Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

بريطانيا لم تستمع لتحذيرات الملك فهد من صدام حسين (2-3)

حكومة جون ميجور كانت تخشى انجرار لندن خلف واشنطن والتورط في حرب أخرى ضد العراق

صورة مركبة تجمع العاهل السعودي الملك فهد والرئيس العراقي صدام حسين ورئيس وزراء المملكة المتحدة جون ميجور (اندبندنت عربية) 

ملخص

بحسب وثيقة بريطانية كان الملك فهد يتطلع إلى القضاء على أسلحة الدمار الشامل في المنطقة، لكن التهديد بالقدرة النووية الإسرائيلية هو ما أدى إلى تعقيد الأمور، وفي هذا السياق أعاد تأكيد التزامه بعملية السلام بين فلسطين وإسرائيل، مشيراً إلى أن عمليات ترحيل المئات من الفلسطينيين عقبة أمام الحوار.

استعرضنا في الحلقة الأولى التحذيرات السعودية من أن يستخدم الرئيس العراقي الراحل صدام حسين ما بقي لديه من صواريخ لمهاجمة جيرانه، وفي هذه الحلقة نستعرض ردة الفعل البريطانية وفقاً لتقرير السفير البريطاني لدى السعودية آلان مونرو بعد لقائه رفقة ‏وزير الدولة لشؤون المشتريات والصناعة الدفاعية‏ في بريطانيا جوناثان أيتكين العاهل السعودي الراحل الملك فهد بن عبدالعزيز خلال الـ12 من يناير (كانون الثاني) 1993.

صدام "اليائس" خطر

كان الملك فهد يرى أن صدام حسين أصبح الآن في "وضع يائس" وقد يفكر بشن هجوم صاروخي، وأكد مجدداً أن السعودية اتخذت قراراً بدعم عملية واسعة النطاق تشمل قواعد ومناطق عسكرية حساسة لإعاقة قدرة العراق على الهجوم المضاد.

ويضيف السفير البريطاني في تقريره أن الملك فهد شعر بأن صدام لم يعد طبيعياً بعدما شاهده يتحدث على شاشة التلفزيون العراقي قبل يومين من اللقاء، وأحس أن الرئيس العراقي يشعر بعدم الأمان واليأس وهما ما يعززان فرص قيامه بأعمال متهورة. وقال الملك إن جميع العوامل والأخطار أُخذت في الاعتبار بجدية... إذا ضرب التحالف فيجب أن تكون الأهداف حاسمة حتى لا يرد صدام.

 

وفي حين كان العاهل السعودي غير مقتنع بأن الوقت سيحل المشكلة، طمأن الوزير البريطاني أيتكين الملك بأن بريطانيا تشاركه الموقف نفسه وأنه سينقل وجهة نظره حول الخطر العراقي إلى رئيس الوزراء، مؤكداً أنه لم يكن هناك خلاف مع موقف الملك حول ضرورة التخلص من أسلحة الدمار الشامل.

وانتهز الجانب البريطاني الفرصة لتذكير العاهل السعودي باتفاقية منع الأسلحة الكيماوية التي تم التفاوض عليها أخيراً، أملاً في توقيع السعودية عليها وفق ما قاله عن خطر الأسلحة الكيماوية، وقد أعرب الملك عن استعداده للتوقيع. وكانت مصر تسعى إلى حمل الدول العربية على عدم الانضمام إلى معاهدة منع استخدام الأسلحة الكيماوية كوسيلة ضغط على إسرائيل، وأشار التقرير إلى أن العاهل السعودي على الأرجح لم يكن حينها على علم بتلك الجهود.

ولفت التقرير إلى أن الملك فهد كان يتطلع إلى القضاء على أسلحة الدمار الشامل في المنطقة، لكن التهديد بالقدرة النووية الإسرائيلية هو ما أدى إلى تعقيد الأمور، وفي هذا السياق أعاد تأكيد التزامه بعملية السلام بين فلسطين وإسرائيل، مشيراً إلى أن عمليات ترحيل المئات من الفلسطينيين عقبة أمام الحوار.

وقدم السيد أيتكين دعوة إلى الملك لزيارة لندن، في حين أكد الأخير أنه سيتوجه قريباً إلى الولايات المتحدة لإجراء عملية جراحية وأنه ينوي زيارة لندن في طريقه. وعندما سئل عن موعد ذلك، قال "بعد شهرين أو ثلاثة أشهر، وكان قد أشار الملك للأميركيين إلى أنه قد يسافر بعد رمضان أي خلال أبريل (نيسان) 1993".

بريطانيا لا ترى تهديداً

تشير الوثائق إلى أن حكومة رئيس الوزراء البريطاني جون ميجور كانت تخشى انجرار بلاده خلف الولايات المتحدة والتورط في حرب أخرى ضد صدام حسين. وهذا يتضح من خلال تقييم وزير الخارجية البريطاني المرسل خلال الـ12 من يناير (كانون الثاني) 1993 إلى السفير البريطاني لدى الرياض، والذي يقيم قدرات العراق المتبقية في مجال الأسلحة الكيماوية والبيولوجية والصواريخ الباليستية، إذ يعتقد الوزير "لا تشكل القدرات المتبقية لدى العراق في مجال الصواريخ والأسلحة الكيماوية والبيولوجية أي خطر مباشر".

 

واحتفظ صدام بعدد كبير من ذخائر الأسلحة الكيماوية في محافظة المثنى جنوب البلاد في انتظار تدميرها بما في ذلك القنابل التي تُطلق جواً ورؤوس حربية من نوع سكود، وقد يكون لدى العراق أيضاً مخزونات مخفية من الأسلحة الكيماوية. وأفاد التقييم البريطاني بأن "الأمم المتحدة دمرت جميع الصواريخ التي أعلن عنها العراق. ومن غير المرجح أن تكون جميع صواريخ سكود المتبقية صالحة للاستخدام إذا أخفيت في صورة مكونات، بالتالي لا يمكن استخدامها على الفور. بالتالي فإن الوسيلة الأكثر ترجيحاً لإيصالها هي القنابل التي يتم إيصالها بالطائرات. وفي كلتا الحالتين يتعين على أي هجوم أن يخترق دفاعات التحالف".

وجاء التقييم البريطاني للأسلحة الكيماوية والبيولوجية لتي يمتلكها العراق كالتالي:

- ربما لا يزال العراق يمتلك ذخائر أسلحة كيماوية مخفية، وربما أيضاً مواد كيماوية مخبأة. ومن المحتمل أن تشمل هذه الذخائر قذائف مدفعية وصواريخ MRL وقنابل طائرات. كما توجد رؤوس حربية صاروخية ومن المحتمل أن تكون صواريخ باليستية.

- توجد كميات كبيرة من المواد الكيماوية والذخائر مخزنة في المثنى وجُمعت لتدميرها، ولكنها لا تخضع لسيطرة الأمم المتحدة حالياً. وقد استُردت لاستخدامها من قبل العراق. بالتالي قد يكون من الصعب اكتشاف إزالة عدد صغير من الذخائر أو العوامل من هذا الموقع.

- تعتقد المملكة المتحدة أن العراق قادر على إنتاج الأسلحة البيولوجية وتصنيعها، إلا أن هذا يتطلب تحضيراً وتخزيناً دقيقين لتكون فعالة.

رسالة جون ميجور إلى الملك فهد

أكد رئيس الوزراء البريطاني في رسالته إلى العاهل السعودي أن العمل العسكري الذي قامت به بريطانيا وحلفاؤها، كان مقتصراً على ما هو ضروري لإيصال الرسالة إلى صدام حسين بأن المجتمع الدولي يطالب العراق بالامتثال الكامل لقرار مجلس الأمن رقم 687 والقرارات اللاحقة

وجاء في نص الرسالة:

"أكتب شاكراً جلالتك على الدعم الكامل والتفهم الذي أظهرته باستمرار العمل العسكري الذي اضطررنا إلى اتخاذه ضد العراق خلال الأيام القليلة الماضية. وأنا ممتن خصوصاً لأنك تمكنت من الموافقة بسرعة على استخدام طائرات تورنادو التابعة لسلاح الجو الملكي البريطاني لهذه العمليات.

لقد أبلغني جوناثان أيتكين عن مناقشاته الأخيرة مع جلالتك. وأعلم منه أن وجهات نظرنا في شأن التعامل مع العراق متقاربة للغاية. ومن الواضح الآن أن العراقيين شرعوا في حملة منهجية لاستغلال الفترة التي يسلم فيها جورج بوش السلطة للرئيس كلينتون لتحدي إرادة المجتمع الدولي. إنني لا أشك في أننا بعد التحذيرات المتكررة لم يكن أمامنا من بديل سوى استخدام القوة للقضاء على التهديد الذي تشكله الطائرات العراقية وبطاريات الصواريخ على طائرات الحلفاء في مناطق حظر الطيران.

 

وعلى نحو مماثل رفض العراقيون مراراً وتكراراً السماح لطائرات الأمم المتحدة التي تحمل فرق التفتيش التابعة للأمم المتحدة بدخول الأراضي العراقية دون شروط. وفشلوا في إخلاء مواقع الشرطة في المنطقة منزوعة السلاح على الحدود الكويتية. وكما جاء في التصريحات التي أدلى بها رئيس مجلس الأمن في الثامن والـ11 من يناير (كانون الثاني)، فإن هذه الانتهاكات تشكل انتهاكات جوهرية لشروط وقف إطلاق النار. ولا شك أن صدام حسين كان ليتمكن من إعلان النصر على المجتمع الدولي بأسره لو فشلنا نحن وحلفاؤنا في الاستجابة لهذه الاستفزازات المتعمدة. وكان ليغريه أن يتبع هذا النجاح بمزيد من أعمال التحدي. إن هذا الوضع تحول إلى وضع لا يطاق. إن العمل العسكري الذي قمنا به نحن وحلفاؤنا كان مقتصراً على ما هو ضروري لإيصال الرسالة إلى صدام حسين بأن المجتمع الدولي يطالب العراق بالامتثال الكامل لارتباطاته الإلزامية بموجب قرار مجلس الأمن رقم 687 والقرارات اللاحقة. ولا ينبغي له أن يشك في أن إجراءات صارمة ستتخذ إذا استمر في تهديد سلامة الطائرات الحليفة في منطقة حظر الطيران.

آمل أن تصل هذه الرسالة إلى العراقيين. لقد أخلى العراقيون الآن مواقع الشرطة في المنطقة منزوعة السلاح. وخلال الأيام الصعبة المقبلة آمل أن نتمكن من الحفاظ على اتصال وثيق في ما يتعلق بالتكتيكات. ومن الضروري أن نواصل الضغط على النظام العراقي لحمله على التعاون مع الأمم المتحدة. مع أطيب التمنيات، جون ميجور هيرد".

 

استفزازات حدودية

بعد أشهر من تحذيرات الملك فهد، تعرضت السعودية لاستفزازات حدودية من قبل القوات العراقية في يومي الأول والرابع من يوليو (تموز) 1993 وهو الأمر الذي دفع الحكومة السعودية في 7 يوليو ممثلةً ببعثتها الدائمة لدى الأمم المتحدة في نيويورك إلى توزيع رسالة ليتم تعميمها بشكل غير رسمي على أعضاء مجلس الأمن، وفيها استعراض لثلاث حوادث قام فيها العراقيون بفتح النار على أهداف سعودية على الحدود العراقية - السعودية.

وجاء في الرسالة التي تطالب باتخاذ التدابير اللازمة لوقف الاستفزازات العراقية: "تهدي البعثة الدائمة للمملكة العربية السعودية لدى الأمم المتحدة، نيويورك، تحياتها إلى رئيس مجلس الأمن، وتتشرف بإبلاغه، بناء على تعليمات من حكومتها، أن القوات العراقية قامت خلال الفترة الماضية قبل أيام قليلة، تم إطلاق النار والتعدي على المراكز الحدودية للمملكة العربية السعودية". واعتبرت البعثة تجاوزات القوات العراقية "متهورة" وتدل على "النوايا العدائية للنظام العراقي وعدم احترامه لسيادة المملكة العربية السعودية مما يشكل تهديدا للسلم والأمن الدوليين".

وفي أول بيان علني حول حوادث الحدود الأخيرة، نشرت الصحافة السعودية في 11 يوليو تصريحات أدلى بها متحدث باسم وزارة الخارجية وفيها مخلص للأحداث التي وقعت يومي 1 و4 يوليو، قائلاً إنها تضمنت إطلاق النار من بنادق ورشاشات "كلاشينكوف"، وهذا ما دفع الحكومة السعودية إلى "استنتاج أن من واجبها إخطار رئيس مجلس الأمن، وأن من الصواب إبقاءه على علم بأي تصعيد والسماح له باتخاذ ما يراه مناسباً، وذلك لضمان وضع حد لهذه الممارسات الاستفزازية". وأضاف المتحدث أن "الحكومة السعودية رغم توضيحها للإجراءات التي اتخذتها، لم تكن تهدف إلى أي تصعيد في الموقف، ولكنها اكتفت بترك أي تقييم للإجراءات الضرورية الإضافية لرئيس مجلس الأمن".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

زيارة وفد عراقي معارض

‏وتشير برقية بتاريخ 19 يوليو 1993 إلى أن السفير البريطاني في السعودية السير ديفيد غور بوث‏‏ تواصل مع مع رئيس الاستخبارات السعودي الأمير تركي الفيصل، بعد زيارة لوفد حزب "المؤتمر الوطني العراقي" المعارض لصدام حسين إلى الرياض، وأشار السفير فيها إلى أن الوفد ترك "انطباعا جيدا في السعودية، لكنه مازال بحاجة إلى بذل المزيد من الجهود داخل العراق لتعزيز مصداقيته".

وكتب السفير البريطاني، "لقد شكرت الأمير تركي على الاستقبال الحار الذي حظي به وفد المؤتمر الوطني العراقي قبل ستة أسابيع، إذ كان من المهم تعزيز العملية السياسية وكذلك الحفاظ على الضغوط الاقتصادية والعسكرية. في حين نقل عن الأمير تركي قوله إن "الزيارة كانت ناجحة، فقد لاقى التزام المؤتمر الوطني العراقي بسلامة أراضي العراق استحساناً كبيراً". ووافق السعوديون على العمل كوسيط بين المؤتمر الوطني العراقي والدول المجاورة، بما في ذلك سوريا، وغيرها من المجموعات، رغم أنهم لم يتمكنوا من الدفاع عن قضية المؤتمر الوطني العراقي نيابة عنهم.

وأضاف الدبلوماسي البريطاني، "لم يكن من المستغرب أن يتسبب السوريون في صعوبات أمام المؤتمر الوطني العراقي، ولكن الحقيقة هي أن البعثية عفا عليها الزمن ولم يعد العراقيون ولا أي شخص آخر في المنطقة لديهم شهية لها بعد الآن. كان الرئيس الأسد نفسه يبتعد عن الأيديولوجية كما أظهرت حرصه على دعم محادثات السلام مع إسرائيل. وقد استقبل السوريون جلال طالباني وبكر الحكيم على انفراد وكانوا مستعدين للتفكير في إنشاء مجلس عراقي قد يتفرع عنه هيئات فرعية".

وأفاد الأمير تركي بأن السعوديين ما زالوا ينتظرون مقترحات من المؤتمر الوطني العراقي، كما وعدوا خلال زيارتهم. كان على المؤتمر الوطني العراقي أن يوحد صفوفه في كردستان، من خلال تشكيل لجان مشتركة من مختلف عناصر الشعب العراقي، فضلاً عن تشكيل ميليشيا مشتركة من النوع الذي وعد به النقيب، وفي بقية أنحاء العراق من خلال القيام بأنشطة عملياتية. ومن شأن هذا أن يمنح المؤتمر الوطني العراقي مصداقية لدى بقية الشعب العراقي، الذي أدى كراهيته وخوفه من صدام حسين إلى نشوء موقف قابل للاشتعال. كما أن هذا من شأنه أن يساعد المؤتمر الوطني العراقي في المنطقة أو حولها، حيث يخشى الأكراد من الانتقام، وهو ما يعني أن التهديد بالتدخل الخارجي في دعمهم لابد وأن يظل حقيقياً. وتساءل الأمير تركي بصوت عالٍ عما إذا كانت هناك حالة تستدعي إجراء محادثات ثلاثية بين السعوديين والأميركيين وبيننا بشأن هذه القضية".

اقرأ المزيد

المزيد من وثائق