ملخص
صنفت تقارير دولية ليبيا بالمركز الأول عربياً في تعدين العملات الإلكترونية وربط محللون الأسباب برخص كلفة الطاقة الكهربية في البلاد.
ضبطت قوات الأمن في غرب ليبيا، خلال الأيام الماضية معامل عدة تستعمل لتعدين العملات الرقمية في مدن طرابلس ومصراتة وزليتن يديرها ليبيون وأجانب، أغلبهم صينيون، مما أثار النقاش من جديد عن سر انتشار هذه المعامل في البلاد بصورة أكبر من كل دول المنطقة.
مداهمة معامل تعدين العملات الإلكترونية أحالت حديث رئيس حكومة الوحدة عبدالحميد الدبيبة قبل عام عن استنزاف هذه المعامل الكهرباء ولعبها دوراً بارزاً في أزمة تذبذب الشبكة، من مجال للسخرية إلى محل نقاش حقيقي وبحث مستفيض.
معامل ضخمة
أعلن مكتب النائب العام الليبي الصديق الصور ضبط 50 صينياً يقومون بعمليات تعدين للعملات المشفرة بمصنع للحديد في مدينة زليتن، الواقعة على بعد 150 كيلومتراً شرق طرابلس.
وقال المكتب في بيان إن "التحقيقات أكدت الإضرار بالمال العام والمصلحة العامة نتيجة استعمال أجهزة عالية الطاقة ومخالفة لقواعد السياسة النقدية".
وأضاف أن "تحقيقات النيابة أظهرت وجود موقعين آخرين في طرابلس ومصراتة استخدمهما الموقوفون مقراً لهم لممارسة تعدين العملات الرقمية".
في المقابل أفادت إدارة إنفاذ القانون الوسطى التابعة لوزارة الداخلية أنه "جرى ضبط جميع المعدات الإلكترونية التي عثر عليها، واتخاذ كل الإجراءات القانونية حيال الواقعة وإحالتها إلى الجهات المتخصصة".
وأوضحت الإدارة أن "المعدات التي عثر عليها هي منظومة التحويل الرقمية، وكذلك المبردات الخاصة بها والتي تعمل بجهد كهربائي عال، وخلال تفتيش أحد المواقع داخل المزرعة اكتشفوا أن المعادن تصهر داخل هذا الموقع".
تفاصيل العملية
قال مدير المركز الإعلامي بجهاز الاستخبارات الليبية العميد علي السايح، إن "مداهمة مزارع تعدين العملات الرقمية تمت بعد ورود معلومات، جرى التأكد منها في البداية ومتابعتها، وبالتنسيق مع مكتب النائب العام والأجهزة الأمنية الأخرى، وتم القبض على أكثر من 50 شخصاً يحملون الجنسية الصينية وأفراد ليبيين متعاونين معهم اعترفوا بممارسة عمليات التعدين التي تضر بالاقتصاد الليبي".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وبين السايح أن "المداهمات شملت عديداً من المناطق الليبية، مثل مصراتة وطرابلس، وسيتم الانتقال إلى المنطقة الشرقية والجنوبية، لتتبع بعض الخطوط".
من جانبه دعا عضو مجلس النواب عز الدين قويرب إلى "عدم المبالغة والتهويل في قضية ضبط شبكة لتعدين العملات الرقمية المشفرة في المنطقة الغربية".
وتابع قويرب "لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص، وليس من حق أي أحد تجريم الأفعال المباحة من تلقاء نفسه أياً كان وصفه وصفته، فقد تكون الجريمة سرقة كهرباء لعدم وجود عداد للكهرباء، أو عدم وجود ترخيص لا أكثر ولا أقل، وما سوى ذلك هو تعد من السلطة، وتشويه لسمعة أشخاص أو مدن من دون وجه حق، وتضليل للرأي العام من قبل بعض الجهات الضبطية بقصد تحقيق نجاحات وهمية لم تعد تنطلي على العقلاء في كل ليبيا".
إدانة شرعية وقانونية
أما أستاذ الاقتصاد علي الفايدي فاعتبر أن ممارسة تعدين العملات الإلكترونية مدانة شرعاً وقانوناً، ولذلك فهي جريمة تستحق العقاب، مضيفاً "علماء الشريعة اتفقوا على عدم مشروعية التعامل بعملة (بيتكوين) والعملات الرقمية الأخرى للجهالة بمصدرها وعدم وجود ضوابط في تحديد قيمتها، كما أن البنوك المركزية في العالم لم تعترف بها بسبب تأثيرها في السياسة النقدية لها".
وبرر الفايدي انتشار تعدين العملات الرقمية في ليبيا بـ"انخفاض رسوم التيار الكهربائي شبه المعدومة، إضافة إلى الفوضى الأمنية بالبلاد".
يعرف تعدين العملات الإلكترونية المشفرة بأنه العملية التي يتم من خلالها إدخال عملات أو وحدات رقمية جديدة إلى التداول باستخدام أجهزة كمبيوتر متطورة تقوم بعمليات حسابية معقدة للغاية وتستهلك جهداً كهربياً كبيراً وعمليات تبريد مستمرة.
وغالباً ما يخلط السياسيون وكثير من عامة الناس بين مصطلحي "العملات الرقمية"، وعملة "البيتكوين" ويستخدمونهما كمرادفين، على رغم أن الأخيرة هي إحدى العملات الرقمية ولكنها ليست الوحيدة المعروفة.
والعملات الرقمية التي يشار إليها أحياناً بالمشفرة أو العملة الإلكترونية هي عبارة عن أصول رقمية تستخدم في إطلاقها برامج إلكترونية وتطبيقات مكتوبة بلغة برمجة معينة، وباستخدام تقنيات تشفير عالمية مثل تقنية "بلوك تشين" التي تحصنها من عمليات التلاعب.
نقطة البداية
وبدأ الجدل في شأن تعدين العملات الرقمية في ليبيا خلال يوليو (تموز) من العام الماضي، حين حمل رئيس حكومة الوحدة الوطنية الموقتة عبدالحميد الدبيبة، القائمين على عمليات تعدين العملات الإلكترونية في ليبيا مسؤولية التأثير في قدرات الشبكة الكهربائية، وهي تصريحات انتقدها مراقبون وشككوا في صدقيتها.
وقال الدبيبة إن "مصانع عملات (بتكوين) موجودة في ليبيا، و80 في المئة من المعلومات الخاصة بها صحيحة"، مشيراً إلى "صدور تقارير دولية كشفت عن امتلاك ليبيا 0.9 في المئة من قوة تعدين عملة (بيتكوين) في العالم، أي إن هناك ما يتراوح بين 1000 و1500 ميغاواط من الكهرباء تهدر في تلك العملية".
وأضاف "ليبيا بالأساس لديها عجز في إنتاج الكهرباء يصل إلى نحو أربعة آلاف ميغاواط، ورخص كلفة الطاقة فيها جعلها وجهة للشركات والعصابات العاملة في هذا المجال، والتي تستغل غياب القوانين والسلطة التي تمنعهم من استعمال الكهرباء لغرض التعدين".
وكشفت دراسة نشرها، أواخر ديسمبر (كانون الأول) الماضي، مركز السياسات من أجل الجنوب الجديد أن "عدد الأشخاص الذين يمتلكون العملات المشفرة في ليبيا يبلغ نحو 1.30 في المئة من إجمالي السكان عام 2022".
وقدرت الدراسة أعداد متداولي العملات المشفرة في ليبيا بقرابة 54 ألفاً، بناءً على النسبة المذكورة، ويعتقد أن أغلبهم منخرطون في تعدين العملات المشفرة على رغم حظر البنك المركزي الليبي التعامل بها منذ عام 2018.
وقالت وكالة "بلومبيرغ" الأميركية في تقرير لها عام 2021، إن ليبيا تتصدر عمليات تعدين عملة "بيتكوين" على الصعيد العربي بنسبة 0.13 في المئة من الإنتاج العالمي، فيما حلت الصين في المركز الأول عالمياً في حصة التعدين بنسبة 65 في المئة.
ممنوعة من التداول
في عام 2018 منع مصرف ليبيا المركزي رسمياً تداول العملات الرقمية في البلاد، وأصدر بياناً وقتها يؤكد أن "العملات الافتراضية مثل (بيتكوين) ونظيراتها غير قانونية في ليبيا، ولا توجد أية حماية قانونية للمتعاملين بها".
وحذر مصرف ليبيا المركزي في البيان "جميع المواطنين والمؤسسات والشركات من الأخطار الأمنية والاقتصادية للتعامل بالعملات الافتراضية، والتي قد تستغل للقيام بأنشطة إجرامية ومخالفة للقوانين مثل غسل الأموال وتمويل الإرهاب".
وأكد أنه "يجب الحصول على ترخيص وإذن مسبق من مصرف ليبيا المركزي للقيام بأية أنشطة أو تقديم خدمات مصرفية أو مالية، سواء كانت تتعلق بالعملات الافتراضية أم لا".