف الإنسانية نفسها بشكل أو بآخر، وكان من الممكن أن تكون (أرزة) أم مصرية أو سعودية أو مغربية تعاني المعاناة نفسها، لكن التفاصيل هنا مغايرة، والشوارع مختلفة، والمشكلات المحلية لا تتشابه بصرف النظر عن الإطار الأساسي وهو المشاعر والمعاناة والروابط العائلية وقضايا المرأة.
على رغم عرضه كثيراً من القضايا، ظهر بالعمل اهتمام خاص بقضايا التعدد الطائفي في لبنان، وكذلك قضية المرأة اللبنانية المعيلة. وهنا تقول مخرجة الفيلم "قصدت عرض مشكلة الطوائف التي يشهدها لبنان ولكن بطريقة كوميدية، من دون التدخل في السياسة بشكل مباشر". مضيفة "بالنسبة إلى مشكلات المرأة فقد قدمت (أرزة) كنموذج للمرأة اللبنانية المناضلة التي تعبر عن أمهاتنا والشخصيات النسائية في عائلاتنا، وهي امرأة بعيدة من الطائفية والسياسة، وهي أيضاً منتمية ومخلصة لعائلتها ووطنها وشعورها الحقيقي وأهدافها، ودؤوبة وقوية تسعى لتحقيق حلمها بإصرار".
شريط ذكريات ومدينة
وكشفت ميرا أنها صورت شوارع بيروت بعفويتها، ليشكل العمل شريط ذكريات للطرقات والبيوت والحارات، حيث مرت كاميرا الفيلم على معظم مناطق بيروت، من الرميل وبرج حمود والمنارة وصولاً إلى أنطلياس والأوزاعي وبدارو.
وقالت ميرا إن حب الناس أثناء التصوير كان حافزاً كبيراً على الحماسة والمواصلة على رغم صعوبة الظروف، كما كانت موافقة نجوم كبار ينتمون لطوائف مختلفة في الحقيقة على المشاركة في دعم العمل والثقة به والمساندة، نقطة فارقة. وقد ظهروا بشكل طبيعي وكأنهم يمثلون أدوارهم من واقع حياتهم اليومية ومناطقهم، وأحيوا هذه التعددية التي تتمتع بها بيروت.
وأشارت بطلة الفيلم الفنانة دياموند بو عبود إلى أن "الوضع الصعب الذي يمر به الوطن العربي، ولبنان وما يتعرض له، جعل الهموم ثقيلة ومفزعة، وربما تم تصوير الفيلم قبل الأحداث الأخيرة لكنه الآن يطرح نفسه كرسالة للعالم عن لبنان وشوارعها وبيوتها التي تتعرض للقصف، لهذا فعرض الفيلم في هذا التوقيت مهم جداً على رغم كل الألم والوجع".
وعن شخصية "أرزة" قالت إنها شعرت منذ قراءة السطور الأولى بأنها تعرف هذه السيدة، فهي تشبهها وتشبه آلاف السيدات العربيات، وكانت الحكايات بسيطة وعميقة والمشاعر صادقة بين الأبطال فخدمت الأحداث بشكل مترابط ظهر على الشاشة ونال الإعجاب، لأن الصدق كان العنصر الأساسي في كل مشهد وكلمة.
وكشف المخرج علي العربي منتج الفيلم أن أرباحه في دور العرض ستخصص بالكامل لمصلحة لبنان، مشيراً إلى أن أحداث الفيلم رسالة حب إلى بيروت وشعب لبنان الصامد أمام الحروب والانتهاكات الإسرائيلية، إضافة إلى أنه تكريم لقوة وروح الشعب الذي يعاني ويتحمل، وخص المرأة اللبنانية التي تتمتع بالشجاعة والأمل عبر التاريخ، وقد تم اختيار الفيلم ليمثل لبنان في الـ"أوسكار"، وقالت لجنة المهرجان إن اختيار العمل سببه أنه يعبر عن روح وصمود الشعب اللبناني.
"متل قصص الحب"
في سياق متصل يشارك بالمهرجان أكثر من فيلم لبناني، أبرزهم فيلم "متل قصص الحب" من تأليف وإخراج ميريام الحاج وإنتاج ميريام ساسين، بطولة جُمانة حداد وجورج مفرج وبيرلا جو معلولي.
وتدور أحداث الفيلم الوثائقي في لبنان، حيث تروي المخرجة في شكل مذكرات أربع أشخاص ما يعانونه خلال أربع سنوات مضطربة مرت على لبنان والأمة ومزقت استقرار الجميع، وسط محاولات للتحرر والخلاص ومعاني البقاء وكيف يمكننا الاستمرار في الحلم على رغم الانهيار.
وقد عُرض الفيلم في مهرجانين في كندا هما مهرجان "هوت دوكس" الكندي الدولي للأفلام الوثائقية، ومهرجان "دوكسا" للأفلام الوثائقية، كما تم عرضه أيضاً في مهرجان "رؤى" من الواقع السينمائي الدولي في سويسرا.