خلال أقل من شهر احتجز الحرس الثوري الإيراني 3 ناقلات نفط أجنبية، بداية من احتجاز ناقلة ترفع علم بنما في 14 يوليو (تموز)، والتي سرعان ما أُفرج عن طاقمها الهندي، غير أنه بعد 5 أيام، في 19 يوليو، احتجزت طهران ناقلة النفط "ستينا إمبيرو" السويدية التي ترفع علم بريطانيا، للاشتباه في أنها "خرقت قانون البحار الدولي".
غير أن احتجاز "ستينا إمبيرو" جاء بعد 15 يوماً من احتجاز السلطات البريطانية في جبل طارق ناقلة النفط الإيرانية "غريس 1"، التي تم اعتراضها، بحسب لندن، لأنها كانت تنقل نفطاً إلى سوريا في خرق لعقوبات أوروبية على هذا البلد، وهو ما تنفيه إيران.
وفي 4 أغسطس (آب) الحالي، استمرت الاستفزازات الإيرانية في الخليج من خلال عملية الاحتجاز الثالثة لسفينة بزعم أنها كانت تهرّب الوقود في مياه الخليج، بحسب بيان القوات البحرية الإيرانية. لم يستدل حتى الآن على هويّة الناقلة بعد أن نفت وزارة النقل العراقية ما ورد على لسان مصادر مقربة من الحرس الثوري الإيراني بأن الناقلة تابعة للعراق.
هذه الاستفزازات من جانب طهران جاءت جنبا إلى جنب مع التخلي تدريجياً عن التزاماتها في الاتفاق النووي، بعدما هدّدت كذلك بإغلاق مضيق هرمز.
وفي الوقت الذي تسعى فيه الإدارة الأميركية إلى حشد قوى دولية لحماية حرية الملاحة في مضيق هرمز بوجه الأعمال العدائية الإيرانية التي لا تقتصر على احتجاز السفن، وإنما سبقها استهداف 6 ناقلات خلال شهري مايو (أيار) ويونيو (حزيران) الماضيين، ونفت طهران مسؤوليتها، ينتظر العالم ردّاً أميركياً رادعاً.
وعندما وقعت الهجمات الأولى التي استهدفت 4 ناقلات نفط قبالة سواحل الإمارات، في 12 مايو (أيار) الماضي، سرعان ما ردّت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب، بإرسال حاملة الطائرات الأميركية "يو إس إس إبراهام لينكولن" ومجموعتها الهجومية إلى المنطقة، وهو ما ثبت أنه ليس رادعاً.
منذ ذلك الحين اشتعلت حرب التصريحات، وهدّد الرئيس الأميركي مرارا بخيار الحرب، لكن بات جليّاً خلال الأشهر الماضية إحجامه عن هذا الخيار. ويبدو أنه مع تأكد طهران من عدم رغبة ترمب في خوض صراع عسكري، باتت أكثر جرأة وإقداما على استهداف الناقلات لتأكيد نفوذها وهيمنة سلطتها على المضيق الحيوي الذي يمرّ عبره ثلث صادرات العالم من النفط.
وبدا وزير الخارجية الإيراني، جواد ظريف، متحديّاً لترمب في رده على تشكيل مهمة بحرية أمنية بقيادة الولايات المتحدة لحماية السفن التجارية التي تعبر مضيق هرمز، قائلا إن الولايات المتحدة غير قادرة على تشكيل تحالف من أجل حماية السفن التجارية، بل إن "الدول الصديقة لها تشعر بالخجل من أن تكون في تحالف واحد معها، إنهم من جلب ذلك لأنفسهم بخرقهم القوانين عبر خلق التوتر والأزمات".
استفزازات دون رادع
الردّ الإيراني وتصرفاتها على مدار الأشهر القليلة الماضية يعيدنا إلى أمرين، يتعلق الأول بإيران نفسها التي يبدو أنها تواصل الانتظار حتى انتهاء فترة ولاية إدارة ترمب، والصمود أمام العقوبات الاقتصادية التي تشمل استراتيجية "الضغط الأقصى" التي تعتمدها واشنطن، فصعود رئيس ديمقراطي في الانتخابات الرئاسية المقبلة 2020، يعني عودة الولايات المتحدة إلى الاتفاق النووي.
لكن مع ضعف فرص الديمقراطيين في إطاحة ترمب، يبقى الأمر الذي يتعلق بإدارة الأزمة مع إيران منذ بدايتها وسبل ردع النظام في طهران. ويقول مايكل سينغ، الزميل والمدير الإداري لدى معهد واشنطن، إنه "لطالما اعتُبر الرد على الاستفزازات الإيرانية في الخليج والشرق الأوسط الأوسع تحدياً بالنسبة إلى واشنطن.
وحتى لو لم ترد الولايات المتحدة بالقوة على أزمة الخليج الراهنة، فمن غير الواضح ما إذا كان سيتم ردع إيران بسهولة. فمنطق الردع بسيط، ويتمثل في وجوب دفع الخصم إلى الاعتقاد بأن أي تحدٍ سيتم مواجهته بردّ شديد لدرجة تجعل الإجراء الأساسي باهظ التكلفة. ولكن في ظل ممارسة واشنطن (الضغط الأقصى) فعلاً على شكل عقوبات اقتصادية، ومع إشارة الرئيس ترمب بوضوح إلى أنه ليس لديه مصلحة في نزاع عسكري، فقد تشعر إيران بأنها لن تخسر الكثير".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
على مدى عقود، استثمرت الولايات المتحدة مبالغ طائلة في الشرق الأوسط للقيام ببعض المهام، لا سيّما حماية الخطوط البحرية، ولكن لا يبدو أن الرئيس ترمب يعتقد أن في هذه المهمة مصلحة أميركية جوهرية. فعلى الرغم من مساعيه القوية لتشكيل تحالف دولي لحماية حرية الملاحة، لكن يمكن التعرف على رؤيته الحقيقية للإبقاء على التدخل والنفوذ الأميركي في هذه المنطقة، من خلال تغريدة تعود إلى 24 يونيو (حزيران) الماضي، قائلا "تحصل الصين على 91% من نفطها من المضيق (هرمز)، واليابان 62% والعديد من الدول الأخرى مثلهم. لذا لماذا نحمي ممرات الشحن للدول الأخرى لسنوات مقابل صفر تعويض. جميع هذه الدول عليها حماية سفنها الخاصة في رحلة خطرة دائما".
وهي تغريدة لا تختلف كثيرا عن تعليقات سابقة تعود لحملته الانتخابية عام 2016 بشأن ضرورة أن تدفع دول المنطقة تكلفة الحماية الأميركية لها.
انسحاب أميركا يزيد جرأة طهران
ويقول ستيفن كوك، الباحث الزميل لدى مجلس العلاقات الخارجية الأميركي، إنه يجب على أي شخص لا يزال يعتقد أن الولايات المتحدة سوف تتحدى إيران مباشرة أن يعيد قراءة تعليقات ترمب، إنها نذير لما سيأتي في السياسة الخارجية للولايات المتحدة. ويشير في مقال بمجلة "فورين بوليسي" إلى أن الولايات المتحدة تغادر الخليج، ليس هذا العام أو العام المقبل، ولكن لا شكّ أن الولايات المتحدة في طريقها للخروج. وبصرف النظر عن تغريدة ترمب، فإن أفضل دليل على رحيل الولايات المتحدة القادم من المنطقة هو تقاعس واشنطن في مواجهة "استفزازات" إيران.
ولجعل السياسة الرسمية للولايات المتحدة وحلفائها أكثر مصداقية، يرى كوك أنه "كان من المفترض أن يُواجه التهديد الإيراني لحرية الملاحة في الخليج بردّ قاس. وضعت الولايات المتحدة خطة لضمان الأمن في الخليج، ولكن يبدو أنها خطة لبلد يفضّل ألا يتورط في المنطقة. فمن أجل إبقاء الإيرانيين في وضع حرج، ستزود القوات البحرية الأميركية سفنها بأدوات الحماية، في حين أن الدول الأخرى ستكون مسؤولة عن حراسة سفنها التي ترفع علمها. فيما لدى البريطانيين خطط أخرى، إذ إنهم يريدون إنشاء تحالف من القوات البحرية الأوروبية (مع دور أميركي) لمرافقة الشحن في الخليج".
وبحسب كوك "عقدت البحرية الملكية البريطانية اجتماعا في البحرين الأسبوع الماضي مع الفرنسيين والألمان لمناقشة الخطة. لا أحد يريد الحرب، وهناك حجة تدعو إلى أن التصعيد في مواجهة استفزاز الحرس الثوري الإيراني غير حكيم، لكن خطط الأمن البحري هذه لا تبدو جادة".
وبالرجوع إلى تعليقات وزير الخارجية الإيراني على تشكيل قوى دولية لحماية حرية الملاحة، يشير كوك إلى أن "قادة الحرس الثوري الإيراني يفهمون الآن أنهم يستطيعون فعل أي شيء يريدونه في الخليج دون خوف من الانتقام، هذا لأن ترمب أوضح قولًا وفعلاً أن الولايات المتحدة في طريقها للخروج من المنطقة".
التحالف البحري المتأخر
ربما بات هناك ثقة أقل بين الحلفاء في أن واشنطن تعرف ما الذي تفعله حيال إيران أو الاستراتيجية النهائية المرجوة. وبات هناك قلق كبير بين هؤلاء الحلفاء أنفسهم من أنه بعد أن أدت الإجراءات الأميركية الأحادية الجانب (الانسحاب من الاتفاق النووي وإعادة فرض العقوبات)، إلى ردّ استفزازي من طهران، تسعى واشنطن للحصول على دعمهم.
ويرى روجر شاناهان، الزميل لدى معهد لوى للسياسات، في أستراليا، أن "أي تحليل للردود الإيرانية المحتملة على الضغط الأحادي المتزايد من جانب الولايات المتحدة كان ينبغي أن يستنتج أنه في مرحلة ما سترد إيران بتكاليف مجزية على جيرانها لإظهار أن الدعم الواضح الذي لا لبس فيه لحملة (الضغط الأقصى) للولايات المتحدة لم يكن مجانياً. وكانت هجمات مايو (أيار) على أربع سفن تجارية غير محملة في خليج عمان علامة على أشياء مقبلة، وليس من المعقول الاعتقاد بأنه كان ينبغي توقعها كرد فعل قصير الأجل على حملة العقوبات".
ويرى الباحث الأسترالي أن "خطوة تشكل ائتلاف دولي لحماية حرية الملاحة جاءت متأخرة، إذ كان ينبغي لها أن تأتي قبل تصعيد الضغط عبر العقوبات الاقتصادية، لتقييد قدرة إيران على الرد في الخليج. لكن الآن فقط، بعد أن تعرضت 6 سفن للهجوم وإسقاط طائرة أميركية بدون طيار بصاروخ إيراني واحتجاز سفن أجنبية، تحاول الولايات المتحدة إنشاء شكل من أشكال التحالف البحري الإقليمي الذي سيراقب حركة الشحن التجاري في المنطقة، بينما كان لهذا النوع من التحالف متعدّد الأطراف ذي القاعدة العريضة أن يأتي بمثابة مقدمة لنظام عقوبات فعال، وليس فكرة لاحقة".
خيارات انتقامية واجبة
لكن على أي حال، يرى سينغ أنه في حين أن الرئيس ترمب محق في رغبة تجنب الحرب، إلا أن هناك الكثير من الخيارات المتاحة ما بين الحرب والتقاعس. ومن ثم يمكن لواشنطن تطوير استراتيجية في إعداد مجموعة من الخيارات الانتقامية التي يمكن لواشنطن الاختيار من بينها عندما تستهدف إيران المصالح الأميركية، أو مصالح الحلفاء في المرة المقبلة. ويمكن لواشنطن آنذاك أن تعرض هذه الخطط على الحلفاء وتسعى إلى الحصول على دعمهم المسبق إذا ما اضطرت الولايات المتحدة إلى تنفيذها. ولحشد هذا الدعم، يجب على الإدارة الأميركية تعديل الخيارات الانتقامية بدقة بحيث تكون مؤلمة بل متبادلة وغير تصعيدية.
ويشجع من دعم هذه الاستراتيجية أن إيران تُحسن تذكير العالم بأسباب عدم ثقة الولايات المتحدة بها. فقد تحدّى النظام الإيراني التدفق الحرّ للطاقة، الأمر الذي يشكل مصدر قلق رئيس لمعظم الدول. فهو لم يخرق «خطة العمل الشاملة المشتركة» فحسب، بل عُثر أيضاً في حوزته على مواد نووية غير مصرح بها وفقاً لبعض التقارير، في انتهاك محتمل لالتزاماته الأوسع بموجب معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية، أضِف إلى ذلك تدخلات النظام المستمرة في العراق واليمن، والأكثر تدميراً في سوريا، فضلاً عن المخططات الإرهابية التي اتُهم بإعدادها على الأراضي الأوروبية في العام الماضي. هذا ولم تَظهر طهران فعلياً بمظهر ودي مثير للتعاطف.