طرق "تعز" البديلة كابوس يهدد السكان في مواسم السفر والأعياد

منذ سنوات بقيت مفاوضات فتح الطريق إلى المدينة المحاصرة تعز واحدة من أبرز العناوين للمفاوضات بين الحكومة المعترف بها دولياً وميليشيات الحوثيين برعاية الأمم المتحدة، إذ تطالب الأولى بإنهاء حصار تعز.

وفي واحدة من أشهر المفاوضات بين الحكومة والحوثيين التي أنقذت الحوثيين عسكرياً من خلال (اتفاقية ستوكهولم) التي أوقفت عملية عسكرية كانت على وشك انتزاع المدينة الساحلية الاستراتيجية من سيطرة الحوثيين، كان فك الحصار عن مدينة تعز وفتح المنافذ البرية والطرقات أحد ثلاثة بنود تضمنها الاتفاق الشهير في ستوكهولم إلى جانب مدينة الحديدة وتبادل الأسرى والمعتقلين، توقفت قوات الشرعية وحلفاؤها آنذاك عن التوغل واستكمال السيطرة عقب الاتفاق، وعملت القوات التي كانت ترابط في المدينة الساحلية على إعادة الانتشار بحسب بيان تلك القوات حينها، وشهد ملف الأسرى والمعتقلين انفراجة جزئية.

الملف المستعصي

 وبين الحين والآخر تعود المفاوضات إلى طاولة التفاوض بين الجانبين برعاية أممية، لكن ملف المدينة المحاصرة والتي يقطنها ملايين السكان لم يحقق أي تقدم يذكر في ملف اتفاقها، على رغم طرحها من قبل الحكومة في جلسات المفاوضات كأحد الملفات الرئيسة، وحتى اللحظة لم يحقق أي تقدم يذكر.

ومع استمرار المعاناة تطرح من حين إلى آخر دعوات إلى ضرورة التحرك بجهود سياسية ومحلية، لتخفيف معاناة الملايين، لفتح الطرق الرسمية وتجنيب المسافرين ويلات البعد والعناء أثناء دخولهم وخروجهم من تعز وإليها.

مبادرات لفك الحصار

في أحدث مبادرات لفك الحصار عن مدينة تعز الواقعة جنوب غربي اليمن، أعلنت لجنة التفاوض لفتح طرق تعز (لجنة حكومية) عن مبادرة جديدة لفك الحصار عن المدينة، وفتح بعض الطرق المغلقة من قبل جماعة الحوثي.

وبحسب البيان الصادر عن اللجنة الحكومية فإن المبادرة تشمل فتح خمس طرق وخطوط رئيسة تربط المدينة بمحيطها الجغرافي.

والطرق الخمس المقترح فتحها هي "طريق سوفتيل - الجهيم - مسجد الصفا - زيد الموشكي، وطريق مصانع السمن والصابون - المطار القديم - بئر باشا، وطريق كرش - الراهدة - الحوبان - جولة القصر - عقبة منيف"، كما تشمل المبادرة فتح "طريق مفرق الذكرة - الستين - مفرق العدين - سوق الرمادة - الحوجلة - عصيفرة، إضافة إلى طريق الحوبان - جولة القصر - وادي صالة - صالة".

وقالت لجنة التفاوض التابعة للحكومة اليمنية في بيانها إنها تطرح على المجتمع الدولي والمبعوث الأممي باستمرار إنهاء حصار تعز، مطالبة "المجتمع الدولي والأمم المتحدة التي رعت الاتفاق بممارسة أقصى الضغوط على الحوثيين الذين قالت إنهم يستخدمون حصار تعز ورقة سياسية لتحقيق مكاسب في ملفات أخرى".

وأبدت استعدادها لبحث آليات التنسيق لاستقبال المواطنين القادمين إلى المدينة أو المغادرين منها، وتشكيل لجان مشتركة لحل أي إشكالات في حالة فتح الطرق، لكن الجانب الحوثي لم يظهر أي إشارة إلى إمكان التجاوب مع المبادرة أم لا، إلا أن أجواء التهدئة القائمة حالياً أنعشت آمالاً بتحريك الملف وفق المراقبين.

واتهمت لجنة التفاوض الحكومية الحوثيين "بتعمد إذلال أبناء تعز والتلذذ بمعاناتهم، اعتقاداً منها أنها تنتصر على هذه المدينة"، وفقاً للبيان.

وبعد مرور خمس سنوات على توقيع اتفاق ستوكهولم، القاضي بفتح الطرقات المؤدية إلى المدينة، يرفض الحوثيون فتح المنافذ الرئيسة في مدينة تعز التي يغلقونها منذ بداية الحرب، وبدلاً من تنفيذ الاتفاق تقدموا بمقترح لفتح معابر فرعية بديلة لا تلبي حاجات السكان للتنقل الحر ونقل البضائع والمواد التموينية والمياه، وفقاً لبيان حكومي سابق عن مفاوضات فتح الطرقات.

ومنذ 2015 أغلقت جماعة الحوثي الطرق الرئيسة من وإلى عدد من المدن، كـ"الضالع ومأرب وتعز"، الأمر الذي قيد حرية تنقل المدنيين وزاد من معاناة المواطنين.

وبينما كانت الرحلة قبل الحرب من مدينة تعز إلى منطقة الحوبان في المدينة نفسها تستغرق نحو 10 أو 15 دقيقة تستغرق اليوم من ست إلى ثماني ساعات.

ولمغادرة مدينة تعز أو الوصول إليها يضطر السكان إلى سلوك طرق جبلية وعرة، توصلهم وجهتهم بعد ساعات وأحياناً أياماً إذا استجد جديد في الطرقات المستحدثة.

يعمل إياد مصوراً في محافظة مأرب، وتسكن أسرته في تعز، وبين الحين والآخر يعود إلى عائلته إلا أن تعقيدات السفر دفعته إلى التوقف والبحث عن حلول نهائية. 

طرق بديلة تشق الوديان والجبال

يقول في حديثه مع "اندبندنت عربية" إن معاناة الطريق أكبر مما تصورها، فالطريق التي من الممكن أن تستغرق خمس دقائق أصبحت تستغرق بين خمس وثماني ساعات، ويتطلب الأمر كلفة باهظة وهذا يعني أن "الانتقال من أطراف تعز إلى المدينة نفسها رحلة تكاد تساوي السفر من أي مدينة بعيدة إلى تعز".

وقبل أيام سافر إياد من مأرب إلى تعز ويقول إنه "مر في سفره بست محافظات، خلال ثلاثين ساعة من السفر، على رغم أنها لا تستغرق في الأحوال الطبيعية سوى ١٢ ساعة على الطرق الرسمية قبل الحرب، ناهيك بالكلفة المادية التي زادت 1000"، كل ذلك لمحاولة الالتفاف على مناطق سيطرة الحوثي المؤدية إلى المدينة.

ويضيف "في الطريق وجدت أكثر من حادثة انقلاب لمركبات بسبب وعورة الطرق البديلة، وسيارات معطلة، أو متوقفة بسبب عجزها عن الطلوع بسبب دفعها المحدود في العبور، وأطفالاً ونساءً مرميين على قارعة الطريق، فلا توجد خدمات في هذه الطرق وقد لا تجد شربة ماء".

معاناة إياد مثال على معاناة ملايين اليمنيين في عدد من المحافظات اليمنية، فبينما كانت مسافة الوصول بين صنعاء ومأرب ساعتين ونصف الساعة، أضحت اليوم عشر ساعات سفراً متواصلاً في الصحاري والطرق البديلة.

وفي السياق يتحدث إلينا يحيى زكريا، وهو مالك مكتب دعاية وإعلان في العاصمة اليمنية صنعاء غادر صنعاء قبل أيام من أجل العيد مع العائلة في تعز، مشيراً إلى أن ساعات السفر كانت تستغرق ثماني ساعات مع الوقفات في المطاعم والطريق في الوضع الطبيعي، أما اليوم في ظل الطرق البديلة فالوقت الذي يستغرقه للوصول إلى العائلة قرابة 20 ساعة وقد يكون أكثر.

وتشير تقارير حقوقية إلى أن محافظة تعز اليمنية تعاني العقاب الجماعي الناجم عن حصار الحوثي بالدرجة الأولى، وكذلك ضعف مؤسسات الدولة الشرعية وشح المساعدات الإنسانية من قبل المنظمات الدولية.

وأصدر مركز المعلومات والتأهيل لحقوق الإنسان اليمني في السابق تقريراً عن الوضع الإنساني في المدينة (ثاني أكبر محافظات اليمن سكاناً)، وثق فيه وقوع انتهاكات طاولت مدنيين.