ملخص
خرج الرئيس البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو من فوضى تمرد فاغنر باعتباره الرابح الأكبر ليؤكد رسوخ أهميته بالنسبة إلى بوتين وإلى التراتبية الهرمية الروسية
كانت المحادثات بين الرجلين "صعبة للغاية"، "وقد باشرا من فورهما بتبادل الألفاظ النابية التي يندى لها الجبين. وكانت المحادثة صعبة، وذكورية بحسب ما قيل لي".
هذا ما جاء على لسان مروج الدعاية السياسية البيلاروسي فاديم جيغين في وصفه للمفاوضات بين رئيس بلاده، ألكسندر لوكاشينكو، ويفغيني بريغوجين [زعيم مرتزقة فاغنر]، التي أنهت المحاولة الانقلابية غير العادية في روسيا بعد 24 ساعة حافلة بالاضطراب.
الصفقة التي توصلوا إليها، التي وافق الكرملين بموجب شروطها على إسقاط التهم الجنائية بحق بريغوجين وأعضاء مجموعة المرتزقة الذين شاركوه التمرد، جنبت البلاد حرباً أهلية كارثية، ويمكن القول إنها جنبت فلاديمير بوتين السقوط.
وقال المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف إن الرئيس البيلاروسي كان يعرف بريغوجين منذ عقدين، وأن الرجلين كانا صريحين مع بعضهما بعضاً، وأن هذه المعرفة ساعدت في تأمين وقف إطلاق النار ومنع المزيد من إراقة الدماء.
وسط هذه الفوضى، خرج لوكاشينكو باعتباره الرابح الأكبر ليؤكد رسوخ أهميته بالنسبة إلى بوتين وإلى التراتبية الهرمية الروسية، ومن الممكن أيضاً أن ينتهي به الأمر إلى تشكيل جيشه الخاص إذا تبع عدد كبير من مقاتلي فاغنر بريغوجين إلى بيلاروس في إطار الاتفاق.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
في حديثه في العاصمة مينسك عن دوره في إنهاء الأزمة، كان الرئيس البيلاروسي مثالاً للتواضع. وقال للصحافيين: "لا يجب أن تجعلوا مني بطلاً في أية حال من الأحوال". وأضاف أنه لم يكن هناك أبطال في ما حدث: "لقد اصطدم شخصان قاتلا في الجبهة، وسمحنا للوضع بالانزلاق من بين أيدينا ثم اعتقدنا أنه سيحل نفسه بنفسه، لكن ذلك لم يحدث ".
كان لوكاشينكو قلقاً للغاية من احتمال امتداد الصراع بين فاغنر والقوات الروسية إلى بلاده لدرجة أنه أمر جيشه وشرطته بأن يكونوا في حال تأهب. لكن ومع تقدم قوات فاغنر لمسافة 120 ميلاً فقط من موسكو، أصدرت الحكومة في مينسك بيانا قالت فيه إن لدى الرئيس البيلاروسي "خياراً مفيداً ومقبولاً تماماً لحل الوضع".
من المؤكد أن النتيجة كانت لصالح لوكاشينكو الذي تعززت حظوظه الآن، فقبل ثلاث سنوات كان على وشك فقدان سلطته، بعد اندلاع أكبر الاحتجاجات في تاريخ البلاد إثر إعلان فوزه في انتخابات مزورة، وكانت هناك إشاعات بأن الرئيس قد يضطر إلى الفرار إلى الخارج.
أرسل حينها بوتين الشرطة الروسية للمساعدة في قمع الاحتجاجات، ثم قدم قرضاً ميسراً بقيمة 1.5 مليار دولار لمساعدة نظام لوكاشينكو في مواجهة العقوبات الغربية.
في المقابل، أصبحت بيلاروس لوكاشينكو، في الواقع، دولة تابعة لروسيا، وأصبحت نقطة انطلاق لغزو بوتين لأوكرانيا في فبراير (شباط) 2022 على طول حدودها الممتدة على طول 674 ميلاً مع أوكرانيا. بعد ذلك نقلت الصواريخ النووية التكتيكية الروسية إلى بيلاروس.
ثم ظهرت تفاصيل عن الدور الذي لعبته بيلاروس في اختطاف روسيا للأطفال الأوكرانيين. وأصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرات اعتقال بحق بوتين في هذا الصدد، ويقوم المدعون العامون في كييف بجمع أدلة على إقامة ثلاثة معسكرات على الأقل في بيلاروس لترحيل الفتيان والفتيات بالقوة.
وعندما فشل الهجوم الروسي في الاستيلاء على كييف وتغيير النظام - ومن ثم جرى صده - تعرض لوكاشينكو لهجمات متجددة في الداخل، بل وأصبح منبوذاً على الصعيد الدولي، مع تهديدات بمزيد من العقوبات.
ولو كان بوتين سقط آنذاك، لما كان سقوط لوكاشينكو ليتأخر كثيراً. وبرأي فراناك ڤياكوركا، المستشار السياسي لزعيمة المعارضة البيلاروسية سفياتلانا تسيخانوسكايا، "كان نظام لوكاشينكو سينهار على الفور إذا نجح بريغوجين، لذلك كان لدى لوكاشينكو بالتأكيد الدافع لوقف ما يحدث".
والآن تحولت الأزمة إلى فرصة للوكاشينكو، وانهمكت وسائل الإعلام البيلاروسية في تكثيف الثناء عليه، فالرئيس هو "صانع السلام للحضارة السلافية"، وهو "المفاوض الأعلى". وفي موسكو، قال المتحدث باسم الكرملين بيسكوف: "نحن ممتنون لرئيس بيلاروس على كل جهوده. لقد تمكن من حل هذا الوضع من دون مزيد من الخسائر، ومن دون زيادة من مستوى التوتر ".
لوكاشينكو كان ذكر أن بريغوجين وصل إلى بيلاروس، لكن رئيس لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ الأميركي مارك وارنر زعم على شبكة "إن بي سي نيوز" أن رئيس فاغنر كان في "أحد فنادق مينسك الذي لا توجد نوافذ فيه".
وفي الوقت نفسه، ما من داع لأن يقلق لوكاشينكو في شأن إلقائه من نافذة في الوقت الحالي. فبينما هو يتأمل في مكانته الجديدة داخل القصر الرئاسي الكبير في مينسك، لا بد وأن يشعر أنه في وضع مريح ومطمئن للغاية.
© The Independent