شكلت الاتهامات الأخيرة من قبل الرئيس الأميركي دونالد ترمب للصين بالتلاعب في العملة صدمة قاسية لجميع الأسواق، سواء أسواق المال أو العملات أو الطاقة، كما واجه المستثمرون خسائر عنيفة خلال اليومين الماضيين.
وأعلنت واشنطن تصنيف الصين رسميا كدولة "متلاعبة بالعملة"، وفق بيان لوزير الخزانة الأميركي، ستيفن منوتشين، الذي لفت إلى أن السلطات الصينية أقرت علنا أنها تمارس سيطرة واسعة على سعر صرف اليوان، بعد أن قال بنك الشعب الصيني (البنك المركزي)، في بيان له، إنه "سيواصل اتخاذ إجراءات ضرورية ومستهدفة ضد (سلوك القطيع) الذي قد يحدث في سوق الصرف الأجنبي".
جاء بيان الخارجية الأميركية بعد يوم من قرار بنك الشعب الصيني بالسماح لليوان بالهبوط إلى أدنى مستوى أمام الدولار منذ 11 عاما، ليصل دون مستوى 7 يوانات مقابل الدولار داخل البلاد وخارجها، وذلك بعد أيام قليلة من إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترمب عن خطط لزيادة الرسوم الجمركية على مزيد من الواردات الصينية إلى بلاده بقيمة 300 مليار دولار اعتبارا من أول سبتمبر (أيلول) المقبل.
وقال وزير الخزانة الأميركي إن واشنطن ستخاطب صندوق النقد الدولي "لإلغاء المزايا التنافسية غير العادلة التي نتجت عن الإجراءات الصينية الأخيرة".
ويتهم مسؤولون أميركيون بكين منذ فترة طويلة بالتحكم في عملتها لدعم المصدرين، إلا أن تلك هي المرة الأولى التي يجرى فيها توجيه اتهام رسمي أميركي للصين منذ عام 1994. لكن إجمالاً فإن القرار الأخير يعد تنفيذا لتعهد الرئيس الأميركي في وقت سابق، تصنيف الصين كمتلاعب بالعملة، في أول اتهام منذ ربع قرن.
117 مليار دولار خسائر أثرياء العالم خلال ساعات
وعلى خلفية اشتعال الحرب التجارية بين واشنطن وبكين، فإن نحو 3 مليارات دولار سحبها المستثمرون من أسهم وسندات الأسواق الناشئة هذا الأسبوع، بسبب المخاوف من احتدام الحرب التجارية بين الصين والولايات المتحدة، وفقا لتقديرات مرصد التدفقات التابع لمعهد التمويل الدولي.
وتشير التقديرات إلى خروج 6.8 مليار دولار من الأسواق الناشئة منذ الخميس الماضي، منها 2.33 مليار دولار فقط يوم الجمعة. ووصف معهد التمويل الدولي في مذكرة منفصلة التدفقات الخارجة من الأسواق الناشئة حاليا بـ"نوبة ذعر التجارة الثانية"، في إشارة إلى نوبة الذعر التي أدت إلى زيادة التدفقات المالية الخارجة من الأسواق الناشئة خلال مايو (أيار) الماضي.
وشهدت الأسواق الآسيوية بشكل خاص تخارجات كبيرة خلال يوم الجمعة الماضي، وشملت مليار دولار سحبها المستثمرون من الأسهم الصينية، في حين خرجت استثمارات بقيمة 400 مليون دولار من الهند، و760 مليون دولار خرجت من تايوان على مدار يومين.
حرب التجارة، وربما العملة، بين الصين وأميركا تلقي بظلالها على أثرياء العالم، فقد خسر أغنى 500 شخص حول العالم نحو 2.1% من صافي إجمالي ثرواتهم، بما يعادل 117 مليار دولار، بعد أن تهاوت الأسهم الأميركية لتسجل أكبر هبوط لها على مدار العام، جرّاء تصاعد حدة التوترات التجارية بين أكبر اقتصادين في العالم.
وذكر تقرير لـ"بلومبيرغ" أن مؤشر "داو جونز" سجل أكبر خسائر يومية في 2019 يوم الاثنين الماضي، حيث فقد 760 نقطة وأغلق عند مستوى 25717 نقطة.
وفقد 21 شخص بقائمة "بلومبيرغ" نحو مليار دولار أو أكثر، حيث تعرضت أسهم الشركات إلى تراجع حاد بالتزامن مع التوترات التجارية بين الولايات المتحدة والصين. وكان لـ"جيف بيزوس"، مالك شركة "أمازون"، أكبر نصيب من التراجع، حيث فقد نحو 3.4 مليار دولار، بعد انخفاض سهم شركته بنحو 3.1%، لتصل القيمة الإجمالية لثروته عند 110 مليارات دولار، لكنه لا يزال محتفظا بلقب أغنى شخص على مستوى العالم.
كما أن التراجع في بورصة هونج كونج لا يزال يضغط على ثروات أغنياء العالم، حيث هبطت لأدنى مستوى في 6 أشهر، وفقد أبرز 10 أثرياء نحو 19 مليار دولار من ثرواتهم منذ 23 يوليو (تموز) الماضي.
ووصلت الآن القيمة الإجمالية لثروات الأفراد في مؤشر "بلومبيرغ" إلى مستوى 5.4 تريليون دولار، مرتفعة بنحو 11% منذ بداية العام الحالي.
هذا ما يجب اتباعه في تكوين المحافظ الاستثمارية
نهج جديد ينبغي على المستثمرين اتباعه في تكوين المحافظ الاستثمارية، وفقا لما قاله الخبير الاقتصادي العالمي محمد العريان، في مقال نشر بصحيفة "فايننشال تايمز".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
"العريان" أشار في تحليله إلى أنه ينبغي على المستثمرين البدء في مراجعة استراتيجيات تكوين تلك المحافظ الاستثمارية مع تزايد الدور الذي تلعبه العوامل الاقتصادية والسياسية غير المواتية في تحديد تحركات أسعار الأصول، ليطغى على تأثير سياسات البنوك المركزية، وبعدما ظل المستثمرون لسنوات يعتمدون على البنوك المركزية لمواجهة أي تقلبات في الأسواق.
وأضاف أن الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين، والتي لم تشهد حتى الآن تهدئة حقيقية، تعني أن تكوين المحافظ الاستثمارية بناء على المكاسب المتوقعة من زيادة السيولة في السوق فقط سيكون أصعب مما كان في السابق.
الخسائر العنيفة تدفع المستثمرين إلى الملاذات الآمنة
وقال المحلل الاقتصادي أحمد الحارثي، إنه لا يوجد ما يدعو إلى التفاؤل في الوقت الحالي، بخاصة مع الأحداث العديدة التي يشهدها العالم، سواء ما يتعلق بالتوترات الجيوسياسية في المنطقة والتي تلقي بظلالها السلبية على أسواق النفط، أو الحرب التجارية المشتعلة بين أكبر اقتصادين في العالم (أميركا والصين).
وأوضح أن جميع أسواق المال العالمية والعربية على موعد مع الخسائر العنيفة خلال الفترة المقبلة، بخاصة وأنها الأكثر تأثراً بكل الأحداث التي يشهدها العالم في الوقت الحالي، وبالتالي نجد أن المستثمرين يهربون بأموالهم إلى الأصول والملاذات الآمنة، وهو ما تسبب في قفزة كبيرة في أسعار الذهب خلال الأيام الماضية.
وتوقع "الحارثي" أن تتواصل الخسائر خلال الفترة المقبلة، خصوصا وأن الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين انتقلت من التجارة إلى سوق العملات، ما يشير إلى أن أسواق العملات العالمية سوف تواجه أزمات عنيفة، وربما تتراجع غالبية العملات مقابل الدولار الأميركي الذي ما زال يحتفظ بقوته حتى الآن.
تراجعات مستمرة في أسواق الأسهم
وفي نهاية تعاملات جلسة الأربعاء، أغلق المؤشر "نيكي" الياباني منخفضا في الوقت الذي يحفز فيه ارتفاع الين والمخاوف من نشوب حرب عملات عالمية المستثمرين على بيع الأصول عالية المخاطر، على الرغم من أن بعض نتائج الأعمال الإيجابية للشركات وارتفاع بورصة وول ستريت ساهما في كبح الخسائر.
ونزل المؤشر نيكي 0.33 بالمئة ليغلق عند 20516.56 نقطة.
وتراجعت الشركات المعتمدة على التصدير مع استمرار ارتفاع الين مقابل الدولار، لتظل العملة اليابانية قرب أعلى مستوى في سبعة أشهر، والذي سجله في الجلسة السابقة. ويُنظر إلى الين عادة باعتباره ملاذا آمنا خلال أوقات اضطراب السوق، وزادت العملة اليابانية في الجلسات الماضية مع تصاعد مفاجئ للحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين.
وخسر سهم هوندا موتور 0.9 بالمئة، ونزل سهم ميتسوبيشي إلكتريك 1.3 بالمئة، وتراجع سهم تي.دي.كيه 2.2 بالمئة. وواصلت أيضا تقارير الأرباح التأثير سلبا على التداولات.
وهوى سهم سومكو كورب، الشركة المصنعة لرقائق السليكون المستخدمة في أشباه الموصلات، 9.3 بالمئة بعد أن هبطت أرباح الشركة التشغيلية 18.4 بالمئة في الفترة بين يناير (كانون الثاني) ويونيو (حزيران).
وارتفع المؤشر توبكس الأوسع نطاقا 0.05 بالمئة إلى 1499.93 نقطة. وفاق عدد الأسهم الهابطة تلك الرابحة بواقع 1060 إلى 1003.