ملخص
مبارك تحدث عقب جولة خليجية عام 1993 عن أن مصر لم تكن ضد دولة إيران الإسلامية أو شعبها ولكنها ستعارض محاولات طهران تصدير ثورتها أو التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى
بعد عودته من جولة خليجية استمرت لمدة أسبوع، عقد الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك، مؤتمراً صحافياً في 16 مايو (أيار) 1993 بالقاهرة، معلناً نجاح الزيارة وتحقيق أبرز أهدافها وهو تجفيف مصادر تمويل التيارات الإسلامية المتطرفة ومنع تدفق التبرعات المالية من الخليج العربي إلى بلاده، إذ كانت الأموال توظف لصالح مجموعات متطرفة غالباً ما تستهدف الأمن القومي المصري.
تشير إحدى وثائق الأرشيف الوطني البريطاني، وهي برقية تحمل تاريخ 17 مايو 1993 مرسلة من قبل السفارة البريطانية لدى الرياض إلى مرجعيتها في لندن، وفيها أبرز النقاط التي وردت في حديث الرئيس المصري الأسبق للصحافة في القاهرة. جاء في هذه البرقية: "شدد (مبارك) على الأمن والتعاون الاقتصادي الثنائي، مؤكداً أنه سيتم تعزيز العلاقات الثنائية في المجالات الاقتصادية والمالية والسياحية. وستزور الوفود (الخليجية) القاهرة قريباً لمناقشة التفاصيل. واتفق الجميع على ضرورة مكافحة الإرهاب، ووعدوا بمنع التمويل الخاص من الخليج للجماعات المتطرفة".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتضيف البرقية نقلاً عن مبارك "في ما يتعلق بأمن الخليج (العربي)، قال إن الجميع يدركون الحاجة إلى علاقات قوية. وحول اجتماعات وزراء المالية والخارجية وإعلان دمشق أوضح أنه من المؤمل أن تشهد الأمور تقدماً. لم تكن مصر ضد دولة إيران الإسلامية أو الشعب الإيراني ولكنها ستعارض المحاولات الإيرانية لتصدير ثورتها أو التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى. وينطبق الشيء نفسه على العراق أو السودان أو أي بلد آخر يريد زعزعة استقرار مصر أو تهديد أمنها".
وبحسب البرقية نفسها "وأعلن مبارك أيضاً أنه من أجل منع الإرهابيين في مصر من تلقي الدعم والتوجيه من خلال اتصالات الهاتف والفاكس من جهات خارجية، سيتم قطع الاتصال مع باكستان والسودان وأفغانستان وإيران والعراق". وفي تناقض واضح أشار أيضاً إلى "الحاجة إلى إعادة بناء علاقات عربية سلمية من خلال تعزيز التعاون متعدد الأطراف، وحل النزاعات العربية البينية بين الدول مثل العراق والكويت والسعودية وقطر ومصر والسودان".
زيارة مبارك لألمانيا
كان الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك قد زار ألمانيا قبل أن يبدأ جولته الخليجية في مايو 1993. وتقول وثائق أرشيف وزارة الخارجية البريطانية إن هذه الزيارة التي تمت في 30 مارس (آذار) من العام نفسه، التقى خلالها الرئيس والمستشار ووزير المالية ووزير التنمية وزعيم المعارضة في ألمانيا. ووفق ما تضمنته إحدى الوثائق، فإن أهداف مبارك في هذه الزيارة كانت تركز على نقاط عدة ومنها التعبير عن التفاؤل بالنسبة إلى عملية السلام، وتأكيد أن مصر آمنة للسياحة والسفر بغية طمأنة الألمان في شأن السفر إليها، ومحاولة الحصول على الدعم الألماني لانتقال مصر إلى اقتصاد السوق، وكشف مخاطر التهديد الإيراني/ الأصولي على الأمن والاستقرار في دول المنطقة.
جاء في هذه الوثيقة التي تناولت تفاصيل زيارة مبارك إلى ألمانيا "تحدثنا إلى المستشارية الاتحادية كيستنر (مساعدة المستشار في تنسيق أنشطة الحكومة الاتحادية) التي حضرت المحادثات بين هلموت كول ومبارك... كانت رسالة (مبارك) الرئيسة هي طمأنة الألمان في شأن السفر إلى مصر وأن التهديد الإرهابي مبالغ فيه. كانت مشكلات مصر هي مشكلات الديمقراطية ولكن الديمقراطية كان لها ثمنها. لم يكن السكان ككل أصوليين ولا معادين للأجانب. والرسالة الرئيسة الثانية لمبارك هي السعي إلى الحصول على الدعم الألماني لانتقال مصر إلى اقتصاد السوق".
وتابعت "لم يقدم (المستشار الألماني) كول أي التزامات جديدة لمبارك لكنه أثار قضية حقوق الإنسان، وطلب من مصر مواصلة معركتها ضد الأصوليين في إطار سيادة القانون، كما ناقش مبارك وكول الآفاق في روسيا وتبادلا وجهات النظر حول الإدارة الأميركية. ونوقش عدد من مشاريع التعاون الثنائي، ولا سيما التدريب المهني... أكد مبارك، علناً وسراً، نفوذ إيران المزعزع للاستقرار في الشرق الأدنى والمغرب العربي، من خلال دعمها الإرهابيين والأصوليين في السودان وفي جميع أنحاء شمال أفريقيا، كانت إيران تحاول بناء حزام إسلامي من الدول المعادية للغرب من الجزائر إلى حدود إسرائيل. وتساءل كول عما إذا كانت ليبيا تقف وراء الهجمات الإرهابية الأخيرة في مصر، ورد مبارك بأن إيران هي المسؤولة".
مبارك يحذر من إيران
في 5 مايو 1993 كان مبارك قد تلقى اتصالاً هاتفياً من وزير الخارجية الألماني الأسبق كلاوس كينكل تحدثا خلاله عن عملية السلام وفرصها بين سوريا وإسرائيل، ودور إيران والسودان، وعن الوضع في يوغوسلافيا، والوحدة الأوروبية وروسيا، والقضايا الثنائية بين مصر وألمانيا. وتذكر الوثيقة أن مبارك كان قلقاً للغاية من السياسة الإيرانية في المنطقة، حيث حذر وزير خارجية ألمانيا من التعامل مع إيران ثلاث مرات خلال المحادثة.
وتنقل الوثيقة عن مبارك قوله "لم يساعد الإيرانيون الفلسطينيين ولم يريدوا أن تنجح عملية السلام. كانوا يهدفون، مثل الشاه، إلى الهيمنة على الخليج العربي وكانوا يحاولون تصدير ثورتهم الإسلامية". وأشار بعبارات مألوفة إلى معسكرات التدريب في السودان وإلى "الأفغان". وحذر كينكل ثلاث مرات من التعامل مع الإيرانيين.
وتشير الوثيقة إلى "أن ألمانيا على دراية بالتهديد (الإيراني) لكنها تعتقد أنه من الأفضل العمل على إعادة طهران إلى المجتمع الدولي بدلاً من محاولة عزلها". ويضيف كاتب الوثيقة رأيه في المرونة الألمانية تجاه طهران، قائلاً "المصالح الاقتصادية كانت أيضاً عاملاً في الصادرات الألمانية إلى إيران".
حافظ الأسد ورابين
وحول موقف الرئيس السوري السابق حافظ الأسد من عملية السلام في الشرق الأوسط تتحدث وثيقة بريطانية أخرى عن أن مبارك تلقى رسالة في 20 أكتوبر (تشرين الأول) 1993 من الأسد، يظهر الأخير فيها مرونة تجاه إسرائيل معلناً عن استعداده لقاء إسحاق رابين من دون أن يضع شروطاً مستحيلة.
وكان الرئيس المصري الأسبق توقف في مطار لندن في 23 أكتوبر 1993 أثناء ذهابه إلى الولايات المتحدة، حيث التقى ممثل وزيرة خارجية بريطانيا لمدة ساعة في مطار هيثرو. وذكر تقرير بأبرز النقاط التي دارت في هذا اللقاء "كان مبارك في مزاج جيد. كان أكثر اهتماماً بموضوع سوريا، إذ كان يعتقد أن الرئيس الأسد كان يرسل إشارات تدل على المرونة. في 20 أكتوبر تلقى مبارك رسالة من الأسد تحتوي لأول مرة على عبارة عن استعداد الأسد للقاء رابين ولم يضع (الأسد) شروطاً تعجيزية. اعتقد مبارك أن كلاً من سوريا وإسرائيل قد تحركت بما فيه الكفاية ليكون التوصل إلى اتفاق بينهما ممكناً، وعلى وجه الخصوص كانت سوريا مستعدة للتنازل لرغبة إسرائيل في إقامة علاقات دبلوماسية وتبادل السفارات مقابل السيادة على الجولان. كانت مجرد اتخاذ خطوات لجعل الجانبين على اتصال مباشر وعقد صفقة. وقال مبارك إنه أخبر الأسد أنه لا يوجد سبب يدعوه إلى الامتناع عن بدء مثل هذا الاتصال، على رغم أنه لم يكن مضطراً إلى الذهاب إلى مفاوضات سرية في أوسلو كما فعلت منظمة التحرير الفلسطينية. وقال مبارك إنه ينوي مقابلة الأسد في دمشق عند عودته من رحلته الحالية للولايات المتحدة على رغم عدم اتخاذ قرار حازم حتى الآن. وقال مبارك إن الأسد كان مكتئباً جداً بعد الاتفاق بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية، وربما كانت تلك الحالة انتكاسة من الناحية الصحية، لكنه أصبح الآن أفضل".
ويضيف التقرير نقاطاً أخرى ناقشها ممثل وزير الخارجية البريطاني مع الرئيس المصري الأسبق "في ما يتعلق بقضايا عملية السلام الأخرى، اعتقد مبارك أنه سيكون من الخطأ محاولة إحراز تقدم الآن في المسألة اللبنانية الإسرائيلية، أو معالجة الانسحاب السوري من لبنان، ولكن في النهاية يجب أن يكون من الممكن التوصل إلى حل. وكانت المشكلة الأكثر إلحاحاً هي اللاجئين الفلسطينيين في سوريا، المنتشرين في 200 مخيم. لو وافق السوريون على معالجة هذا الأمر في وقت كامب ديفيد عندما كان هناك ما بين 40 و50 مخيماً فقط، لكان الأمر أبسط بكثير. وكان مبارك يشعر بالمرارة تجاه إيران. لقد ارتكبت (طهران) أخطاء كثيرة. اعتقد الفرنسيون أنهم سيحصلون على بعض المزايا من خلال إيواء الخميني، لكنهم لم يفلحوا، ما كان ينبغي للأميركيين أبداً أن يطلبوا من الشاه المغادرة. القيادة الإيرانية الحالية جعلت شعبها خاضعاً من خلال المغامرات الخارجية، ودعم الإرهاب. إذا سمح للشعب ذات مرة بالتركيز على الوضع الداخلي والاقتصاد المتدهور سيسقط النظام. وفي ما يتعلق بالوضع الداخلي في مصر، ادعى مبارك أن عدد مثيري الشغب قليل نسبياً، وأن دوافعهم لم تكن بالتأكيد الإسلام السياسي لقد كانوا متعصبين مأجورين، لكن مصر واجهت عديداً من المشكلات (مبارك) لم يكن متأكداً على الإطلاق من رغبته في الترشح لإعادة انتخابه في وقت سابق من هذا الشهر (انتهزت الفرصة لأكرر تهانينا على نجاحه). طلب الرئيس مبارك نقل تمنياته الطيبة إلى رئيس مجلس الوزراء ووزير الخارجية".